علي القاسمي- الحياة السعودية-
سادة هذه التناقضات هم المأزومون بمماحكات السياسة ومفاهيم المواطنة والمتعطشون لأناشيد الأمة، المجاهدون في قضايا المرأة والتغيير والتغريب.
وفي كل مصطلح عَبَر ذكره تتراوح نسبة التأزيم صعوداً وهبوطاً. لديهم قناعة بضرورة وأهمية حمل راية الشكوك في أي مواجهة مجتمعية، خصوصاً إن كانت المواجهة تسفر عن لقاء مع بني الجـــلدة، هؤلاء السادة يقرأون ما يقــــع بين أيديهم من الطرح والأفكـــار مــن زاوية عاطفية بحتة مدعمة بأقرب النصوص المتوافرة وإن كــــانت على بعد من الدقة والصحة والقوة، يصفقون للأيــديولوجيا التي تخدمهم والكراسي المثمنة لبعض جمل من ثرثــرتهم المتتالية وحماستهم منــقطعة النظير لقضاياهم الخاصة بالطبع، هم الراغبون في أن تتــحول قــضايا حزبية خاصة لقــضايا عــامــة بعد أن يتم تغليفها وإحاطتها بجمل التضخيم والخوف والتفكك والخيانة والضلال، لديهم أزمات ثابتة بنوايا متحركة يرافقها تجييش جماهيري ضد من يقف بوعي لوزن أذرعتهم أو تقليم أظافرهم وتعرية ما ينفث من أحرف وعبارات ظاهرها السلام وحمائم السلام، لكن باطنها معبأ بكل الخيبات الممكنة.
تناقضاتهم المخجلة لا تعني لهم شيئاً قدر ما تمثل رصيداً إضافياً في قوة الوجه والتلون في كل القضايا والصراعات والحكايات بما يخدمهم أولاً، لا يهمهم سوى أن تنتصر مشاعرهم وتأويلاتهم بغض النظر عن كيفية المنتصر وإلى ما يؤول إليه أي انتصار، تتداخل لديهم مفردات الحرام واللا يجوز، فما يجوز هنا قد لا يجوز هناك وما هو حرام أيضاً فيسهل أن يطلق عليه حلال هناك، وما بين هنا وهناك مشاريع عمل وترتيبات وأمنيات ودعوات لأن تتكلل كل الطموحات بالنصر والمؤازرة والتأييد والنجاح.
كان يقينهم حصراً على أوراقهم فقط وهذا اليقين عزز لديهم أن سلالمهم التي صعدوا عليها بين وقت وآخر غير معرضة للكسر ولا للسقــوط فهـــذه الســلالم مهيأة بهجاء معين من لا يتقنه فلن يتمكن من الاقــتراب من هذه السلالم نيابة عن أن يصعد من خلالها، بل إن شيئاً من أبجديات هذا الهجاء هو رمي الآخرين بتهم الكيل بمكــيالين والهلامية والعداء للدين، فيما هي تـــفرغ للتقديس وتعطيل التفكير والسير «القطــيعي» من دون السماح بلــحظة توقــف أو مشاركة وسؤال عابر ينمو في العقل من دون أن يجد من يرعى نموه لمصلحة عامة وخط مستقيم لا من أجل هم مضطرب ومائل.
كانت التناقضات طوال أعوام فائتة تسير بصمت وبغطاء مهذب فيما لو دقق فيها أحد وشاغبها باستغراب أو استهجان، فحراس بـــوابات تصـــحيح الخطأ - ولكل مــقام مقـــال وأن ما يطرأ من تلون هو من لوازم ومتطــلبات المرحلة - يقــفون بالمرصاد وسداً منيعاً لئلا يمس أحدٌ ســيادة الــحضور الطاغي ويقترب من نثر الملح على الجراح، وإن أراد عابر طريق أن يجلب له من الهجوم ما يكفيه فليسأل عن أسباب الفرقة وضياع الآراء والانحراف والشذوذ الفكري وتراجع القــناعات إلى خـــط الهــامش، حيــنها ستكون عبارات ومقاسات التصنيف والاتهام والتقزيم والتحييد والتخوين جاهزة، لأن الشرح الأول للهجاء الصحوي يــقول: «من صافحنا نصافحه ومن اختلف معنا ولو في الرأي والتوجه سنناصبه العداء ونراه ضاراً بالبلاد والعباد»، وليت أن صندوق التناقضات ليس مليئاً ومسطرة الحساب لم تكن في يد واحدة.