الامارات اليوم-
رصدت «الإمارات اليوم» أشكالاً جديدة للتسول، يعرف بـ«التسول الأسري»، منها الاعتماد على الأطفال، إذ تصطحب نساء أطفالهن لممارسة التسول في المقاهي، وطرق أبواب منازل المقيمين والمواطنين، وذلك لجذب تعاطف المحسنين، أو قيام بعض المتسولين باصطحاب زوجاتهم وأطفالهم ويدّعون انقطاع سبل العيش الكريم للاحتيال على المارة وقرب مراكز التسوق.
عدد كبير من المواطنين والمقيمين اعتبروا هذه الممارسات ظاهرة دخيلة على المجتمع الإماراتي، فيما رفضت مقررة لجنة حقوق الإنسان للمجلس الوطني الاتحادي، ناعمة الشرهان، وصف التسول بالظاهرة، مؤكدة أنها حالات فردية لأشخاص خارجين عن القانون تستطيع أجهزة الدولة التعامل معها.
بدورها حذرت وزارة الداخلية والإدارة العامة لشرطة أبوظبي، من الأساليب الاحتيالية التي يستخدمها متسولون بهدف استدرار عطف الناس والوصول إلى غاياتهم، فيما أكد صندوق الزكاة أن لديه أكثر من ستة مشروعات تخدم فئة الفقراء والمساكين.
وتفصيلاً، شكا مواطنون ومقيمون من انتشار ملحوظ لمظاهر استغلال الأطفال في أعمال التسول، من خلال التجول بين المقاهي وأمام المطاعم والمراكز التجارية ومحطات البترول، وبلغ الأمر إلى طرق أبواب المنازل من أجل الحصول على المال، مؤكدين أن هؤلاء الأطفال يقدمون على مثل هذه التصرفات بتعليمات من أهاليهم.
ويقول المواطن أحمد الرشيد: «لاحظت انتشار هذه الظاهرة، حينما كنت جالساً وأصدقائي في أحد المقاهي، شاهدت طفلة لا تتعدى الأعوام التسعة في هيئة رثة، تتجول بين الطاولات، طالبةً من الجلوس أي مبلغ لتتناول وأخوتها العشاء، وبعدما مرت على جميع مرتادي المقهى، خرجت إلى الشارع حيث كانت تنتظرها امرأة مهندمة الملبس، فسلمتها ما حصلت عليه من دراهم، ثم توجهتا نحو مقهى آخر مجاور لتعيد الكرّة، في مشهد كان صادماً لي».
ويضيف الرشيد: «توجهت مباشرة إلى المرأة التي كانت تنتظر الطفلة أمام المقهى المجاور، وسألتها عن علاقتها بهذه الطفلة، فأجابت أنها ابنتها، فاستنكرت استغلال ابنتها في التسول من أجل كسب المال، فأخذت تبكي بدعوى هجر زوجها لها وعدم قدرتها على تلبية احتياجات أبنائها الأربعة، فطلبت منها التوجه إلى المؤسسات الخيرية لإعالتها، بدلاً من التسول في الشوارع، ثم أعطيتها مبلغاً من المال، وعنوان مؤسسة خيرية».
ويلتقط صديقه المواطن عمر الشامسي، أطراف الحديث قائلاً: «هذه ليست المرة الأولى التي نشاهد فيها أطفالاً يتسولون داخل المقاهي والشوارع»، متابعاً «منذ أسبوع تقريباً كنت في أحد المقاهي بمدينة خليفة (أ)، وإذا بطفل صغير لا يتجاوز من العمر 11 عاماً يربت على كتفي، طالبا مني خمسة دراهم ليشتري بها طعاما».
ويضيف: «أحزنتني لهجة الطفل، لكن ذلك دفعني لسؤاله لماذا لا يعطيك والدك مصروفاً لشراء أكل، فرد الطفل: والدي لا يعمل ولا توجد معه أي نقود، فمنحته ما طلبه، لكن بعد ذهاب الطفل جاء أحد العاملين في المقهى ليخبرني بألا أعطي أي طفل مالاً، لأنهم يأتون مراراً إلى الجالسين في المقاهي ويتسولون للحصول على المال، بتحريض من أسرهم».
فيما أكد المهندس، عبدالله الزعابي، أن المناطق المحيطة بالمراكز التجارية باتت مقصداً لعشرات من المتسولات اللاتي يجُبن الشوارع بصحبة أطفالهن، ويحملن أوراقاً من أطباء ومستشفيات تزعم أنهن أو أبناءهن يعانين من أمراض، ولا يستطيعون توفير العلاج.
وحذر الموظف في أحد البنوك، سعيد محمد العامري، من تفشي ظاهرة استغلال الأطفال في التسول، قائلاً: «فوجئت في أحد الأيام بمتسولة تطرق باب شقتي مصطحبة معها ثلاثة أطفال تراوح أعمارهم بين أربع و10 سنوات، وتطالب بمساعدة مالية وهي تحمل ورقة مختومة من أحد المراكز الطبية تفيد بأنها مريضة وفي حاجة إلى علاج ومصروفات عملية جراحية، وعلى الرغم من استيائي الشديد من هذا الموقف إلا أن مشهد الأطفال دفعني إلى الاستجابة الفورية لمطلب المرأة على الرغم من شكي في صدق مزاعمها».
وأكد الموظف، علي سعيد، انتشار الأطفال المتسولين بشكل ملحوظ أمام مطاعم الوجبات السريعة، لافتاً إلى أن «طفلاً من جنسية دولة آسيوية استوقفه أمام أحد المطاعم، ماداً ذراعه في إشارة لمطالبته بإعطائه مالاً للحصول على وجبة الغذاء لأنه لا يملك ثمنها، فقلت له أنا في طريقي إلى المطعم لتناول وجبة الغذاء، ودعوته إلى مشاركتي الغذاء لأن منظره العام كان لا يوحي بحالة متسول تقليدي، إلا أن الطفل رفض وطلب المال، وعندما لم يحصل على مبتغاه تركني وسار يحاول مع غيري من المارة».
بينما ترى المعلمة في إحدى مدارس أبوظبي، ميرا حميد المزروعي، أن مشهد المتسولين بات مألوفاً في الشوارع، ويتفنن كل متسول في كيفية استغلال العاطفة والوازع الديني لدى المتصدقين والمحسنين وأهل الخير، والحصول على أموالهم، قائلة: «ذات مرة وقف رجل عربي الجنسية أمام سيارتي ومعه زوجته وثلاثة أطفال، ولم يستحِ أن يطلب مني مالاً لإعانته على تربية أولاده، أمام أفراد أسرته، زاعماً أنه طُرد من عمله وليس معه أي أموال، ويريد أي شيء يساعده على سداد حاجته وشراء طعام لأولاده»، مضيفة: «أمام هذا الموقف شعرت بحرج بالغ ولم أستطع رده أو حتى نهره وتوجيهه أمام أولاده، فمنحته مالاً وقلت له على استحياء ابحث عن عمل آخر».
من جانبه، دعا مدير مكتب ثقافة احترام القانون في الأمانة العامة لمكتب سمو نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، العقيد الدكتور صلاح عبيد الغول، أفراد المجتمع إلى التعاون في محاربة ظاهرة التسول، وعدم التعاطف مع الأشخاص الذين يستغلون مشاعرهم بطرق احتيالية في الغالب.
وقال لـ«الإمارات اليوم» إن «التسوّل ظاهرة دخيلة على المجتمع الإماراتي، ومظهر يسيء إلى الوجه الحضاري للدولة التي يقوم كيانها على التكافل الاجتماعي، بما وفرته من سبل العيش الكريم للمواطنين والمقيمين على أرضها»، مضيفاً أن «من يمارس هذه السلوكيات لا يملك أي نوع من الثقافة التي ترفع من مستوى الإنسان، وتحافظ على عدم هدر كرامته».
وحذر الغول الأفراد من «أساليب احتيالية يتبعها متسولون لاستدرار عطفهم، من أجل الوصول إلى غاياتهم»، موضحاً أن «قوانين الدولة تحظر التسول، وتعتبر كل من عرض سلعاً تافهة أو ألعاباً بهلوانية لا تصلح مورداً جدياً للعيش، أو اصطنع الإصابة بجروح أو بعاهة، أو استعمل أي وسيلة أخرى من وسائل الغش، بقصد التأثير في الجمهور لاستدرار عطفه، من أعمال التسول التي يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة، أو أحداهما، لمن يمارس هذه الأفعال غير الإنسانية، مع جواز الإبعاد للمقيمين، وتشدد العقوبة في حال معاودة ارتكاب الجريمة».
فيما أكدت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف أن التسول ممنوع قانوناً، وأنه يعد إحدى الظواهر السلبية في المجتمع وأيضاً للفرد، مشيرة إلى أن «الله أمر عباده بأن يسعوا في الأرض ويمشوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه، وجاءت نصوص الكتاب والسنة مبينة طرق كسب المال».
وأوضحت الهيئة أن الناس في كسب المال أقسام، فمنهم من يمتهنه ويبدع فيه، وآخرون سلكوا طريقاً محرماً مخالفاً للشرع بغية تحصيل المال، مؤكدة أن التسول من الطرق المحرمة التي أضحت آفة ومهنة يمتهنها البعض للكسب السريع، مستغلاً بذلك أخلاق الناس وإنسانيتهم.
وبدوره أفاد الأمين العام لصندوق الزكاة، عبدالله بن عقيدة المهيري، بوجود أكثر من ستة مشروعات زكاة تندرج تحت مصرف الفقراء والمساكين، تغطي كل أشكال احتياجاتهم، مشدداً على أنه لم يتوانَ في تلبية احتياجات أي مستحق يتوجه إليه، طالما استوفى الأوراق المطلوبة لذلك.
وأوضح المهيري لـ«الإمارات اليوم» أن أول هذه المشروعات «إعانة»، ويقدم دعماً للعاطلين عن العمل لإغنائهم عن السؤال والحاجة وضمان عدم انحرافهم، ومشروع «رحمة»، الذي يهدف إلى إعانة الأرامل اللاتي لديهن أبناء تتعدى أعمارهم سن اليتم.
وأضاف أن المشروع الثالث «أمل» يستهدف المعاق بهدف توفير تكاليف التأهيل والتعليم الخاصة به، وما يحتاج إليه، ليكون عنصراً فعالاً في المجتمع، والمشروع الرابع «أجر وعافية» الذي يهدف إلى مد يد العون إلى المرضى المحتاجين الذين يجدون صعوبة في تحمل تكاليف العلاج.
وأشار إلى أن المشروع الخامس «تلاحم» يستهدف المطلقات اللاتي لديهن أطفال، ولا تفي النفقة حاجتهن اليومية، وليس لديهن معيل، والمشروع السادس «مودة» الذي يهدف لدعم المواطنة زوجة الأجنبي، حيث برزت في الآونة الأخيرة فئة المواطنة زوجة الأجنبي بشكل واضح وملموس.
فيما رفضت مقرر لجنة حقوق الإنسان للمجلس الوطني الاتحادي، ناعمة الشرهان، وصف استغلال الأطفال في التسول بالظاهرة، مؤكدة أنها حالات فردية شذّت عن المجتمع، والدولة تمتلك القدرة والآليات الكافية لمواجهتها في مهدها.
وقالت الشرهان إن التسول أصبح قائماً على الغش والخداع والتدليس بعد غياب الضمير عن المتسولين، في المقابل فإن الدولة أنشأت العديد من المراكز الخيرية التي تقدم المساعدات للمعوزين والفقراء من مختلف الشرائح والفئات، كما تنفذ العديد من المشروعات الخيرية داخل الدولة وخارجها، وكل من يتقدم لتلك المراكز حسب منطقته وحاجته، فإنها تلبي طلبه بعد دراسة حالته وتساعده على حل أزماته.
وتابعت «أمام ما توفره الدولة لمثل هذه الحالات، من غير الطبيعي أن يظل التسول قائماً، إلا لمن يعتبره مهنة وتكسّباً ووسيلة لجمع المال، وهؤلاء يستغلون الأطفال من دون استحياء، باعتبار الطفل هو الحلقة الأضعف، ولأن المجتمع الإماراتي يتسم بالعطاء والطيبة، فالمواطن لا يستطيع رد طفل يحتاج أو حتى يدعي الحاجة».