هيفاء صفوق- الحياة السعودية-
تعاود هذه القضية الظهور بين الحين والحين بصور أكثر إيلاماً، تجعلنا نتوه ونتعجب! بصراحة نقولها، على أي أساس يتم هذا التفريق؟ خصوصاً بعد حدوث الزواج لسنوات طويلة وإنجاب الأبناء، شيء لا يصدقه العقل ولا المنطق، وعندما نتأمل ونتابع هذه القضايا نجد أن ولي الأمر (كالأب) كان موافقاً ومؤيداً، لكن بعد وفاته يظهر الأقرباء لصد هذا الزواج! من يتحمل مسؤولية هذه الأفعال والتصرفات غير الإنسانية وغير العادلة؟ هي مظلومية شديدة السواد سيحاسب عليها كل من ارتكب شيئاً فيها، الحياة قائمة على (العدل)، وليس على أهوائنا أو مزاجية تصرفاتنا كبشر.
المادة الثامنة في النظام الأساسي للحكم تنص على أن (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية)، كما تطرق النظام الأساسي للحكم إلى حماية حقوق الإنسان في المادة الـ٢٦ وفق الشريعة الإسلامية.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون).
وحديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: برٌّ تقي كريم على الله، وفاجرٌ شقي هين على الله، والنَّاس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب».
جاء بنو البكير من بني ليث من قبيلة كنانة إلى رسول الله فقالوا: زوج أختنا فلاناً، فقال لهم: «أين أنتم عن بلال»، ثم جاؤوا مرة أخرى فقالوا: «يا رسول الله أنكح أختنا فلاناً»، فقال لهم: «أين أنتم عن بلال؟»، ثم جاؤوا الثالثة فقالوا: «أنكح أختنا فلاناً»، فقال: «أين أنتم عن بلال؟ أين أنتم عن رجل من أهل الجنة؟»، فأنكحوه. وبلال كان حبشياً وأسلم، ولم ينبذه الرسول صلى الله عليه وسلم. مؤسف أن تجد أسرة كاملة تشتتت وتفككت مرغمة ببشاعة تلك الأفكار البائسة التي لم تجد تطبيق العدل إلا هنا في المكان الخاطئ!
لم يذهبوا إلى إطعام المساكين، أو مساعدة الفقراء، أو مساعدة أنفسهم في الخروج من عصر الجاهلية وكف أذاهم عن الآخرين! لا بل فضّلوا شيئاً يستطيعون السيطرة عليه والبث فيه ليخاطب «الأنا» في داخلهم، يظهر قوتهم على من هم أضعف منهم، طالما لا يوجد تفعيل لقانون يردعهم، ويوضح لهم الصحيح من الخطأ، لذا سيتمادى هذا الظلم أكثر وأكثر.
من حق الجميع أن يتصرف بأموره الشخصية، لكن لا يحق لأي إنسان السيطرة بظلم وجرم على الآخر، وإن كانوا ذوي قربى، وإلا لعمّت الفوضى والعداء والإجرام والنهب و السلب. عندما نغوص في أعماق تلك العائلة التي تعرضت للتفريق سيتبادر في الأذهان، ما مصيرها كأسرة؟ ما مصير الأبناء؟ مع من يذهبون؟ مع الأم أم الأب؟ ما هو انعكاس هذا على نفسية الأبناء؟ وماذا نقدم للمجتمع من أفراد؟ هل نحن نتبنى الظلم ونساعد في زيادة العنصرية والجهل؟
شيء لا يصدقه عقل ولا منطق! ولا يرضى به إلا جاهل وأحمق، أو من أصابه الغرور والتباهي، ونسي أن جوهر الإنسان صدقه أولاً مع ربه، الذي خلق الدنيا كلها لينتشر فيها العدل والمساواة والمحبة والسلام، ويختبر فيها صدق النوايا والأعمال والأفعال، إنه جهد الإنسان وعقله وقلبه، هذا ما سيحاسب عليه، أين هم من هذا؟
الظلم على الفرد أو الجماعة يسمى ظلماً لا فرق بين فرد أو جماعة، ليس بالضرورة أن تكون ظاهرة بارزة لكي نتحدث فيها، على رغم قضايا تكافؤ النسب التي تتكرر كل فترة، يعتبر ذلك انتهاكاً لحقوق الإنسان و كرامته وحريته الشخصية. كل ذلك له آثاره النفسية التي تطاول الزوجة والزوج، نتخيل أنفسنا مكانهما، ماذا سنشعر؟ نشعر أن أحداً خلعك من مكانك واستقرارك ونزع منك الأمان النفسي والمعنوي، تشعر بالعراء والسخط والوجع، وأن يديك الاثنتين مقيدة عاجزة، ستشعر بالظلم والعجز، أي ستتحول إلى شخص عاجز لا دور له في الحياة، فما أصعب أن يتحكم فيك الغير ومن دون وجه حق، وأنت في منزلك لا أحد يساعدك أو ينصفك، أعوذ بالله من شعور الظلم وإجحاف حق الإنسان، أعوذ بالله من الافتراء والجهل، (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال).
كما سيترك آثاره السلبية والنفسية على نفسية الأبناء وشعورهم بالدونية، وأنهم أقل من غيرهم، وأن ذلك البيت لن يجمعهم مع بعض كما كان، أي سندخل دهاليز افتقاد الأمان والاستقرار النفسي في دواخلهم وذواتهم، وسنطبع على أفئدتهم بصمة موجعة لن تذهب، لما كل ذلك!
تحدث الكثير من الكتّاب عن هذا الموضوع بالذات، ووصلنا إلى ضرورة إيجاد قانون ينصف الإنسان المتضرر وأن يعطي حقوق الإنسان بأنصاف، قانون عادل لا يخضع للعرف والتقليد والجهل الأعمى.