أطلت الاحصائية الحديثة لوزارة العدل بوجه قبيح للغاية كاشفة عن ارتفاع معدلات الطلاق في المملكة.
الأرقام التي أعلنت كبيرة تؤكد أن هذه الظاهر في تزايد مستمر، حيث سجلت الإحصائية الأخيرة التي صدرت عن العام 1436هـ زيادة بحوالي 2000 حالة عن العام قبل الماضي، حيث كانت إحصائية 1436هـ 46373 حالة، فيما كانت في العام قبل الماضي 1435هـ 44939 حالة.
وبينت دراسات عديدة في هذا الجانب، أن حالات الطلاق وانفصال العائلة من أهم الأسباب التي تدعو الشباب والفتيات إلى الالتحاق بالمنظمات الإرهابية وكذلك الحالات الجنائية، ومن الاحصائيات التي أجريت دراسة أجراها د. عبدالله العسكر لجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، والتي أكد فيها أن 64% من نزلاء السجون في المنطقة الوسطى والغربية والشرقية هم من أسر منفصلة وقابلة للتفكك.
وجاء إقرار مجلس الوزراء "لمجلس الأسرة" ليكون له دور فاعل في معالجة حالات التفكك الأسري نتيجة دخول مؤثرات ثقافية كثيرة في المجتمع، جعلت لكل فرد في الأسرة اهتماماته ومشاغله الخاصة به، حيث يجب على الآباء والأمهات إدراك خطورة هذا التفكك والعمل على توجيه الأسر نحو التماسك والاجتماع، كون التربية ليست مسؤولية المدرسة وحدها بل هي أيضاً مسؤولية البيت، ولا بد للآباء من متابعة الأبناء حتى يكتشفوا أي خلل يطرأ عليهم.
أرقام العدل غير دقيقة
من جانبهم، أكد عدد من المختصين لـ "الرياض" أن موافقة مجلس الوزراء على أن انشاء مجلس برئاسة وزير العمل والتنمية الاجتماعية باسم "مجلس شؤون الأسرة" أن له أبعادا أمنية واجتماعية على المجتمع وعلى جميع الاسر وأبنائها.
في البداية، كان الحديث مع مدير جمعية مودة للتنمية الأسرية محمد آل رضي والتي تحتضن 37 ألف اسرة، وأوضح بأن هناك خلطا كبيرا في مفهوم الطلاق في السعودية، وأن 45% يمثل حالات الطلاق بين عقد النكاح والدخلة وبالتالي يكون الافتراق قبل الدخول على الزوجة، وأما ما يمثل 30% فهو الطلاق بين الطلقتين الأولى والثانية وهذا رقم يعتبر كبيرا في مثل هذه الحالات.
وأضاف: "يجب على وزارة العدل أن توضح حالات الطلاق بشكل دقيق، لأنهم يعتمدون على جهاز آلي يثبت الحالة فقط دون وجود صك، وفي السنوات الماضية جميع الاحصائيات مبهمة وغير دقيقة، فربما من يطلق زوجته طلقة واحدة يعيدها، فنجد أن الحالة في وزارة العدل لم تعدل، وإنما مثبت مسجل أمامها بالجهاز أنها حالة طلاق ومسجلة ضمن الحالات، مبيناً إلى أنهم تناقشوا مع وزارة العدل بهذا الجانب ووعدوا بتغير النظام الآلي في جمع البيانات المتبع لتقليل النسبة المرتفعة.
وأشار إلى خطر الطلاق والذي مثل نسبة كبيرة هو الطلاق الصامت، وسبق أن صرح وزير العدل الأسبق محمد العيسى أن 70% من قضايا المحاكم هي قضايا أسرية، وحديثة هذا يقودنا للاسر القابلة للتفكك، ويعتبرون في بيت واحد لكن الزوجين غير متوافقين، وترابطهم من أجل الأبناء فقط، مشيرا إلى هذا النوع يعتبر من أهم الأسباب التي تدعو الأبناء إلى قضايا الجريمة وكذلك الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية. وامتدح مدير جمعية مودة، قرار إنشاء مجلس الأسرة، وقال: انه يبني استراتيجية واضحة للأسرة، والمجلس منوط به ليسد هذه الثغرات، ولا بد من الارتباط بالأسرة صحياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً والمسماة بالتغيرات، مبيناً أن المملكة تعتبر الثالثة على مستوى الطلاق في منطقة الخليج، وقال: نسبة المملكة في الطلاق الثالثة بين دول الخليج بعد الكويت والإمارات توالياً، ولا يفوتنا أن التعداد السكاني أكبر في المملكة.
غياب التهيئة قبل الزواج
بدوره، أكد المستشار الأسري د. عبدالله السلمان، أن من أهم أسباب الطلاق غياب التهيئة المناسبة للزوجين قبل الزواج، وغياب البرامج الشاملة الموجهة للأسر كجانب وقائي ونمائي وعلاجي، بالإضافة إلى ضعف دور وسائل الإعلام في التعاطي مع مشكلات الأسر، وكذلك ضعف دور المؤسسات المعنية بشؤون الأسرة وندرتها، مشيراً إلى أن عدم قيام مؤسسات المجتمع الرسمية بدورها فيما يخص الأسرة.
وعن مجلس الأسرة، قال: لعل مجلس شؤون الأسرة الذي أُقر تنظيمه مؤخراً يبادر في مواجهة المشكلات والتحديات والتهديدات التي تواجهها الأسرة في مجتمعنا بأسلوب منهجي شامل وعملي.
وأبان د. السلمان إلى أن هناك مقترحات وحلولا للحد من انتشار وتفشي هذه الظاهرة، منها تصميم دبلوم قيادة الأسرة لمدة فصل دراسي للمقبلين على الزواج، وتطوير دور المأذون الشرعي ليتضمن دورا توعويا للمقبلين على الزواج، والتوسع في لجان الإصلاح في محاكم الأسرة ودعمها بمستشارين مؤهلين ومتفرغين، ودعم جمعيات الأسرة ببرامج وموارد مالية لتتوسع في برامجها، وتطوير لجان التنمية الاجتماعية الأهلية وتوجيهها للعناية ببرامج الأسرة، وعقد الندوات واللقاءات العامة في عموم المناطق والمحافظات والمراكز حول الأسرة ومشكلاتها وكيفية المحافظة على تماسكها.
الطلاق العاطفي يفوق الرسمي
من ناحيته، أكد المستشار الاجتماعي عبدالعزيز المبارك أن ضعف الجانب الشخصي بجميع مستوياته نفسياً وفكرياً ومهارياً سبب رئيس في حالات الطلاق، مضيفاً بأن بناء وتأسيس الانسان بذاته، وعدم إدراك أطراف هذه المؤسسة الاجتماعية لمفهوم وأسس الشراكة، وعدم قدرتهم على استيعاب مقومات نجاح هذه الشراكة، مما يؤدي إلى عدم القدرة على اتخاذ القرار الرشيد، الذي يحدد مصير هذه العلاقة، التي تعتبر من اعظم وأجمل وأنبل العلاقات الإنسانية.
وبين أن الطلاق العاطفي يعتبر من الأرقام المهولة وتفوق الحالات المسجلة في المملكة، لأنها في ازدياد مطرد كما نشاهد الكثير من الاحصائيات المعلنة، وبغض النظر عن مستوى دقة هذه الاحصائيات، أرى ومن وجهة نظر شخصية أن ما يوجد في مجتمعنا أكبر بكثير من هذه الأرقام، حيث يعاني المجتمع من حالات الطلاق العاطفي بأعداد تفوق الحالات المسجلة رسمياً وهذه الحالات.
وأضاف المبارك: في مجتمعنا تؤسس رجال وبنات المستقبل في بيئات مضطربة، وربما تقودهم وتسوغ لهم السير على نهج ذويهم في التعامل مع علاقة الزواج، من هنا كان لزاماً النظر إلى جذور المشكلة والبدء على العمل على معالجة هذا الظاهرة من أساسها، عن طريق إيجاد برامج نوعية لجميع شرائح وفئات المجتمع، وبقيام شراكات فاعلة مع جميع مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لإيصال هذه البرامج ورسائلها وتحقيق أهدافها بالشكل الصحيح، وهذا ما يبرز لنا أهمية وجود جهة متخصصة تقوم على هذا الحراك وتفعيلة تنظيمياً بشكل مميز وتوزيع الأدوار والقيام بعمليات المتابعة والمساندة والتقييم مع جميع الأطراف والجهات هذا العلاقة.
وأشار إلى أن قرار مجلس الوزراء بإنشاء "مجلس للأسرة" يعتبر من أهم القرارات التي تعالج مثل هذه القضايا، وقال: جميع تلك المهام تختص مجلس الأسرة الذي اُقر مؤخرا من قبل الدولة، وستكون أهمية هذا المجلس متمثلة في السير بالمجتمع إلى الشكل الذي يواكب تطلعات رؤية المملكة 2030، لأن هذه الرؤية لن تتحقق إلا بوجود مواطنين فاعلين ومؤثرين في تنفيذ خطط وتوجهات الرؤية في شتى المجالات، كما يبرز لنا دور هذا المجلس في تخفيض ما ينفق من الدولة أو المواطنين لقاء تبعات وآثار التفكك الاجتماعي بتكوين أسر ناجحة وسعيدة بإذن الله وتوجيه هذه الموال والثروات إلى قنوات صرف أجدى نفعاً في سبيل تنمية ورفعة وازدهار هذا البلد الكريم وأبنائه.
العلاقة المتينة بين الزوجين
فيما ترى الأخصائية النفسية والأسرية د. سحر رجب، أن أسباب الطلاق كثيرة للأسف، ويقع على الأسرة الحمل الأكبر، حين يحملون الفتاة والشاب المسؤولية منذ نعومة أظفارهم تجدهم حينها قدر ما يلقى عليهم.
وأوضحت أن غياب الوعي والإدراك عن الحقوق والواجبات على الطرفين تؤدي إلى الطريق للانفصال، مطالبة الزوجين بالصدق في التعامل معهم يجعلهم مسرورين، لذلك هناك ثوابت لا غنى عنها لكل أسرة، فبناء بيت جديد يحتاج للصبر، والدراية الكاملة بكل بواطن الحياة، الزوج له واجبات وحقوق، الزوجة بالمثل، المساعدة وعدم إهمال شيء يساعد على الترابط واستمرارية وديمومة الحب.
وأكدت د. سحر أن حفظ أسرار البيت سبب من أسباب بقاء العلاقة الزوجية المترابطة، فالحياة شراكة كل شيء خلقه الله بقدر الأسرار الزوجية لا تفشى لأي شخص مهما كان قربه.
وأضافت أنه في حال حدوث مشكلة أو سوء فهم من أحد الطرفين، فيجب الذهاب لذوي الاختصاص الذي يساعد كثيرًا في لم الشمل، وأن المظاهر الخادعة والكاذبة التي تنتهي بمجرد انتهاء ليلة العرس تؤدي إلى تفاقم الديون على الزوج، مشددة على أن الوسطية في الحياة تدعو لاستمرارها بنجاج.
وكالات-