أصبحنا نصحو في السنوات الأخيرة على قصص عنف مرعبة تحصل داخل الأسر تجعلنا ندرك أن الخطر في البيوت لا يأتي دائما من الخارج بل من أقرب المقربين، وقد كانت القصة التي تداولتها وسائل الإعلام مؤخرا عن الرجل الذي قتل زوجته لأنها خلعته في المحكمة، وواقعة تعذيب الأم لأطفالها في إحدى مناطق المملكة من الحوادث الصادمة للمجتمع، وحوادث عنف أخرى نشرتها الصحف.
العنف الأسري ليس جديدا فلطالما كان هناك عنف في كل المجتمعات موجه إلى المرأة والطفل، ولكنه لم يكن بهذه الدرجة من القسوة والتوحش، كما أن الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي ساهمت في انتشار الأخبار وسرعة وصولها، مع أنه مازال الكثير من الحوادث لا يعلن ولا يبلغ عنها، وتظل في طي الكتمان على اعتبار أنها من خصوصيات الأسر، وهذا ما يفاقم المشكلة ويزيد من تنامي العنف لأن الضحايا لا تجد من يساندها، بل تحمّل الضحايا من النساء أحيانا المسؤولية اعتقادا أنهن المتسببات بالظروف التي تقود إلى العنف، وأحيانا يبرر العنف بظروف المعتدي المادية أو النفسية أو بسبب الإدمان على الخمر أو المخدرات، وكم من المعتدين نجوا بأفعالهم تحت هذا المبرر، مع أنه ثبت أن كثيرا من حالات العنف تحدث بإرادة ووعي ومعرفة وتصميم على تحقيق هدف ما عن طريق العنف.
يبلغ العنف مداه عندما يصل إلى القتل، قتل الرجل زوجته لأنها لا تريد الاستمرار في العيش معه، يفسر دافع القتل هنا بأنه حب التملك أو الرغبة في الانتقام من الزوجة التي قررت إنهاء العلاقة، أو أنه بسبب الشعور بالعجز عن مواجهة الظروف الجديدة التي ستترتب على الطلاق أو القدرة على التكيف معها، وبغض النظر عن أي أسباب ودوافع أخرى فإن المؤكد أن هناك ميلا إلى العنف وشعورا بالاستقواء على المرأة، واستهانة بحقها في الاختيار.
والأسئلة المطروحة هنا: هل ستؤدي مثل هذه الحوادث إلى اهتمام أكبر بقضايا العنف الأسري؟ وهل سيجري نقاش جدي حولها على أعلى المستويات؟ أليس من المهم توعية الأفراد في كل مكان إلى خطورة العنف الأسري على مستقبل الأطفال والأسر والمجتمع وإلى كيفية تفاديه؟ وكيف يمكن توفير الأمن لضحايا العنف وحمايتهم؟
المحزن أن بعض حالات العنف ضد الأطفال التي تداولتها الصحف كانت الجهات المعنية قد تبلغت بها من قبل واكتفت بأخذ تعهد على الأب، أو على الأب وزوجته بعدم التعدي على الأطفال، فهل يمكن أن تكون ورقة ضمان لعدم معاودة الفعل ؟ وكيف يمكن أن يوثق بآباء أو أمهات بعد أن ارتكبوا هذا الإجرام بحق أبنائهم؟
المفروض أن توضع وتنشر وتطبق قوانين واضحة وعقوبات رادعة تتناسب مع تلك الجرائم، وأن يحال الآباء والأمهات والزوجات والأزواج العنيفون إلى مراكز العلاج والتأهيل النفسي، مع دعم مراكز الحماية الاجتماعية، وعدم النظر إلى العنف الأسري على أنه من المسائل الخاصة.
سهام الشارخ- الرياض السعودية-