صوّت البرلمان الأوروبي، الخميس 24 نوفمبر/تشرين الثاني، لصالح مشروع قرار يوصي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لفترة مؤقتة، بعد مفاوضات متعثرة دامت أكثر من عام.
وعلّق رئيس الحكومة التركية، بن علي يلديريم، على قرار البرلمان الأوروبي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بقوله: "لا أهمية لهذا القرار بالنسبة إلينا، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يحدد؛ هل سيرسم رؤيته المستقبلية مع تركيا أم بدونها؟".
وفي ظل تراجع العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، التي يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود، يشدد أردوغان على أن بلاده يجب ألا تصر على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، قائلاً: "تركيا يجب أن تشعر بالارتياح حيال مسألة الاتحاد الأوروبي، وألا تجعل منها هاجساً".
وخلال العام 2016، بدأ حماس تركيا حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يتراجع، خصوصاً بعد تخلي أوروبا عن تنفيذ وعودها المتعلقة بإعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة لدخول فضاء شنغن منذ يوليو/تموز الماضي، فضلاً عن تراجع الالتزامات الأوروبية فيما يتعلق باتفاق الهجرة بين تركيا ودول الاتحاد.
ورغم أن البرلمان الأوروبي صوّت على القرار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فإن تركيا تعرف جيداً أن أوروبا لن تفي بالتزاماتها حول عضوية أنقرة في الاتحاد، إذ أعلن وزير الداخلية النمساوي في 10 يونيو/حزيران الماضي، خلال اجتماع مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل، أن إعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة لدخول فضاء شنغن "لن يطبق" في يوليو/ تموز.
وطيلة السنوات السابقة، تذرّع الاتحاد الأوروبي بعدة ملفات طالب تركيا بالانتهاء منها قبل فتح ملفات جديدة تتعلق معظمها بقانون محاربة الإرهاب، بينما تُصر تركيا على عدم تعديل القانون؛ لكونها تعرضت لهجمات إرهابية عدة مرات، ومحاولة انقلاب فاشلة، فضلاً عن مجاورتها لبلدان تشهد صراعات وعمليات عسكرية.
ويؤكد الرئيس التركي، رجب طيب أدروغان، أن بلاده لن تقبل تغيير قوانينها لمكافحة الإرهاب من أجل حصول مواطنيها على حق السفر دون تأشيرة إلى منطقة شنغن، ويقول مخاطباً الاتحاد الأوروبي: "أنتم ستمضون في طريقكم، ونحن سنمضي في طريقنا".
وعادة ما يصرح أردوغان بتهديدات مبطنة وغير مباشرة لدول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويلّوح بإمكانية انضمام بلاده إلى تحالفات اقتصادية وعسكرية بديلة عن دول الاتحاد وأمريكا؛ منها منظمة "شنغهاي للتعاون"، التي تتزعمها روسيا والصين، وتعتبر بمثابة حلف مناهض للناتو والغرب، فضلاً عن التقارب مع دول الخليج العربي، التي تُشكّل أكبر كتلة اقتصادية، وأكبر مصدر للطاقة حول العالم.
وحول التقارب الخليجي التركي المرتقب، ألمح نائب الرئيس العراقي السابق، طارق الهاشمي، قبل يومين، في تغريدة على حسابه الرسمي عبر (تويتر) باحتمالية أن تسحب تركيا طلب عضويتها من الاتحاد الأوروبي، وتتجه نحو تكتل اقتصادي عربي أو خليجي.
وقال: "تركيا احتمال تشطب على انضمامها للاتحاد الأوروبي قريباً، واقتصادها قوة يمكن تضاف إلى اقتصاد العرب أو مجلس التعاون. التقارب الخليجي التركي مطلوب".
وعقب التهديدات الأوروبية المستمرة بإنهاء ملف انضمام تركيا للاتحاد، وتلويح أردوغان بإجراء استفتاء شعبي من أجل سؤال الشعب حول إمكانية سحب ملف الانضمام، قال رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولز، في وقت سابق، إنّ على الاتحاد الأوروبي عدم ارتكاب خطأ إنهاء محادثات انضمام تركيا إليه.
ويتبع الاتحاد الأوروبي سياسة "المد والجزر" مع تركيا، فعلى الرغم من عدم إحراز أي تقدم في ملف ضم أنقرة وتراجع العلاقات إلى مستويات متدنية جداً، فإنه لا يرغب في قطع الصلة مع تركيا أو إنهاء آمالها بالانضمام؛ خشية الاتجاه أكثر نحو روسيا، أو وجود حلفاء آخرين، وقال رئيس البرلمان الأوروبي: "إذا أوقفنا هذه المحادثات نكون قد فقدنا سلاحنا الوحيد الذي يخوّلنا التدخل في شؤون تركيا الداخلية".
وأدى تجاهل الحلف الغربي للدور التركي طيلة السنوات الأخيرة إلى تلويح تركيا بشراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس 300"، نتيجة رفض الحلف بيع تركيا منظومة "باتريوت"، رغم إعلان مايكل تورنر، رئيس الجمعية البرلمانية لحلف الناتو مؤخراً عن دعم الحلف لحق تركيا في امتلاك منظومة دفاع جوي بعيدة المدى.
تقوية العلاقات مع الخليج
وخلال العام الجاري، عزّزت تركيا علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، ووقعت عدداً كبيراً من الاتفاقيات الثنائية؛ منها العسكرية، والاقتصادية، والتجارية، فضلاً عن نشر قوات عسكرية في قطر، وتعتزم إقامة مصانع أسلحة عسكرية متطورة في المملكة العربية السعودية، والتعاون في المجالات الأمنية، وتبادل المعلومات، ومحاربة الإرهاب، بما يحفظ استقرار المنطقة.
وألمح أردوغان إلى إمكانية انضمام تركيا إلى (منظمة شنغهاي للتعاون)، التي تقابل منضومة حلف الناتو، لكنها متعددة المجالات؛ أهمها العسكرية والاقتصادية، وتحدث للصحفيين في طريق عودته من جولته في باكستان وأوزبكستان، الأسبوع الماضي: "لم لا تنضم تركيا إلى خمسة شنغهاي (منظمة شنغهاي للتعاون)؟ قلت هذا للسيد بوتين (الرئيس الروسي)، ولنزارباييف (رئيس كازاخستان)، ومن هم في خمسة شنغهاي الآن (..) أعتقد أنه إذا انضمت تركيا إلى خمسة شنغهاي فإنها ستتمكن من التصرف براحة أكبر بكثير".
وتأسست منظمة "شنغهاي" للتعاون عام 2001، وتضم الصين، وروسيا، وكازاخستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، ومن المتوقع أن تمنح القمة القادمة العضوية الكاملة لباكستان والهند، وتعتبر تركيا وبيلاروسيا وسيريلانكا شركاء حوار للمنظمة، وطالبت مصر وسوريا بالانضمام إليها.
ويدفع إتمام عضوية باكستان والهند في المنظمة نحو إيجاد قوة منافسة حقيقية للحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ومن المتوقع أن تصبح الدول المنضوية تحت مظلة المنظمة أكثر من 3 مليارات نسمة، أي ما يقارب نصف سكان العالم، وتمتلك أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي بـ 20 تريليون دولار.
الدكتور خالد الدخيل، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أكد في حديث لـ"الخليج أونلاين"، وجود توجه لدى حكومة الرياض إلى دعم منظومة دول الخليج من المصانع العسكرية لتطوير منظوماتها الدفاعية خلال السنوات القادمة، وللحد من الاعتماد على الشركات الخارجية.
وأشار الأكاديمي السعودي والأستاذ الجامعي في جامعة الملك سعود سابقاً، إلى مكانة الرياض الإقليمية، وبرنامج "التحول الوطني"، الذي سيمكّنها في النهاية من التأثير أكثر في الملفات الإقليمية، وتعزيز دورها إقليمياً ودولياً.
ويبدو أن المنطقة تشهد تبدّلاً في تحالفاتها السياسية والاقتصادية وأولوياتها للمرحلة المقبلة، بعد التطورات الميدانية الأخيرة في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان، التي تهدف إلى وضع حد لنفوذ إيران السياسي والعسكري، وجعل دول المنطقة "تتحسس" رأسها.
ويرى مراقبون أن التحالفات الأخيرة والحوارات المكثفة حول التعاون الخليجي التركي جاءت بعد تحولات كبيرة شهدتها المنطقة العربية والخليجية، خصوصاً بعد تولي العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، مقاليد الحكم في المملكة، الذي أكد أن "السعودية ستتصدى لأسباب الخلاف ودواعي الفرقة في المنطقة"، متابعاً: "إننا سائرون من أجل زيادة التضامن العربي والإسلامي".
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-