ليس هذا هو السؤال بالطبع. وللذين لديهم الكثير من الفضول حول مصير الناس في الآخرة فإن «للمكان» الذي تعرض للهجوم الإرهابي في إسطنبول موقع على الانترنت يمكنهم أن يزوروه ويتأكدوا من ماهيته حتى يمكنهم اختيار المكان الملائم في الآخرة، الذي يريدون أن يذهب إليه السعوديون الذين قتلوا في الجريمة الإرهابية.
والحديث عن السعوديين تحديدا، لأن هذه الإشكالية بين موزعي صكوك الآخرة لم تكن لتحدث لو لم يكن هنالك ضحايا سعوديون لهذه الجريمة، فغير السعوديين في نظر هؤلاء يفترض أنهم في النار «by default»، سواء قتلوا في ملهى ليلي أم في مطعم بخاري.
ولكن ولنفترض جدلا أن المكان الذي وقعت فيه الجريمة كان ملهى ليليا، وأن الذين كانوا فيه ـ من السعوديين بالطبع ـ مجموعة من العصاة، فهل معصيتهم أيها المتحاذق الأبله تنسيك الجريمة الحقيقية والمصيبة الكبرى، وهي إزهاق الأرواح؟
يمكنك أن تدعو لأي ميت بالرحمة والمغفرة، وأن يتجاوز الله عن ذنوبه ومعاصيه، وأن يعامله برحمته، لكنك تجد أن الأمر صعبا عليك، وتريد أن تتدخل في تحديد مصير كل ميت، وتبذل جهدا في سبيل إثبات أن كل من لا يروق لك في الدنيا سيكون مصيره جهنم في الآخرة.
الجميل في الأمر والمعلومة التي قد تغيب عن ذهنك ـ عزيزي محور الكون ـ أن مصائر الناس في الآخرة بيد رب العباد، الرحمن الرحيم، وليست مرهونة بهيئة محلفين أنت أحد أعضائها. والمعلومة الأخرى التي تحاول تجاهلها ـ أيها السيد كامل الأوصاف ـ أن من أعظم ما يعصى به الله في الأرض هو سفك الدماء بغير وجه حق، والنفس المحرم دمها هي كل نفس بشرية، وليست فقط الأنفس التي تثير إعجابك.
وعلى أي حال..
كنت قد تفاءلت في فترات مضت أن مثل هذه العينات في طريقها للانقراض، ولكني بعد قراءة عدد لا بأس به من التعليقات على هذه الجريمة البشعة قررت تأجيل موضوع التفاؤل هذا إلى وقت لاحق، ثم ألغيته نهائيا بعد أن قرأت أن الذباب ليس من الكائنات المهددة بالانقراض!
عبدالله المزهر - مكة السعودية-