الهجوم الذي وقع في إسطنبول ليلة رأس السنة الجديدة وراح ضحيته 39 شخصا وجرح خلاله عشرات آخرون، هو عمل مستنكر ومستهجن بكل المقاييس وهو لا يعدو كونه عملا إرهابيا دنيئا وجبانا.
وبالنسبة لكثيرين منا فإنه يمثل مأساة شخصية، حيث نعرف الضحايا أو أهلهم أو أقاربهم، ولدى الكثيرين منا روابط مختلفة مع الضحايا السعوديين وهم سبعة شهداء (ثلاثة رجال وأربع نساء) أو مع الجرحى وعددهم 13 شخصا.
وما إن ذاع الخبر ونشرت أسماء الضحايا السعوديين حتى بدأ دعاة الرجعية والفكر المنغلق وأدعياء الإسلام يتطاولون على الشهداء الأبرياء ويصفونهم بأنهم باحثون عن المتعة المحرمة في تركيا.
ولم يتورع بعض هؤلاء الموتورين في كتاباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي عن وصف الضحايا الأبرياء بأنهم فاسقون و»يستاهلون» ما جرى لهم.
وذهب بعض آخر إلى حد التغول الممجوج في إشانة سمعة الضحايا وتأليف القصص عن الغرض من ذهابهم إلى تركيا وعن وجودهم في هذا المكان بالذات وعن من كان معهم وماذا كانوا يفعلون.
إن الإسلام بريء من مثل هؤلاء الناس الذين انعدمت الرحمة من قلوبهم وانغلقت عقولهم المليئة بالتفاهات والانحطاط، بل إنهم يعتبرون سبة في وجه الإنسانية وإخاء المواطنة.
وبينما غرقت جدة في الحزن وانهالت دموع المستقبلين للجثامين في مطار الملك عبدالعزيز والمشيعين للمقابر حزنا وألما على الضحايا المغدورين الذين أسلموا الأرواح لبارئها وهم في فورة شبابهم، لجأت قوى الشر والظلام إلى بث سمومها وأحقادها وضغائنها تجريحا للضحايا وإشانة لسمعتهم.
لقد حذرت كثيرا من قبل من أدعياء الإسلام ومن قوى الجهل والظلام والتخلف، وقلت إنهم يشكلون خطرا على الإسلام وسماحته وعلى مجتمعنا وثقافته، وها هم يؤكدون ما ذهبت إليه.
وإلى جانب تحذيراتي المتكررة منهم فإنني أطالب بألا يكون لهم أي مكان في برنامج التحول الوطني ورؤية 2030 باعتبارهم معوقين لمسيرة التنمية ولآفاق المستقبل.
والأهم من ذلك علينا تعقبهم والبحث عنهم ومعاقبتهم على الجرم الذي ارتكبوه في حق الشهداء الأبرياء وعلى مساعيهم الخبيثة لزرع بذور الانشقاق والانقسام في مجتمعنا.
إن هؤلاء الناس قد وصموا ديننا السمح، والمتسامح، المعتدل وشوهوا صورته وهو منهم براء مثلما أنهم تجردوا من كل إنسانية وخير.
ولهؤلاء الناس أقول إن الجريمة وقعت في مطعم يرتاده كثير من الناس وهو مطعم أرنيا الراقي في حي أرتاكوي السياحي على البوسفور وليس ملهى ليليا كما يزعم البعض بغرض تشويه سمعة الضحايا.
ولعلم هؤلاء المتخلفين أقول بكل فخر واعتزاز إنني قد ذهبت إلى هذا المطعم الراقي برفقة والدتي مرات عدة لتناول الطعام وهو مكان يعج بالسياح، ورجال الأعمال، والمصرفيين، والمستثمرين، وليس مكانا للرقص والخلاعة والمجون التي لا يعجز الراغبون فيها عن الوصول إليها بكل سهولة ويسر.
وتكشف حملات هؤلاء الناس المحمومة على الضحايا الأبرياء عن عقول مريضة ونفوس مضطربة وأرواح بائسة، وتقع علينا مسؤولية فضحهم وكشف زيفهم وادعائهم.
وقلت دائما وسأظل أقول إن روحانية الشعب السعودي المتدين لا يمكن أن تقارن بأي حال من الأحوال مع إسلامية هؤلاء الأدعياء، ولا مع تدينهم المزيف الذي لا يشرف الإسلام أو المسلمين الحقيقيين.
ولا أشك مطلقا أن قلوب هؤلاء القساة مصنوعة من حجر وأن مشاعرهم متبلدة تماما ونفوسهم مريضة، وإلا كيف ينهشون في لحم الضحايا الأبرياء بلا مسوغ أو مبرر وبلا أي رحمة أو شفقة؟
وظل هؤلاء الأدعياء يلوثون عقول الشباب بعقيدتهم المنحرفة مستخدمين المنابر واللقاءات الشخصية، وها هم اليوم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر ضلالهم وغيهم، لكن لن يتحقق ما يصبون إليه إذا وقفنا جميعا متحدين ضدهم لكشف زيفهم وجهلهم.
ولم يكتفوا بالإساءة إلى الشهداء فقط بل إنهم قد أساؤوا قبل ذلك إلى وطنهم، خاصة عندما ترجمت رسائلهم وتغريداتهم إلى اللغات الأجنبية، مما زاد من كثافة الحملات المعادية لبلادنا العزيزة.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار وتولهم بمغفرتك ورضوانك وأغدق الصبر على قلوب أمهاتهم وآبائهم وإخوانهم وذويهم، ولهم منا جميعا حسن العزاء والدعاء بالصبر والسلوان وحسن الجلد وإنا لله وإنا إليه راجعون.
خالد المعينا - مكة السعودية-