محمود الريماوي- الخليج- يشكل دخول تركيا الحرب على «داعش» تطوراً مهماً، وعنصراً جديداً فاعلاً في الضغط على التنظيم الإرهابي، وفي الوقت نفسه فإن هذه المشاركة المتأخرة بالطبع تحمل سمات خاصة.
السمة الأولى كون هذه المشاركة تتم بتنسيق أو بتفاهم حالي ومستقبلي مع واشنطن، ولكن ليس من ضمن التحالف الإقليمي/الدولي ضد «داعش» الذي يواصل مهماته. ما يتيح لأنقرة الاحتفاظ بموقف على درجة من الاستقلال عن التحالف القائم، مع تحقيق درجة من الاقتراب من التحالف.
السمة الثانية أن هذه الخطوة قرّبت المواقف المتباعدة بين أنقرة وواشنطن، وخاصة لجهة استخدام قواعد جوية تركية لانطلاق مقاتلات أمريكية منها.
ولا شك أن التقارب بين الطرفين هو أبعد مدى، فقد تخلت أنقرة عن موقفها السابق الذي بررت فيه امتناعها عن المشاركة في الحملة الدولية، والداعي للقتال ضد «داعش» ونظام دمشق معاً.
السمة الثالثة وتتصل بما سبق وهي أن أنقرة نجحت في حمل واشنطن على القبول بالموقف التركي القاضي بحق أنقرة في شن حملة على «داعش» وفرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، وحتى في شمالي العراق.
وقد تم ليل الجمعة الفائتة بالفعل شن غارات تركية في شمالي العراق على مواقع تتبع حزب العمال.
وهو ما سيحمل الحركة الكردية في سوريا للانصراف إلى ترتيب أوضاعها في الداخل السوري، وبعيداً عن الشأن الداخلي التركي.
وما جرى الحديث عنه منذ شهور وارتفعت وتيرته في الأسابيع القليلة الماضية عن منطقة آمنة أو عازلة تسعى تركيا لإقامتها داخل الحدود السورية، قد بدأ يدخل بالتدريج حيز التنفيذ، وبصرف النظر عن التسميات، والتسمية التي سوف تستخدم راهناً: هي منطقة خالية من «داعش»، ومنطقة حظر طيران بعمق 40 كيلومتراً.
علماً أن القوات السورية غير متواجدة في هذه المنطقة.
وقد تردد على نطاق واسع أن مباحثات مستفيضة استغرقت نحو عام جرت بين واشنطن وأنقرة حول هذه المسألة.
وبالنسبة لواشنطن فإن وقف أي تمدد ل «داعش» والسعي لإضعافه يعتبر أولوية حاسمة.
ومشاركة تركيا العارفة بالمنطقة وتضاريسها وبمواقع تمركز التنظيم الإرهابي سوف تشكل إضافة مهمة لدور التحالف القائم.
وخاصة مع ما هو متوقع من مضاعفة الجهود التركية لمنع تسلل مقاتلين أجانب قد ينضمون إلى «داعش»، أو المزيد من المتابعة لخلايا يشتبه بتعاطفها مع «داعش».
وهو أمر سوف يحسن على المدى المنظور والمتوسط، فرص مواجهة هذا التنظيم وحصاره.
أما الأكراد فسيكون ممنوعاً عليهم التواصل مع أكراد تركيا أو الاقتراب من المنطقة الفاصلة، ما يخدم الاستراتيجية التركية في التعامل مع الملف الكردي الداخلي، وإن كان هذا التطور يثير التوتر حالياً بين الحكومة التركية والكتلة الكردية، فثمة مواجهات أخذت تندلع بين القوات الحكومية ومسلحين تابعين لحزب العمال، وذلك بعد اعتقال عشرات من الأكراد المتهمين بالانتماء للحزب أو التعاون معه.
على أن هذا التطور يُقرّب من جهة أخرى بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب القومية والعلمانية التي طالما نادت بتشديد الموقف التركي الرسمي من التنظيم الإرهابي.
والهدف التركي في النهاية أن تكون المنطقة الفاصلة خالية من «داعش» ومن حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردستاني ( أو قوات الحماية الكردية) معاً.
وإذا أخذ المرء في الاعتبار أن الحدود السورية التركية هي الأطول للبلدين معاً ( زهاء 822 كيلومتراً) فإن إقامة منطقة فاصلة بعمق 40 كيلومتراً، يشكل مساحة كبيرة تعادل مساحة بلد صغير.
وإذا ما سارت الأمور على هذا النحو، فإن هذه الحدود تكون قد تكرّس خروجها عن سيطرة القوات النظامية، مع تحول تركيا إلى لاعب داخلي في الوضع السوري، لا مجرد لاعب من خارج الحدود.
مع تكريس دخول أنقرة الحملة العسكرية الجوية على التنظيم الإرهابي، وفق أولويات الأمن القومي التركي، وبدرجة من التنسيق اللوجستي مع واشنطن وبتسهيلات عسكرية تركية لواشنطن.
ومن الواضح أن الخطوة التركية تلقى تأييداً من الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة في التحالف ضد التنظيم الإرهابي.
ولن تجد أطراف مثل موسكو وطهران ما تعترض عليه في مشاركة تركية نشطة ضد هذا التنظيم، مشاركة تقتصر على الجهد من الجو دون اندفاع قوات تركية داخل الأراضي السورية، وكما هو حال الجهد المبذول من التحالف الدولي الذي لم يلق إنشاؤه ترحيباً في البداية من طرف موسكو وطهران، قبل أن يتحول الأمر إلى قبول واقعي بهذا الجهد.
علماً بأن كون واشنطن شريكة في الخطوة التركية الجديدة، من شأنه أن يفتح الباب أمام تنسيق أوسع يضم تركيا والتحالف الدولي لمحاصرة هذا التنظيم وشلّ قدراته.
ولا شك بعدئذ أن تعزيز الجهد الإقليمي والدولي لتفكيك التنظيم الإرهابي، وإضعافه على طريق إلحاق هزيمة به، من شأنه أن ينزع ورقة أضفت الكثير من التعقيد على الأزمة السورية الطاحنة، بما يحول دون أي طرف، والإفادة الموضوعية من وجود هذا التنظيم وعلى أي صورة من الصور، وذلك رغم إعلان جميع الأطراف رفضهم لوجود هذا التنظيم وعزمهم على مكافحته.
كما أن إضعاف التنظيم في سوريا سوف ينعكس على وجوده في العراق، ويعزز فرص مواجهته في هذا البلد