محمود عثمان- الخليج اونلاين-
منظر الحشود الكبيرة التي تجمهرت بشكل عفوي لتحيي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال تجواله في شوارع المدينة المنورة وهو يؤدي مناسك العمرة، كانت خير تعبير عن التأييد الشعبي العريض لقيام علاقة استراتيجية، وشراكة قوية بين تركيا والمملكة العربية السعودية.
زيارة أردوغان للسعودية هي الثالثة له خلال عام 2015، والتي جاءت بعد ترحيب أنقرة بإعلان الرياض قبل أسابيع عن "التحالف الإسلامي" لمواجهة الإرهاب، والتنسيق عالي المستوى بين البلدين، في محاولات إيجاد حلّ للأزمة في سوريا، ودعم تركيا لمخرجات اجتماع المعارضة السورية الذي أقيم في الرياض.
نجح الجانب التركي على الدوام في الحفاظ على مستوى مقبول للعلاقات مع المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، رغم التباين الكبير بين البلدَين سواء على الصعيد الأيديولوجي، إذ تنظر السعودية بعين الشك والريبة لما يسمى بالاسلام السياسي، الذي تمثل حكومة العدالة والتنمية نموذجه الأبرز الناجح، أو حيال أحداث الربيع العربي عموماً، والانقلاب في مصر على وجه التحديد حيث يبرز التباين في الرؤى بشكل واضح وجلي.
زيارة أردوغان للمملكة التي استغرقت يومين، وأجرى خلالها مباحثات رسمية مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد السعودي محمد بن نايف بن عبد العزيز، وولي ولي العهد، محمد بن سلمان بن عبد العزيز، توجت بخطوات كبرى على صعيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لا سيما في ما يخصّ القضايا العالقة في المنطقة، وعلى رأسها أمن الخليج العربي، والقضية السورية .
التحرك السعودي تحت مسمى "التّحالف الإسلامي ضد الإرهاب"، يهدف بالدرجة الأولى من خلال سحب الذرائع إلى إيجاد استراتيجية شاملة لمواجهة التمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وفي سوريا تحديداً، خصوصاً بعد سعي الأمريكيين لإدخال إيران تحت ذريعة محاربة الإرهاب أيضاً في منظومة أمن الخليج، الأمر الذي ترفضه السعودية رفضاً قاطعاً، لأنه لا يهدد أمنها القومي فقط، بل ينسفه من أساسه نسفاً. وفي هذه الحالة تحديداً لا يبدو أمام السعودية خيارات كثيرة بعد غياب مصر وتخبطها في أزماتها الداخلية، إذ تبدو تركيا المرشح الوحيد المؤهل ليكون شريكاً استراتيجياً يمكن الاعتماد عليه في مواجهة التغول الإيراني في المنطقة.
تبدو المملكة العربية السعودية التي تحارب في أكثر من جبهة، في أمس الحاجة إلى شريك إقليمي يشاركها الحمل، ويخفف عن كاهلها عبء المسؤوليات الجسيمة، من عاصفة الحزم في اليمن، إلى الوضع المأساوي في سوريا، إلى استعصاء الحل السياسي في لبنان مروراً بالعراق، وليس ثمة قوة إقليمية مؤهلة للقيام بهذا الدور سوى تركيا.
تركيا من جهتها كانت قد خطت خطوات عملية في إيجاد موطئ قدم لها في مسألة الدخول في منظومة أمن الخليج العربي، من خلال توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي والدفاع المشترك مع قطر، حيث أثمرت تلك الاتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية، وعليه أصبح من السهل البناء على تلك الخطوة في توسيع إطار هذا التحالف الاستراتيجي ليشمل تركيا والسعودية وقطر.
لكن جميع ما ذكرناه آنفاً لا يكفي لجعل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين تركيا والمملكة العربية السعودية، تنتج شراكة حقيقية بعيدة المدى طويلة النفس نستطيع وصفها بالاستراتيجية، إذا لم تتوج بتقارب حقيقي على صعيد توحيد الرؤى في القضايا الرئيسية، وهذا يقتضي حتماً بناء جسور الثقة على صعيد مؤسسات الدولة وليس الرؤساء والقادة فقط، وهذا ما لم تظهر معالمه حتى الآن، إذ ما تزال القوى والنخب الليبرالية الحاكمة في السعودية تنظر بعين الشك والريبة إلى كل خطوة تخطوها تركيا في المنطقة، نلاحظ ذلك جلياً في الصحافة التي تعبر عن آراء تلك الشرائح، فهي ما تزال مستمرة بموقفها الأيديولوجي، الناقد بشكل حاد لتجربة حزب العدالة والتنمية، فهي لا تدخر وسعاً ولا تفوت فرصة للنيل من الرئيس رجب طيب أردوغان إلا واستخدمتها، بل لوحظ في الآونة الأخيرة مدحاً غير مسبوق لتوجهات بعض الدول الخليجية التي تناصب تركيا وقيادتها وحزب العدالة والتنمية صريح العداء!
تركيا والعالم العربي بأمس الحاجة إلى حلف استراتيجي حقيقي قوي يجمع تركيا والسعودية وقطر بداية وتلحق به مصر بعد ترتيب بيتها الداخلي، ثم من يرغب من الدول. لكن رواسب الخلافات الأيديولوجية ما زالت تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد السياسي، وتؤثر فيه سلباً، بينما البراغماتية السياسية ومصلحة شعوب المنطقة توجب تجاوز هذه العقبات النفسية.