أوليفييه ديكوتينيي و سونر چاغاپتاي- معهد واشنطن-
في كانون الأول/ديسمبر، أعلنت أنقرة عن عزمها إنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها في قطر، مما يضع تركيا ضمن المجموعة الصغيرة للدول المستعدة والقادرة على بسط نفوذها في الخليج العربي. ومثلما كان الحال عندما أنشأت فرنسا قاعدة عسكرية لها في الإمارات العربية المتحدة، يشير هذا الجهد التركي إلى استعداد حلفاء واشنطن في منظمة حلف شمال الأطلسي ("الناتو") للتعامل مع الخليج من تلقاء ذاتهم. كما يسلط الضوء على اقتران دول خليج صغيرة ولكن غنية بدول تابعة لحلف شمال الأطلسي قوية عسكريًا ضمن سلسلة شراكات غير حصرية، استعدادًا بشكل أساسي لمواجهة تصاعد النفوذ الإيراني، من بين تهديدات إقليمية أخرى.
تركيا وقطر: رابط خاص
تدين قطر بوجودها، إلى درجة معينة، للعلاقة الخاصة التي أسستها مع الإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت الخصومة الإنكليزية-العثمانية تهيمن على سياسات الخليج. في ذلك الوقت، كانت قطر قضاءً تابعًا لمحافظة نجد العثمانية، التي كانت بذاتها تابعة لولاية البصرة العثمانية. أما في أماكن أخرى من الخليج، فقد أسست بريطانيا علاقات خاصة مع حكام الكويت وإمارات أخرى، من خلال اجتذاب هذه الأخيرة إلى دائرة نفوذها وفي النهاية تمهيد الطريق للسيطرة البريطانية. إلا أن سلسلة أحداث عام 1893 قد وضعت قطر على مسار مختلف.
في ذلك العام، أرسل العثمانيون جنودًا إلى قطر لقمع معارضة الحاكم المحلي قاسم بن محمد آل ثاني للإصلاحات الإدارية المقترحة من قبل اسطنبول. وبعد أن هُزمت القوات العثمانية، أصبحت قطر قضاءً مستقلًا في الإمبراطورية، ولكنها وافقت أيضًا على استقبال جنود عثمانيين على أرضها. وهكذا، بقي الجيش العثماني في قطر حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهي مدة أطول من بقائه في أي إمارة أخرى من الخليج. وقد حال كيان قطر المستقل في ظل الحقبة العثمانية دون امتصاصها من قبل الدولة السعودية المتوسعة بين العامين 1899 و1926، بالرغم من تشارك الدولتين للعقيدة الوهابية.
ومؤخرًا، ساهمت الرؤية السياسية المشتركة المتعلقة بالشرق الأوسط في تقريب الأتراك والقطريين من بعضهم البعض. فمنذ بروز حكومة "حزب العدالة والتنمية" في تركيا عام 2002، دعمت الدوحة وأنقرة عدة أحزاب إسلامية في المنطقة، غالبًا من خلال تشكيل تحالفات بفعل الأمر الواقع في دول مثل مصر وسوريا (أحيانًا ضد رغبات الرياض، وهي حليف إقليمي أساسي آخر لتركيا). في سوريا، حققت ألوية الثوار المدعومة من قبل تركيا وقطر مكاسب ملحوظة منذ ربيع العام 2015، ولكن هذه المكاسب توقفت بفعل الضربات الجوية الروسية في وقت لاحق من ذلك العام. وعلى الساحة الفلسطينية، دعمت الدولتان حركة "حماس"، مما أدى إلى تقويض السلطة الفلسطينية.
تخوض أنقرة والدوحة، الموحدتان بفعل التاريخ والتطورات السياسية الأخيرة، حاليًا محادثات لتوقيع "اتفاقية وضع القوات"، ما يمهد الطريق لوجود عسكري تركي طويل الأمد في قطر. ستتضمن الاتفاقية على الأرجح بندًا حول الظروف التي تطبَق بموجبها الاتفاقية، وبحسب هذا البند، إذا ما تعرضت دولة لهجوم، يتعين على الدولة الأخرى مساعدتها. يضع ذلك قطر في مكانة خاصة بنظر أنقرة. فإلى جانب البند الذي ينص على ظروف تطبيق الاتفاقية في إطار حلف الناتو، اتخذت تركيا مثل هذه التدابير مع شريكين آخرين فقط: قبرص الشمالية (التي تعترف بها أنقرة كدولة) وأذربيجان.
ستنضم تركيا إلى نادٍ نخبوي في الخليج
فيما تظل الولايات المتحدة إلى حد كبير أهم مصدر لتوفير الأمن في الخليج، يعمد حلفاء بارزون لها في "الناتو" إلى تكثيف وجودهم في المنطقة. فقد أسست فرنسا قاعدة جوية وبحرية وبرية متعددة الأغراض في الإمارات العربية المتحدة عام 2009، بينما شارك وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في تشرين الثاني/نوفمبر في احتفال لإطلاق مشروع مماثل في البحرين.
كما أن دولًا غير غربية أساسية تسعى أيضًا إلى إثبات وجودها في المنطقة. فقد نشرت روسيا قوات في سوريا وفرضت وجودها من خلال قاعدتين في اللاذقية وطرطوس، فيما تتحكم الصين بالعمليات التجارية في ميناء جوادر الباكستاني، القريب من مدخل الخليج العربي.
من جهتها، تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإعادة تركيز الجهود الأمريكية باتجاه الشرق الأقصى وحافة المحيط الهادئ. وقد ولّد هذا التحول والاتفاق النووي مع طهران قلقًا لدى دول الخليج العربي التي تخشى احتمال تصاعد النفوذ الإيراني وما زالت قلقة من طموحات طهران النووية.
بالتالي، سترفع خطوة تركيا في قطر من قيمة أنقرة لدى شركائها العرب وحليفتها الولايات المتحدة التي تميل على ما يبدو إلى تشارك العبء الذي يطرحه أمن الخليج. فضلًا عن ذلك، ستعزز القاعدة الجديدة استقلالية قطر تجاه المملكة العربية السعودية. كما أنها قد تساهم في توفير الأمن لكأس العالم لكرة القدم عام 2022 الذي يقام بإشراف "الاتحاد الدولي لكرة القدم" ("فيفا")، وهي جهود بارزة ومثيرة للجدل على نحو دائم بالنسبة إلى قطر، الدولة المستضيفة.
من منظور عسكري، ستتيح القاعدة لأنقرة مجموعة متنوعة من الخيارات في المنطقة. ومع أنه لم يتم الإفصاح بعد عن توزيع المنشآت التركية المستقبلية والإطار الزمني المحدد لاكتمالها، تُظهر التجربة الفرنسية في أبوظبي بعض المنافع التي قد تحصل عليها تركيا. فالقاعدة الفرنسية تُستخدم حاليًا كمنصة لتوجيه ضربات ضد مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش"/"الدولة الإسلامية") في العراق وسوريا. كما باتت اليوم تستضيف قيادة البحرية الفرنسية للمحيط الهندي ومركز دعم أساسي للعمليات البحرية في الخليج العربي والمحيط الهندي، بما فيها جهود مكافحة القرصنة على طول القرن الأفريقي وفي أماكن أخرى، التي تساهم تركيا فيها أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، شكلت القاعدة حجر أساس لتوسيع التعاون العسكري مع الإمارات العربية المتحدة، ومنصة لوجستية لانسحاب فرنسا من أفغانستان، وقاعدة تدريب لحرب الصحراء وحرب المدن وواجهة عرض للمعدات والتكنولوجيا العسكرية الفرنسية.
كذلك، ستتضمن القاعدة التركية في قطر على ما يبدو قوة برية وبحرية وجوية وقوات خاصة بالإضافة إلى مدربين للجيش القطري، مما سيسمح لأنقرة بعرض معداتها العسكرية وربما تعزيز مبيعات دبابات "ألتاي" ومدافع الهاوتزر ذاتية الدفع من طراز "فيرتينا" وأسلحة أخرى تركية الصنع. علاوةً على ذلك، ستقدم القاعدة للجيش التركي وسيلة للتدريب في الصحراء يفتقر إليها حاليًا، مما يسمح للقوات البحرية التركية بإنجاز عمليات مكافحة القرصنة وعمليات أخرى في الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب، وقد تشكل القاعدة مركز للعمليات التركية المستقبلية ما وراء البحار. وبصورة رمزية أكثر، ستنبئ القاعدة بعودة البحرية التركية إلى المحيط الهندي للمرة الأولى منذ خمسينات القرن السادس عشر، حين حارب العثمانيون الإمبراطورية البرتغالية من أجل فرض السيطرة على تلك المنطقة إلا أنهم تعرضوا للهزيمة.
المخاطر والأعباء المحتملة
بالمقابل، يفترض تكثيف الوجود التركي في الخليج تعرضًا أكبر للمخاطر، خصوصًا في ظل التوتر السعودي-الإيراني المتصاعد والذي تنحاز فيه تركيا إلى الرياض. على سبيل المثال، ستكون القوات المتمركزة في القاعدة الجديدة في قطر سهلة المنال لناحية قدرات الصواريخ الكبيرة التي تتمتع بها إيران. حتى الآن، حافظت أنقرة وطهران على روابطها العسكرية وتمكنتا من إدارة خلافاتها السياسية بالرغم من كونهما خصمين في العراق وشنهما حربًا بالإنابة في سوريا. إلا أن الخليج هو بيئة أكثر تقلبًا من حدود تركيا البرية مع إيران.
في الواقع، في حين لم يخض الأتراك والفرس أي نزاع عسكري منذ بداية القرن السابع عشر، تنظر طهران بالطبع إلى هذه القاعدة الجديدة كخطوة عدائية وكإشارة إلى الانحياز التركي لدول الخليج السنية ذات الأنظمة الملكية. ومن غير المرجح أن تؤدي الإشارات الموازية إلى أن أنقرة تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى تحسين المناخ بين تركيا وإيران.
أخيرًا، في حين تكون اتفاقية الدفاع المشترك مثل تلك التي تعتزم أنقرة والدوحة عقدها متبادلة عادةً، إلا أن تقديم تركيا العون لقطر هو أكثر ترجيحًا من السيناريو المعاكس. فبمجرد المحافظة على وجود عسكري دائم على تلك الأراضي الصغيرة التي تمثل دولة قطر، سيتوجب على أنقرة ضمان أمن الإمارة على نحو دائم. على الرغم من ذلك، قد يحتاج الأتراك بدورهم إلى ضامن. ففي دراسة أجريت عام 2013 حول القوات العسكرية البريطانية في الخليج، أشار غاريث ستانسفيلد وسول كيلي إلى ما يلي: "هناك خطر بأن يكون الانتشار كبيرًا بما يكفي "لإقحامنا في مأزق" ولكن صغيرًا جدًا لإخراجنا من المأزق عندما يبدأ". والأمر ذاته ينسحب على الانتشار التركي المرتقب في قطر والذي سيضم 3000 جندي. ومع أن منظمة حلف شمال الأطلسي لا تقدم دفاعًا جماعيًا للقوات الحليفة المنتشرة في الخليج، تملك الولايات المتحدة مقرها العسكري الخاص في قطر، وأكبر قاعدة جوية لها في الشرق الأوسط وهي قاعدة "العديد". بالتالي، تركب واشنطن القارب ذاته مع أنقرة وقد تصبح الضامن بفعل الأمر الواقع للقاعدة التركية.