يبدو أن الشارع الأمريكي يقاد لتنفيذ فوضى خلاقة خطط لها منذ زمن. مراحل هذا التخطيط التي بدأت مع أحداث 2001 التي هزت إنسانية العالم أجمع، رغم القناعة أن هذه الأحداث تم التخطيط لها من أجل تحقيق أهداف استراتيجية. الفوضى الخلاقة Creative Chaos هنا تعرف بأنها مصطلح "سياسي ـــ عقدي يقصد به تكون حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث يقوم بها أشخاص معينون دون الكشف عن هويتهم وذلك بهدف تعديل الأمور لمصلحتهم، أو تكون حاله إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة من أشخاص معروفة من أجل مساعدة الآخرين في الاعتماد على أنفسهم" (ويكيبيديا). يذكر الكاتب أحمد الفراج "أن المصطلح ظهر لأول مرة عام 1902 على يد مؤرخ أمريكي يدعى تاير ماهان، وقد توسع الأمريكي مايكل ليدين فأسماها «الفوضى البنَّاءة» أو «التدمير البنَّاء»، وذلك بعد أحداث سبتمبر بعامَيْن في 2003، وهذا يعني الهدم، ومن ثم البناء، بمعنى إشاعة الفوضى، وتدمير كل ما هو قائم، ومن ثم إعادة البناء حسب المخطط الذي يخدم مصالح القوى المتنفذة، وقد يكون أكثر المفكرين الذين تحدثوا عن هذا الأمر هو اليميني الأمريكي صامويل هانتنجتون" "العربية، 26 كانون الثاني (يناير) 2013".
في عام 2005 ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في حديث صحافي مع جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية، عن نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية في العالم العربي والبدء بتشكيل ما يعرف بـ "الشرق الأوسط الجديد"، كل ذلك عبر نشر "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط عبر الإدارة الأمريكية "صحيفة (الوطن) العمانية، 4 أيار (مايو) 2015".
أمريكا هذه الأيام تعيش حراكا تشريعيا لإقرار مشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب قانون جاستا Justice Against Sponsors of Terrorism Act-JASTA من خلال تمرير المشروع من قبل الكونجرس الأمريكي، ليجعل القانون في مواجهة خطرة مع الرئيس الأمريكي بإقرار القانون، أو استخدام حق الفيتو لرفض هذا القانون، وقد يمرر مرة أخرى من خلال إعادة التصويت عليه بثلثي أصوات مجلسي الشيوخ والنواب. صدور هذا التشريع سيمهد فعليا لمرحلة متقدمة من الفوضى الخلاقة التي تقودها الولايات المتحدة –إن صدقت الروايات السابقة-، فكثير من دول العالم ستبدأ في تطبيق المعاملة بالمثل، وإقرار تشريعات مماثلة سيتضرر منه كثير من الدول وفي مقدمتها أمريكا التي وضعت لها في كل دولة قصة من المآسي. وسيفتح هذا التشريع الباب لمقاضاة الدول من قبل أفراد سواء في قضايا مثبتة أو كيدية، وسيؤدي إلى إضرار بالنظام الاقتصادي العالمي من خلال الحجز على أموال ومصالح الدول في انتظار محاكمات قد تطول. هذا الأمر سيكون سابقة لم تحدث أن يحاسب فيها كيان معنوي نيابة عن أفراد، وسيتسبب في الإضرار بحقوق كثير من البشر في خطوة منافية للعدالة المدعاة. في المملكة يجب ألا نخشى من هذا التشريع، لأنه لا يوجد أي ارتباط بين المملكة كدولة وبين أحداث 11 /9 وهو ما أوضحته لجنتا الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب، في «إعلان يوليو»، المتعلق برفع السرية عن «جزء» من تقرير «الـ 28 صفحة»، الذي يؤكد أن «وكالات الاستخبارات الأمريكية لم تتمكّن من أن تثبت وجود صلات بين السلطات السعودية ومنفذي تلك الهجمات»، وأنها «تستبعد تورط جهات حكومية سعودية في تمويل تنظيم القاعدة» (عدنان برية، صحيفة "اليوم"، 12 أيلول (سبتمبر) 2016). المملكة بدورها الدائم الساعي للمحافظة على السلم العالمي، وتحقيق التنمية المستدامة لجميع دول العالم، تسهم دائما في دعم ما من شأنه تحقيق الاستقرار والسلام، وقد أسهمت فعليا في اقتراح إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة ودعمته بمبلغ 100 مليون دولار مقدمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــــ رحمه الله ــــ في عام 2005، ومن غير المعقول أن تكون دولة من ضمن الدول السباقة لتحقيق السلم العالمي دولة تدعم أو تسهم في نشر الإرهاب والدمار.
د. عامر بن محمد الحسيني- الاقتصادية السعودية-