تمّ تجاوز فيتو أوباما للمرة الأولى خلال 7 سنوات ونصف منذ تولى رئاسة البيت الأبيض، وتم إجباره على تنفيذ قانون يرفضه. ومشروع القاون هو بالطبع «العدالة ضد رعاة الإرهاب» أو (جاستا) كما يطلق عليه في واشنطن، والذي يعطي أسر ضحايا الهجمات الإرهابية حق مقاضاة حكومات أجنبية واستدعائها للمحكمة عند وجود شبهات حول تقديم تلك الحكومات للمساعدة أو الدعم في تنفيذ الهجمات الإرهابية.
وتجاوز كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب نسبة الثلثين المطلوبة للتصويت برفض الفيتو بسهولة، حيث بدأ مجلس الشيوخ بالتصويت بنسبة 97 لـ 1 ضد «أوباما» لصالح (جاستا). وتبعه مجلس النواب سريعًا بفارق كبير جدًا لصالح مشروع القانون بنسبة تصويت بلغت 348 لـ 77. ورغم أن الأغلبية في الكونغرس تميل لصالح الديمقراطيين الذين اعتمد عليهم «أوباما» من أجل عدم تمرير التشريع، إلا أنّ بعضهم كان الأكثر دفاعًا عن مشروع القانون، وهو ما يعدّ هزيمة مهينة لإدارة «أوباما». وصرح السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، «جوش إرنست» أن القرار هو «الشيء الأكثر حرجًا الذي قام به مجلس الشيوخ منذ عام 1983».
ووضع أعضاء مجلس الشيوخ أنفسهم موضع المدافعين عن حقوق هؤلاء الذين أصيبوا أو قتل ذويهم في الهجمات الإرهابية، ويبدو أنهم غافلون أن أفعالهم تتسم بالفصام إلى حد ما.
في أسبوع، كان ينظر إلى المملكة العربية السعودية كأهم حليف حيوي للولايات المتحدة في منطقة تمزقها الصراعات والحرب الأهلية والإرهاب. وفي الأسبوع الذي يليه، أصبحت المملكة هي الدولة المارقة التي ترعى وتصنع الإرهاب الدولي الذي تقاتله الولايات المتحدة في آخر 15 عامًا. في أسبوع، صوت أعضاء مجلس الشيوخ بالثقة في السعودية لاستخدام الأسلحة الأمريكية بمسؤولية ووفق القانون الدولي، لكنهم عادوا في الأسبوع التالي ليصوتوا أن المملكة تستحق دفع تعويضات مالية كغرامة على أسوأ عملية قتل جماعي تعرضت لها الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية. وإذا كان الملك «سلمان» والأمير «محمد» ولي العهد والمسؤولون السعوديون يشعرون بالارتباك حول المشهد ولا يعرفون في أي جانب تقف الولايات المتحدة من بلادهم، فلن يكونوا وحدهم. فمن الصعب جدًا على الأمريكيين الآن معرفة ماذا يدور في عقول ممثليهم المنتخبين، ناهيك عن السعوديين في النصف الآخر من العالم.
وفي الوقت الذي تجاهل فيه مجلس الشيوخ اعتراضات «أوباما» على (جاستا)، فإنّهم هم أنفسهم قد رفضوا اقتراحًا من عضوي المجلس «راند باول» و«كريتستوفر مورفي» لإيقاف عملية بيع أسلحة بقيمة 1.15 مليار دولار تشمل دبابات أبرامز وذخيرة إلى الرياض. وهنا يبرز الحديث عن الانتقائية الأخلاقية. فلا يمكن تفسير بيع هذه الكمية من الأسلحة الثقيلة لبلد وصفت في الأسبوع الذي يليه بواسطة الكونغرس كراع لأسوأ هجوم إرهابي على الأرض الأمريكية.
وكان السيناتور «راند باول» قد سأل، وله الحق في ذلك، خلال مناقشة الأسبوع الماضي حول اقتراحه «هل هناك أحد يشعر أن الأمر مثير السخرية؟»، هذا بالفعل هو تعريف السخرية: أن توافق على عقد تسليح للسعودية بمليار دولار، وهي نفس الدولة التي قرر نفس المشرعون أنها تستحق المقاضاة عن جرائم تتعلق بالإرهاب. هذا شيء غير منطقي بكل معنى الكلمة. فهذا يشبه أن يقوم شخص ما بسطو مسلح على منزل ويسرق كل شيء، ثم يأتي في اليوم التالي لأصحاب البيت ليطلب منهم أن يكونوا أصدقاء.
بم يفكر أعضاء الكونغرس؟ هل يفكرون في الأساس؟
واشنطن هي مدينة الصفقات. وربما أراد أعضاء مجلس الشيوخ، الذين صوتوا لرفض اقتراح «باول» و«مورفي»، فعل ذلك في إطار مسك العصا من المنتصف وتسهيل وقع تصويتهم بعد ذلك ضد السعوديين ولصالح أسر ضحايا 11 سبتمبر/أيلول حين يأتي الدور على (جاستا). وربما فكر أعضاء المجلس أن يسعدوا الرياض كحليف كبير يستحق الدعم العسكري من الولايات المتحدة، ولكن بعد ذلك يجعلون أرامل وأيتام ضحايا الهجمات سعداء من خلال الوقوف إلى جانبهم بعدها بأيام. لم تكن تلك المرة الأولى التي يقوم بها رجال التشريع بمثل هذا النوع من الحسابات، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة.
على الرغم من ذلك، فإن الأمر لا يسير بشكل جيد على صعيد السياسة الخارجية. فبعد إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، أصبحت الرياض تنظر إلى واشنطن بالفعل بعين الارتياب، ولن تكون حماقة أن نعتقد بانّ الملك «سلمان» بدأ يفكر أن المسؤولين في الولايات المتحدة هم حفنة من المنافقين الذين يقولون شيئًا ويفعلون شيئًا آخر من أجل تحقيق مصالحهم السياسية. ولن تعطيه إجراءات الكونغرس خلال الأسبوعين الأخيرين أي سبب للشك في هذه النظرية.
ناشيونال إنترست - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد -