سلمى حداد - الخليج أونلاين-
مرحلة حاسمة جديدة ربما يدخلها اقتصاد العالم وتنطلق صفارتها خلال فترة وجيزة، يتمثل التحول الأبرز فيها حتى اللحظة بقبول السعودية عملة اليوان الصيني بديلاً عن الدولار الأمريكي في مبيعات النفط لبكين.
هذه الخطوة السعودية حال تمت ستمثل ضربة قوية للعملة الأمريكية؛ لأن اليوان سيسحب مبالغ تتجاوز الـ800 مليار دولار سنوياً من الصفقات النفطية التي تتم المتاجرة بها حالياً بالدولار، فالأمر لن يقتصر على الصين وحدها، وسيشمل بلداناً أخرى لا تفضل التعامل بالدولار.
عهد جديد
كما أن أسواق النفط العالمية ستدخل عهداً جديداً تتحول خلاله من التعامل بالدولار فقط ليشمل اليوان أيضاً، لتبدأ العملة الأمريكية بفقدان بريقها تدريجياً وترتفع قيمة العملة الصينية في إطار حرب اقتصادية شرسة بين البلدين.
وعلى الصعيد السعودي فإن هذا القرار سيجنب المملكة آثار التغيرات العنيفة التي تحدث للدولار من وقت لآخر على أسعار وارداتها من الخارج، فعندما يرتفع الدولار ترتفع تكلفة السلع التي تستوردها المملكة.
وفي 15 مارس الجاري، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن السعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، تدرس قبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين.
وقالت مصادر مطلعة للصحيفة إن الرياض تجري محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان.
وأوضحت أن هذه خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار على سوق النفط العالمية، وتمثل تحولاً آخر من قبل أكبر مصدر خام إلى آسيا في العالم.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة، أن المحادثات مع الصين بشأن عقود النفط المسعرة باليوان توقفت منذ 6 سنوات، لكنها تسارعت هذا العام؛ "حيث أصبح السعوديون غير راضين بشكل متزايد عن الالتزامات الأمنية الأمريكية للدفاع عن المملكة".
ووفقاً لتقرير الصحيفة فإن السعودية تتطلع إلى الحصول على دعم من الولايات المتحدة بشأن تدخلها في اليمن.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي مطلع على المحادثات قوله: "لقد تغيرت علاقة الولايات المتحدة بالسعوديين، والصين هي أكبر مستورد للخام في العالم، وهم يقدمون العديد من الحوافز المربحة للمملكة".
وتابع المسؤول: "كانت الصين تقدم كل ما يمكن أن تتخيله للمملكة".
أكبر شريك تجاري
وتعتبر السعودية أكبر مصدري النفط إلى الصين، وأظهرت البيانات الرسمية أن المملكة باعت 1.76 مليون برميل نفط يومياً للصين في العام 2021، بما يزيد عن 15% من صادرات الرياض للعالم.
كما أن السعودية استحوذت في العام 2020 على نحو الربع (24.7%) من التجارة الخارجية للصين مع منطقة الشرق الأوسط البالغة 271.7 مليار دولار، موزعة بين 143.4 صادرات لدول المنطقة، و128.3 مليار دولار واردات.
ووفقاً لبيانات صينية رسمية، جاءت السعودية أكبر شريك تجاري للصين خلال العام 2020، حيث بلغ التبادل التجاري بينهما نحو 67.1 مليار دولار، بصادرات صينية 28.1 مليار دولار مقابل واردات بـ39 مليار دولار.
وفي العام 2016، وقعت السعودية والصين اتفاقاً تتم بموجبه التعاملات التجارية بين البلدين بما يشمل المنتجات النفطية باليوان الصيني والريال السعودي، ولكن مباحثات تنفيذ هذا الاتفاق لم تنتهِ بعد.
هذا التفاهم سيشمل كذلك المشروعات المتبادلة بين الجانبين، حيث بلغت قيمة عقود المشاريع المتعاقد عليها التي وقعتها شركات صينية مع سعودية في العام 2019 وحده نحو 11.29 مليار دولار، فيما بلغت قيمة الأعمال للشركات الصينية في السنة ذاتها نحو 6.21 مليارات دولار، حسب بيانات رسمية صينية.
ضربة قوية للدولار
وفي قراءته لهذه الخطوة السعودية الصينية يقول الخبير الاقتصادي منير سيف الدين: إن "هذا الاتفاق في حال تنفيذه يمثل ضربة قوية للدولار الأمريكي".
وأضاف سيف الدين في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "إضافة إلى المنتجات النفطية أتوقع أن تسمح التفاهمات بين البلدين بشراء السعودية وارداتها من السلع والخدمات الصينية بعملتها المحلية (الريال)، ما يعني تكثيف التعاون التجاري بين البلدين مستقبلاً، وإلغاء تداول الدولار الأمريكي بينهما".
ورأى أن الخطوة تأتي ضمن مساعي الصين المتواصلة منذ سنوات لتدويل عملتها والتوقف عن استخدام الدولار في تعاملاتها التجارية، في محاولة للتصدي لهيمنة العملة الأمريكية على المعاملات التجارية بالعالم.
واعتبر أن الخطوة الصينية السعودية ستسهم -وإن بشكل بسيط- في تراجع هيمنة الدولار على المعاملات التجارية العالمية، لكن هذا التأثير سيكون محدوداً نظراً لحجم التبادلات التجارية الصغير بين البلدين مقارنة بإجمالي التجارة الدولية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "مصلحة السعودية في مثل هذه الخطوة تمكن في أنها ستجنبها آثار التغيرات التي تحدث للدولار من وقت لآخر على أسعار وارداتها من الخارج، فعندما يرتفع الدولار ترتفع تكلفة السلع التي تستوردها المملكة".
وأوضح أنه في حال تنفيذ الاتفاق فإن السعودية ستعتمد على عملتها المحلية بالاستيراد من الصين التي تستحوذ أصلاً على معظم واردات المملكة، الأمر الذي سيلغي أي تأثير لتذبذب الدولار على تكلفة السلع المستوردة.
ولفت سيف الدين إلى أن الدولار الأمريكي سيخسر في هذه الحالة لأنه سيفقد دوره كوسيط بين الدولتين.
ونوه بأن العودة للحديث عن تفعيل هذا الاتفاق الذي وقع عليه في العام 2016، أدت -إضافة للأسباب الاقتصادية- إلى تدهور العلاقات السياسية بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، تناول الخطوة السعودية المتوقعة بقبول شراء الصين منتجات نفطية بعملتها المحلية، قالت: إن "هذه الخطوة تأتي في وقت تواجه فيه العملة الأمريكية اختباراً صعباً".
وأوضحت أن هذا الاختبار جاء بعد قرار تجميد أصول البنك المركزي الروسي بالعملة الأجنبية في الخارج.
وذكرت أن تلك الخطوة قد تضعف من هيمنة الدولار في احتياطات الدول حول العالم، وهو الأمر الذي دعا وزيرة الخزانة الأمريكية للقول في الأسبوع الماضي، إن الدولار سيظل المهيمن في ظل امتلاك الولايات المتحدة لأكبر وأعمق سوق مال في العالم.
وبحسب "بلومبيرغ"، حذَّر بعض المعلقين، ومن ضمنهم محلل أسعار الفائدة في مجموعة "كريدي سويس" زولتان بوزار، من أن العقوبات التي تمنع وصول روسيا إلى احتياطاتها من العملات الأجنبية قد تدفع البلدان الأخرى بعيداً عن الدولار كمخزون للاحتياطات، وهو ما يعني تراجع هيمنة الدولار عالمياً.