نعلم ان من ضوابط الاحتساب أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ان يكون المحتسب عالماً بما يأمر به من المعروف او ينهي عنه من المنكر علماً يقينيا لا يعتريه شك او كان محل اختلاف بين المذاهب والعلماء، فقد اسسوا قاعدة لذلك ألا يؤمر او ينهى في أمر مختلف عليه، وفي قواعد مذهب الامام الشافعي لا انكار الا في ما هو مجمع عليه، ابتعاداً عن الصراع بين المختلفين، حتى يرى بعضهم أمرا منكراً ولا يراه الآخرون كذلك، وأن يقصد خاصة في الانكار منع ما حرم الله بالنهي عنه قولاً، فقضية الاحتساب باليد بازالة المنكر ولى زمانها لما ادت اليه من مشكلات، جعلت العلماء يرون ألا يزال المنكر باليد إلا من قبل السلطات لا من قبل الافراد المؤدي الى نزاع بينهم او الاقتتال، ولعل الافراد مأمرون بالحسبة حينما لا توجد الدولة جهازاً للحسبة رسمياً يقوم بالمهمة وفق قواعد متفق عليها لا تؤدي الى نزاع بين الناس، ولعل هذا متوفر في بلادنا في اجلى صورة، فلدينا جهاز حكومي اسمه “هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر” يقوم بانشطة يومية، مما يجعل المتطوعين بالحسبة ممن لا يعلم مقدار علمهم بالمعروف الذين يأمر به او المنكر الذي ينهى عنه، فكثير من هؤلاء الذين يتطوعون بالحسبة بمراجعة وقائعهم نعلم قصور علمهم في هذا المجال، فعنده المكروه كالمحرم، والواجب كالمندوب، بل لعلهم يختلف فيما ينهى عنه مع جمهور الامة المحتفظ بأقوالهم في كتب العلم الشرعي، ذلك انه يرى كل مكروه حرام، ويرى كل مباح لا يوافق معتقده حرام، وهذا أشد أسباب وقوع النزاع بينه وبين الناس، ثم ان من ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتفق عليها بين اهل العلم ان يكونا اي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بلين ورفق، فاذا تجاوزها الى العنف كان النهي عن المنكر بما هو انكر منه المؤدي الى العداوة والبغضاء بين الناس، وقد يؤدي الى تقاتلهم بالايدي او بالسلاح فيما بعد، وقد حفظ لنا التاريخ هبات ممن ظنوا انهم قادرون على النهي عن المنكر يرى وما وقع فيها من اضطراب اختل معه الامن ووقع الكثير من الشرور بازهاق ارواح واعتداء على الاعضاء والابدان، وهذا كله من اعظم المنكرات، ولو افترضنا ان من فعل ذلك قصد حقيقة انكار المنكر ظاهر لكنه اخطأ الاسلوب فارتكب منكرا اعظم، لذلك حذر علماء الامة على مختلف مذاهبهم وازمنتهم من هذا، وقيدوا ازالة المنكرات بالذات بالكثير من الضوابط حتى لا تقع منكرات اعظم، ووظيفة الحسبة التي هي في الاصل وظيفة الامة كلها لقول الله عز وجل (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) لذا كان لزاماً على الامة ان تختار من بين افرادها أكثرهم علماً بهذه الوظيفة واتقاهم لله فالله يقول: (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) واذا كانت الدولة مسلمة تقوم في انظمتها على الاسلام وتطبق الشريعة ما امكنها ذلك فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر منوط بها، تختار من بين مواطنيها من يقوم بهذه الوظيفة اذا توافر فيهم الصفات المطلوبة، وتمنع غيرهم من التصدي لهذه الفريضة بلا علم، حتى لا يؤدي ذلك بين المسلمين من التنازع المفضي الى الشر، فاذا كنت في مجتمع تؤمن بانه من خير مجتمعات المسلمة اليوم، فليس لك كمؤمن ان تشق العصا وتقوم بما منعت منه من اجل ان تؤيد بما تفعل تياراً بعينه او جماعة تنسب اليها، لتنشر في البلاد نزاعاً في غنى عنه، نسأل الله عز وجل أن يهدي الضال الى الهدى، وان تكون غايتنا جميعاً اقامة الدين دون شطط او غلو، وان نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق، فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.
عبدالله فراج الشريف- البلد السعودية-