خاص راصد الخليج-
أثار تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد خلفاُ للأمير محمد بن نايف الذي جرد من كل مناصبه الكثير من التساؤلات والغموض عن هذا التنصيب الذي تم في الليل بعيداً عن الأعين وأبصر النور مع ساعات الفجر الأولى، فلهذا التعيين خبايا عدة أشار إليها مصدر لصحيفة خليجية بارزة.. لتجيب على هذه التساؤلات عبر عرض سلسلة الإجراءات التمهيدية وصولا للاتفاقات الأخيرة بين الأميرين بن نايف وبن سلمان.
بقدر ما كانت الخطوة مفاجأة بقدر ما كانت متوقعة، فقد إنكب معديها على مدى أشهر كانت كافية بالتمهيد لها، حيث بدأ التحضير مع ارتقاء الملك سلمان وتسلمه مقاليد الحكم تزامناً مع تعيين نجله محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، وبدأت الترقية لبن سلمان في المناسب وتوسعة المهام والصلاحيات عبر تعيينه رئيساً لـ«مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» ومن ثم ولياً لولي العهد في عام واحد، وهكذا تم تعزيز صلاحيات بن سلمان تمهيداً لعلزل بن نايف.
هذا وقد أفاد مصدر لصحيفة خليجية بارزة أنه كان من المقرر أن يتم هذا الترتيب خلال الفترة الانتقالية بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» والرئيس الحالي «دونالد ترامب» أي عقب فوز الأخير وقبل تأديته اليمين الدستورية. وهذا لم يحصل لعدة عوامل جعلت الملك سلمان يتريث في تلك الخطوة، فمن هذه العوامل رفض بن نايف ورد أوباما الغامض على الموضوع.
فقد استند بن نايف في موقف رفضه والتشبث به لمواجهة توريث العرش لابن سلمان على عدة عوامل قوة حينها منها:
- كون بن نايف ولي العهد يعني بأنه الأحق في تولي سلطة العرش بعد الملك سلمان.
- الخلفية الأمنية الطويلة لـ«بن نايف»، التي ورثها عن والده وزير الداخلية السابق، والتي حصد من ورائها علاقات قوية مع الفضاء الإقليمي والدولي، جعلته خيارا مفضلا لكثير من تلك القوى، وخاصة الحليف الأقوى، الولايات المتحدة، والتي عادة ما يمر عبر بوابتها كل طامح في عرش المملكة.
تقديم محمد بن سلمان:
أما الملك سلمان ونجله بن سلمان فقد باشروا بالعمل على أكثر من اتجاه من أجل سلب بن نايف نقاط قوته تمهيداً لإرغامه على القبول بتنصيب بن سلمان مكانه وتنحيه عن كل مناصبه وامتيازاته مثلما حصل فجر الأربعاء من مشهد قبول بن نايف بالتنحية والتخلي عن كل مناصبه.
فالخطة التي إعتمدها الملك سلمان وابنه بن سلمان تعتمد على ظهور بن سلمان في كل المحافل والأماكن بالإضافة إلى تسليم الملك ابنه العديد من ملفات السياسة الخارجية بدلاً من «بن نايف»،عبر تكليفه بإجراء العديد من الزيارات الخارجية، والنيابة عنه في حضور عدد من المناسبات الهامة بالخارج، وكان من أبرز تلك المهام، زيارته لأمريكا ولقاء «ترامب»، ليكون أول مسؤول سعودي وعربي رفيع يلتقي «ترامب» في البيت الأبيض بعد توليه مهامه الرئاسية.
كذلك الجولة الخارجية الأسيوية التي أجراها الملك «سلمان» ، التي شملت عدة دول منها اليابان والصين وماليزيا وإندونيسيا، كان من أهم أهدافها تقديم «بن سلمان»، الذي رافق الملك في الجولة، للمحيط الإقليمي، وتهيئة هذا المحيط للقبول به ملكاً.
أما داخلياً، تم العمل بقوة على تعزيز حضور بن سلمان كرجل قوي قادر على الذود عن المملكة من التهديدات الخارجية، وخاصة التهديد الإيراني، فهو قائد الحرب في اليمن، والتي تهدف في المقام الأول إلى إفشال المخططات الإيرانية بتعزيز تواجدها في اليمن، الحد الجنوبي للسعودية، عبر وكيلها «جماعة الحوثي».
كما تم إبراز الأمير الشاب كرجل دولة؛ فهو من استقبل أغلب القادة والمسؤولين الذي وصلوا للمملكة خلال الأشهر الأخيرة، كما يقود مشاريع ضخمة وغير مسبوقة، ومنها تحويل اقتصاد المملكة من الاعتماد كلياً على النفط، إلى اقتصاد متنوع الأنشطة، عبر إطلاق «رؤية السعودية 2030» في أبريل/نيسان 2016، وخصخصة جزء من شركة «أرامكو»، أكبر منتج للنفط في العام، التي تولى رئاسة مجلس إدارتها في 30 أبريل/نيسان 2015.
سلب «بن نايف» نقاط قوته:
فيقول المصدر، قد تم العمل على تهميش «بن نايف» وسحب كافة صلاحياته والملفات الخارجية منه حتى بات غير قادر على الاستمرار ومقاومة مخطط توريث العرش لابن عمه.
فهذا تم عبر العشرات من الأوامر الملكية المتلاحقة على مدار الأشهر الماضية، تم فيها إبعاد الشخصيات المقربة من «بن نايف» من دوائر الحكم، وتعيين شخصيات مقربة من «بن سلمان» مكانها، كما حصل في 30 أبريل/نيسان 2015، من ضم ديوان ولي العهد إلى الديوان الملكي الذي يديره ويتحكم به فعلياً «بن سلمان».
وقد أصدر الملك «سلمان» أربعين أمراً ملكياً، كان أهمها على الإطلاق هو ذلك المرسوم الذي استهدف استعادة شعبية «بن سلمان» من خلال إعادة البدلات المادية لموظفي القطاع العام ولأفراد القوات المسلحة التي كانت «رؤية 2030» قد اقتطعتها منهم، ومن المثير أن يُسند الفضل في عودتها إلى «بن سلمان» رغم أنه هو الذي أمر بحرمانهم منها بادئ ذي بدء.
وتضمنت تلك الأوامر الملكية، أيضا، تعيين الأمير «خالد» الشقيق الأصغر لـ«بن سلمان»، سفيراً لدى واشنطن، ليكون للأخير صوت قوى داعم له في الولايات المتحدة.
إلا أن الأمر الملكي الأهم الذي شكل انقلاباً ناعماً على «بن نايف» كان ذلك الخاص بإنشاء مركز للأمن القومي تحت إشراف الديوان الملكي، لتكون المنافس المباشر لوزارة الداخلية.
وأخيرا، تم تعديل مسمي «هيئة التحقيق الادعاء العام» إلى «النيابة العامة»، ونقل تبعتيها من وزارة الداخلية إلى «الملك مباشرة»، ضمن سلسلة أوامر ملكية أخرى السبت الماضي.
ويكمل المصدر، يبدو أن الملك «سلمان» استعان، كذلك، بالأمير «سعود بن نايف» الأخ الأكبر لـ«بن نايف»، كي يقنع الأخير، بما له من احترام عنده، بالتخلي طوعاً عن ولاية العهد، وعدم إحداث شرخ في العائلة الحاكمة بالاعتراض على الخطوة.
وقد أشار إلى أن اختيار الأمير «عبد العزيز» بن الأمير «سعود بن نايف» وزيرا للداخلية خلفاً لـ«بن نايف» كان ضمن التفاهمات كي يبقى لـ«بيت نايف» حظوظ مستقبلية، ويحافظ على هيمنته لسنوات طويلة على تلك الوزارة الهامة.
5 مليارات ثمن التنصيب:
فالمصدر ذاته كشف، أنه ضمن صفقة التخلي عن ولاية العهد لـ«بن سلمان»، تم الاتفاق حصول «بن نايف» على مقابل مادي غير محدد بدقة، لكنه لا يقل عن 5 مليارات دولار.
هذا وقد ساعد الملك «سلمان» في اتخاذ قراره بنقل ولاية العهد لنجله أن «ترامب» أبدى - خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض، التي أبرم خلالها عقوداً بنحو 400 مليار دولار - عدم اعتراض ترامب عليه، بل ورحب بالخطوة، حسب مصادر مقربة من ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» المقرب من الرئيس الأمريكي.
فمشهد تصعيد «بن سلمان» إلى ولاية العهد لن يكون الأخير، وفق المصدر، فهو ربما يكون فقط المشهد قبل الأخير، حيث سيليه حتماً المشهد الأخير باعتلاء الأمير الشاب لعرش المملكة، وعندها فقط يُسدل الستار.
وربما يكون المشهد الأخير، خلال أسابيع أو أشهر قليلة، حسب المراقبين، لكن الأمر يتطلب أولاً ضمان إسكات أي صوت داخل العائلة الحاكمة معارض لـ«بن سلمان»، وتقديم حوافز للأمراء الأقوياء.