الخليج الجديد-
تتسارع الخطى في دول الخليج والعالم، بحثا عن لقاح لمواجهة فيروس "كورونا"، أملا في تفادي موجة ثانية قوية من تفشي الفيروس، الذي ضرب اقتصادات العالم، خلال 2020.
وعلى الرغم من التفاؤل، بحدوث تعاف لاقتصادات الخليج، خلال العام المقبل، فإن الرياح تأتي بما لا تشهيه السفن، مع إقدام دول أوروبية، على إعادة الإغلاق من جديد، وفرض حظر جزئي أو كلي.
ووسط ترقب لمعدلات الإصابة بالفيروس، تتزايد المخاوف من عودة حظر حركة السفر، وإغلاق المطارات، ووقف النشاط التجاري، والسياحي، والدراسي، وغيرها، حال تسجيل معدلات مرتفعة من الإصابة بـ"كوفيد-19".
ويبدو أن دول الخليج تحديدا، بصدد تكبد فاتورة خسائر فادحة خلال 2021، مع استمرار انخفاض الطلب على النفط، ودخول قطاعات عدة في ركود قد يطوال مداه.
تراجع النفط
يفرض التراجع الحاصل في أسعار النفط، نفسه، على طاولة التوقعات الخليجية لموازنات العام الجديد، وحجم النمو، والعجز، والدين، ونسب الانكماش المتوقعة.
ويزيد تراجع أسعار النفط أكثر من 3%، الأسبوع الجاري، المخاوف من أن اتساع نطاق إغلاقات مكافحة فيروس "كورونا" في أوروبا قد يضعف الطلب على الوقود.
ويقول كبير إستراتيجيي السوق لدى "سي إم سي ماركتس" (مقرها سيدني)، "مايكل مكارثي"، إن "متعاملين كثيرين ينظرون إلى الولايات المتحدة ومعدلات العدوى المتصاعدة فيها ويتساءلون إن كانت أوروبا تقدم نموذجا لما سيحدث في الولايات المتحدة خلال الأسابيع المقبلة"، وفق "رويترز".
ويؤكد الخبير في شؤون النفط والطاقة، "نهاد إسماعيل"، أن موجة ثانية من فيروس "كورونا" تعني تراجع الطلب العالمي على الطاقة، وبالتالي تباطؤ التعافي الاقتصادي، بحسب "عربي 21".
وإزاء ذلك، فإن دول الخليج أمام معضلة عدم اليقين التي تسيطر على سوق النفط العالمية، وسط صعوبات تواجه الانتعاش الاقتصادي، وتعيق العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة.
ولا شك أن مستوى سعر برميل خام برنت الذي انخفض إلى 39 دولارا تقريبا، في حين بلغ خام النفط 37 دولارا، قبل أيام، لا يلبي احتياجات المحفظة المالية لدول الخليج.
ويعد إعلان قطر، الثلاثاء الماضي، تبني الموازنة العامة للدولة على أساس تسعير برميل النفط بـ40 دولارا، إشارة جلية إلى التوقعات المتشائمة بشأن مستقبل أسعار الذهب الأسود، مع توقعات بانكماش الاقتصاد العالمي بنحو قد يصل إلى 5%.
وحال ارتفاع معدل الإصابات بالفيروس داخل القارة الأوروبية، وامتداد ذلك إلى آسيا، خاصة الصين واليابان، فإن الإغلاق الاقتصادي المحتمل، ينذر بانهيار جديد في أسعار النفط، قد يعود به إلى ما دون الـ20 دولارا للبرميل، قبل شهور.
ومن المقرر أن تجتمع "أوبك" ومنتجون كبار من خارجها في مقدمتهم روسيا، فيما يعرف بـ"أوبك+"، يومي 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وأول ديسمبر/كانون الأول المقبل؛ لبحث تعميق تخفيضات النفط كأحد الخيارات للتعامل مع ضعف أسواق النفط، العام 2021 بسبب "كورونا".
حزم دعم
حال تعرض دول الخليج لموجة ثانية من تفشي وباء "كورونا"، سيعقبها بالتأكيد انهيار في أسعار النفط، وبالتالي ستتأثر بشكل كبير، غالبية الأنشطة الاقتصادية في المنطقة، التي تعتمد على النفط كمورد رئيس لموازناتها المالية.
ويتوقع البنك الدولي وصندوق النقد، أن تتراجع اقتصادات الدول العربية، في حال حصول الموجة الثانية بنسبة 5.5% إلى 6%.
وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أن الاقتصاد العالمي سيتراجع، في حال حصول الموجة الثانية إلى 7.5%، بدلاً من 6% التي قدرتها في الموجة الأولى.
وحال حصول الموجة الثانية، ستضطر بلدان الخليج إلى تقديم حزم دعم مالية للعديد من القطاعات، للحيلولة دون انهيارها، وهو ما يزيد من الأعباء على موازناتها للعام الجديد.
وخلال الموجة الأولى، قدمت دول الخليج مجموعة من الحوافز المالية بلغت قيمتها نحو 114 مليار دولار في 5 دول خليجية باستثناء الكويت.
وجاءت الحوافز كالتالي، الإمارات 44.6 مليار دولار، تليها السعودية بحوافز بلغت قيمتها 28 مليار دولار، ثم عمان بـ23.8 مليار دولار، ثم البحرين بـ11.5 مليار دولار وأخيراً قطر بـ5.4 مليار دولار، بحسب وكالة التصنيف الائتماني "فيتش".
وستؤثر تلك المستجدات حال حدوثها في قدرة الحكومات على الإنفاق السخي لانتشال الاقتصاديات، وستدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تقليص نفقاتها.
تعثر واقتراض
وترى وكالة التصنيف الدولية "ستاندرد أند بورز"، أنه مع استمرار عدم وجود لقاح ناجع لـ"كورونا"، فإن وضع المصارف الخليجية سيزداد سوءا، متوقعة خسائر بقيمة 13 مليار دولار خلال العام الجاري.
وخلال النصف الأول من العام الجاري، تراجع النشاط الإقراضي لدى بنوك الخليج بنسبة 6.6%، خشية مخاطر عدم السداد من قبل الشركات التي تعاني ظروفا مالية متعثرة.
وتفيد وثيقة مالية صادرة عن وزارة المالية السعودية، بأن الدين العام سيرتفع إلى نحو 228 مليار دولار خلال العام الجاري، وإلى نحو 251 مليار دولار عام 2021.
ووفق بنك الاستثمار الأمريكي "مورجان ستانلي"، فإن ديون الإمارات هي الأكبر على مؤشر سندات الأسواق الناشئة، حيث أصدرت ديونا بقيمة 24.5 مليار دولار، من خلال إصدار سندات دولية.
وفي مايو/أيار الماضي، جمعت البحرين، ملياري دولار، لتقوية أوضاعها المالية، بعد تراجع أسعار النفط وأزمة "كورونا"، كذلك لجأت سلطنة عمان لاقتراض ملياري دولار للسبب ذاته.
وتبلغ قيمة السندات التي أصدرتها دول مجلس التعاون، بالعملة الأجنبية، نحو 40 مليار دولار حتى هذا الوقت من العام الجاري، وفق شركة "كابيتال إيكونوميكس" البريطانية.
ويرى الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، "جيمس سوانستون"، إنه على خلفية انخفاض النفط الذي تسبب في اتساع العجز في الميزانيات، فقد أصبح التوجه نحو أسواق الديون الدولية بديلا أسهل لتمويل هذه العجوزات الكبيرة، وفق "رويترز".
ومع تزايد محتمل لقوة الموجة الثانية من الفيروس، مع دخول فصل الشتاء، ستكون التداعيات أكثر وطأة على اقتصاد الخليج، مع عودة قرارات الحظر والإغلاق، واستمرار تدني أسعار الخام، والانخفاض الكبير في الإيرادات.
الواقع يقول إن التداعيات ستكون خطيرة وفاتورة الخسائر باهظة، بالنظر إلى تأخر الكشف عن لقاح ناجع للفيروس، مع ترقب لمدى صحة تحذيرات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، من أن العالم سيكون مهددا بموجة ثانية أشد ضراوة وقسوة من الموجة الأولى.