ملفات » إعدام الشيخ نمر باقر النمر

الشيخ النمر في مرافعة الكرامة: حياتي ليست أهم من كرامتي

في 2016/04/20

علي الديري- الاخبار اللبنانية-

صدر عن صحيفة «مرآة البحرين» ومركز «كيتوس» الثقافي كتاب مرافعة الشيخ نمر النمر في أكثر من مئتين صفحة تحت عنوان «مرافعة كرامة». يتضمن الكتاب نص المرافعة التاريخية التي أراد الشيخ النمر أن يكتبها بنفسه، ليس أملاً في العفو أو رجاء في تخفيف العقوبة، بل ليكتب إقراراً ينجز به حدثاً تاريخياً، يليق بدمه، في حدود الساعات القليلة التي مُكّن فيها من القلم والورقة.

كتب هذه المرافعة التي صارت اليوم كتاب شهادته ودستورها، ويشير القاضي في جلسة 23/12/2013 إلى عدد الساعات التي مُكن فيها من القلم والورقة: «قد مكن من لقاء محاميه وفرّغ لكتابة جوابه ثلاث مرات وزود بقلم وأوراق كانت منها اثنتان في المحكمة وواحدة في السجن والتي كانت في المحكمة كانت الأولى منها أكثر من ثلاث ساعات والثانية قرابة الساعتين».
ليست الكرامة قيمة مطلقة في خطاب الشيخ الشهيد. هي مرتبطة بمعنى محدد، هو حفظ حقوق المواطنة والمساواة والاعتراف والعدالة. هي كرامة دستورية، إذ الدستور هو من يحفظ كرامة المواطنين، وقد ربط الألمان دستورهم بالكرامة التي وُضعت كأعلى مبدأ دستوري وكسقف تمر من تحته كل القوانين: «كرامة الإنسان غير قابلة للمساس بها. فاحترامها وحمايتها واجب إلزامي على جميع سلطات الدولة».
من هنا فالحديث عن الشيخ النمر ليس حديثاً عن نضال مطلق مفتوح. أو لنقل استشهاد الشيخ النمر ليس انغماساً عدمياً في المطلق، بل هو استشهاد في حدود ما أراد أن تكون حياته شاهدة عليه. ومرافعته هي الخطاب الأكثر توضيحاً لهذه الشهادة. الشهادة هنا بمعنى الموت من أجل قضية محقة وبمعنى الشاهد الذي يترك أثراً مكتوباً أو منطوقاً على القضية.
يحيل معجم اللغة الكرامة على المعاني التالية: النبل، العزة، احترام المرء لذاته، الشعور بالشرف والقيمة، الأمر الخارق، الجود.
أحال الشيخ النمر هذه المعاني إلى خطاب نضالي حقوقي، وقدّم نفسه تجسيداً لهذا الخطاب، والكرامة أصبحت مفهوماً حقوقياً بامتياز. نجد كثيراً من المنظمات الحقوقية تتخذ من الكرامة مسمى لها وبعضها يطلق على دورياتها مسمى كرامة، ونجد تقارير المنظمات الحقوقية العالمية تستخدم «كرامة» في عناوينها، فقد أصدرت «هيومن رايتش ووتش» تقريراً في سبتمبر 2009 عنوانه «الحرمان من الكرامة: التمييز المنهجي والمعاملة المتسمة بالعدوانية بحق المواطنين السعوديين من الشيعة». وافتتحته بالإشارة إلى حادثة البقيع في فبراير/ شباط 2009 التي كانت إحدى مفاصل تصعيد خطاب الشيخ النمر مع السلطة السعودية، وتحتل أهمية كبيرة في خطاب مرافعته إذ كان متهماً فيها بالتحريض والدعوة للانفصال، وعنوان تقرير «الحرمان من الكرامة» يحيلنا إلى عريضة الشيخ النمر لأمير المنطقة الشرقية، في2007 «عريضة العزة والكرامة».

لقد جعل الشيخ النمر «الكرامة» أعلى مبدأ دستوري لحياته، وقد سجّل كذلك في مرافعته كوصية للأجيال التي استشهد من أجل كرامتها: «الكرامة الإنسانية التي لا يحق ولا يجوز لأحد مهما أوتي من قوة ضاربة أو مقام سامٍ أن يسلبها أو ينتهكها، بل حتى الإنسان نفسه لا يحق له ولا يجوز له أن يتنازل عنها لأنها من الحقوق التي لا يملك صاحبها التصرف بها أو فيها إلا بما يحفظها ويصلِّب جذورها، وهي حق أسمى من حق الحياة الذي لا يملك أحد فيه مطلق التصرف بل هي المبرر لتمسك وتشبث الإنسان بالحياة والبقاء، بل لا قيمة لحق الحياة إلا بها».
جعل الشيخ النمر حياته مطابقة تماماً لمفهوم الكرامة. جعل جذع جسده شجرتها، وكلماته جذورها، ورأسه كل غصونها. لم يملك شيئاً منه ليتصرف فيه، فقد تملكته الكرامة بكلها، لم يسلبها أحد منه فقد ظلت معه حتى آخر نفس له وهو يصّاعد إلى السماء، ولم يتنازل بها لأحد على الرغم من كثرة الرسائل الملحة عليه، فكان لسان حال جوابه دوما: اسألوها [الكرامة] هل أملك حق التصرف فيها؟ ومع كل سؤال كانت تزداد صلابة وعناداً في التمسك به، وحين يقترب الموت من حياة النمر، كان يبتسم له ويقول له: لا تهددني، فلا قيمة لحق الحياة إلا بها.
لقد أرادوا النيل من كرامته في كل مرحلة من مراحل التحقيق معه، فلم يظفروا بشيء منها، في المرحلة الأولى، التحقيق المسجل بالصوت والصورة، كان اثنتي عشرة جلسة تقريباً، عشر جلسات في مستشفى الظهران العسكري وكان مقيداً ومكبل اليدين لمدة أسبوعين كاملين، وجلستان في زنزانة مستشفى قوى الأمن الداخلي. وكان مكبلاً ومقيد الرجل اليمنى بالسرير لمدة شهرين كاملين. وكانت تستغرق جلسة التحقيق من الساعة ونصف إلى الساعتين تقريباً.
وفي المرحلة الثانية، كان التحقيق المدون في مذكرة التوقيف وكراسة التحقيق، وكان في ثلاث جلسات، وبدأت الجلسة الأولى بعد منتصف الليل إلى قبيل أذان الفجر.
وفي المرحلة الثالثة، كان التصديق على الاعترافات، والتي لم يعترف بها في الواقع، لكن المحقق قال هذه خلاصة ما جرى من التحقيق معك، وعليك أن توقعها.
ستذهب لائحة الدعوى التي أعدت من هذه التحقيقات في ست عشرة صفحة إلى مزبلة تاريخ العدالة المزيفة، وستبقى مرافعة الشيخ النمر ضدها تاريخاً جديداً للكرامة الإنسانية التي خطها الشيخ الشهيد بدمه وحبره.