ملفات » زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن

محمد بن سلمان يعبّد الطريق نحو العرش

في 2016/06/22

تغيير تاريخي آتٍ لا بد منه في السعودية. توشك المملكة أن تشهد انتقالاً من جيل أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إلى جيل الأحفاد. تصر مراكز الأبحاث الغربية على البحث عن جواب مرهون لما سيؤول إليه صراع الأجنحة داخل العائلة الحاكمة. من سيتولى دفة الحكم والقيادة بعد الملك العجوز؟ سؤالٌ بات يفرض نفسه في عواصم العالم أيضاً. رجحت العديد من التقارير في الآونة الأخيرة وصول نجل الملك ولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى العرش بدلاً من الوريث الطبيعي ولي العهد محمد بن نايف، بعدما كانت قد سلطت الضوء على الأخير في فترة سابقة، كوريث مفضل لدى الغرب، كونه "أمير مكافحة الإرهاب"، بحسب ما وصفه معهد "بروكينغز" الأميركي في أيلول العام الماضي.
يذهب العديد من المحللين إلى ترجيح كفة محمد بن سلمان، الذي لم يتجاوز الـ31 من العمر. فهو استطاع، بحسب الباحث من معهد "كارنيغي" فريدريك ويري، تجاوز منافسه محمد بن نايف، صاحب الباع الطويل في الحياة السياسية والأمنية. جمع خلال عام وستة أشهر "سلطة استثنائية وتأثيراً سريعاً جداً"، يقول الباحث في نيسان الماضي. وبغض النظر عن "الإعجاب" الأميركي والغربي ببن نايف، صاحب "وسام جوقة الشرف" الذي منحه إياه الاليزيه، لا يخفى أنّ أسهم نجل الملك آخذة في الارتفاع تلقائياً لدى الغرب، إذْ إنّ خلافته في نظام الحكم السعودي باتت "قوة قاهرة واقعية جداً"، كما يقول الضابط السابق في المخابرات الأميركية بروس ريدل في إطار تقرير نشره موقع شبكة "أن بي سي" التلفزيونية الأميركية الأسبوع الماضي، موضحاً أنّ ابن نايف "قد لا يعيش طويلاً، الأمر الذي جعله خارج السباق على السلطة"، بسبب "تدهور حاد في صحته" من عواقب جروح خطيرة أصيب بها جراء استهدافه بعملية تفجير انتحاري نفذه أحد عناصر تنظيم "القاعدة" في العام 2009.
يتخوف محمد بن نايف من خطوات محتملة قبل وفاة الملك سلمان، وذلك بأن يتخلى الأخير عن منصب رئيس الوزراء ويسلمه إلى ابنه محمد، وهي وفقاً لـ "معهد واشنطن" مناورة محتملة تجعله أعلى إدارياً منه. في المقابل، يتخوف محمد بن سلمان من أن تكون أولى خطوات ابن عمه محمد بن نايف في حال توليه الحكم، اختيار ولي عهد جديد بدلاً منه، وقلب الطاولة بالطريقة ذاتها التي تمّ عبرها التخلص من مقرن بن عبد العزيز الذي كان ولياً للعهد، وهي خطوة قد لا تلقى اعتراضاً حاسماً من أبناء الأسرة الغاضبين من احتكار ابن سلمان لحكم أبيه، وفقاً للمعهد الأميركي. لكن ثمة "عاصفة سياسية داخلية في السعودية"، دفعت العديد من مراكز الأبحاث والمحللين إلى أبعد من ذلك، واعتبارها تمهيداً لإعلان محمد بن سلمان ملكاً قبل وفاة والده الملك سلمان، على غرار التجربة القطرية التي تمثّلت بتنحي الأمير حمد لمصلحة ابنه تميم.

خفت الأصوات
خطوات محمد بن سلمان الواسعة والقياسية في الطريق إلى العرش، تركت خلفها معارضةً قوية واجهها من عمومه وأبناء عمومه منذ تعيينه ولياً لولي العهد. لم يرحب به فهد بن عبد الرحمن وأحمد بن عبد العزيز وأبناؤهما، الذين صوّتوا بـ "لا" في هيئة البيعة لجعله الرجل الثالث في الدولة، وتلى ذلك تصريحات جريئة، كشفت حدّتها اللثام عن حقيقة ما يدور خلف أبراج القصر، لعل أبرز وجوهها عضو هيئة البيعة سعود بن سيف النصر، الذي أعلن عدم ولائه لحكم الملك سلمان مطالباً بتولية شقيقه أحمد بن عبد العزيز على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، واتهمه بالسرقة والفساد ووصفه بـ "الجنرال الصغير" استهزاءً به، في تغريدات أثارت جدلاً واسعاً في أوساط الأسرة.
تلاشت الأصوات المعترضة على ابن سلمان، بعد زيارات قام بها الملك لرأب الصدع بينه وبين إخوانه وأخواله من السديريين، وتوّجت هذه الخطوات بعودة رئيس هيئة البيعة مشعل بن عبد العزيز المفاجئة إلى السعودية بعد فترة غياب طويلة اعتبرها البعض احتجاجاً على الهيكلية التي وضعها سلمان للحكم. تحدّث محللون حينها عن صفقة عجّلت بعودة مشعل إضافة إلى صفقة أخرى تمت مع سعود بن سيف النصر.

دور ولي العهد
يعبث محمد بن سلمان بمثلث الحكم ويلعب دور ولي العهد، سواءً من خلال زياراته وإعلانه عن رؤاه لهيكلة الاقتصاد السعودي ولإدارة القرارات السياسية والعسكرية، لا سيما دوره في الحرب على اليمن وتشكيل "تحالفات" عسكرية كـ "التحالف العربي" و "التحالف الإسلامي". ينظر له الساسة حول العالم أنه اللاعب الأهم بحكم الصلاحيات بين الأمراء، متفوقاً بذلك على محمد بن نايف الذي جُرّد من بعض صلاحياته الداخلية والخارجية لمصلحة ابن سلمان، وهي صلاحيات كانت تولى دائماً لولي العهد. اعتبر مراقبون أنّ زيارته الثالثة إلى الولايات المتحدة مع توجه القيادة السعودية إلى زيادة التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية وتحسين العلاقات بين الجانبين في ظل اتهامات واشنطن ومرشحي الرئاسة للرياض بدعم الإرهاب، من شأنها دعم واشنطن لمحمد بن سلمان بحسب تقديرات المسؤولين الأميركيين، حيث إنّها "كانت بدعوة من القيادة الأميركية من أجل التعرف عن قرب على الشخصية التي ستعتلي على الأرجح، عرش ملك السعودية في القريب" بحسب ما أشار ريدل، فضلاً عن التباحث في أكثر من مشروع اقتصادي مشترك بين البلدين على أسس رؤية المملكة 2030 التي أعلن عنها بنفسه، ما اعتبره محللون أنّه يُمهد لحكمه تاركاً لنفسه هامش 15 سنة على الأقل.
سبقت هذه الزيارة، زيارة قام بها الملك سلمان إلى واشنطن في مطلع أيلول العام الماضي مصطحباً معه ابنه بدلاً من وليّ عهده محمد بن نايف، تأكيداً لرغبته بوصول ابنه إلى دفة الحكم، خصوصاً أنّها جاءت، بعد قرارات عدة من شأنها تحجيم دور ابن نايف، مثل قرار حل ديوان ولي العهد، وضمه إلى الديوان الملكي، وأصبح محمد بن نايف بذلك، مضطراً الى الاعتماد على ابن الملك الذي يتحكم في طرق الوصول إلى والده، ثم أقال الملك سلمان كبير مستشاري ولي العهد، وزير الدولة سعد الجبري، الذي لديه اتصالات استخباراتية مع الغرب، وكانت هذه رسالة أخرى لمحمد بن نايف، بأن لا تتدخل في حرب اليمن، حيث كان الجبري قد شكك قبل إقالته في تكتيكات محمد بن سلمان في الحرب على اليمن، وعبّر عن خشيته من تنامي "القاعدة" في البلد الجار.

"المخلص"
يصب الشاب قواه على الاقتصاد تارةً وعلى العسكر تارة أخرى، وهما المجالان اللذان تضررا في عهد الملك سلمان بحسب ما يشير مراقبون جرّاء حرب اليمن وحرب أسعار النفط. وبعدما جلبت "عاصفة الحزم" ضغطاً جديداً إلى حدود المملكة برفعها أسهم "القاعدة" و "داعش" و "الإخوان" تارةً، وتوسيع الشقاق الحاصل بين الدول التي شاركت في "التحالف" تارةً أخرى، كالإمارات ومصر وقطر، جراء تنامي هذه التنظيمات في اليمن، وجاء إعلانه منتصف كانون الأول العام 2015 "التحالف الإسلامي" لمحاربة "الإرهاب"، محاولة لرأب الصدع، وخرجت عناوين صحف سعودية في اليوم التالي للإعلان عنه لتقول إنّ "الحرب في اليمن وحّدت العالم الإسلامي تحت راية التحالف" الجديد.
يسعى محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، للتنوع الاقتصادي ولمستقبل قريب من نموذج الإمارات الذي يرغب به العالم الغربي. يتحدث الرجل للصحافة عن رؤيته وبرنامجه للتحول الوطني خلال السنوات المقبلة، كما لو أنّه يمتلك عشرات السنوات من الخبرات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. يطرح نفسه معالجاً لقضايا المملكة الاجتماعية أيضاً، فقد أقر بشُحّ الخدمات الثقافية وأزمة البطالة والإسكان والمياه والمرأة وغيرها.
وفي حديثه إلى مجلة "بلومبرغ" في نيسان الماضي، أعلن أنّ زيادة إشراك المرأة في أعمال الاقتصاد والتجارة هو جزء من الأهداف المعلنة للإصلاحات ضمن الرؤية الجديدة، ما دفع محللين إلى القول بأنّه "يحاول إخراج بلاده من كنف المحافظين" بحسب وكالة "رويترز"، خصوصاً بعدما اصطدم بالجناح المحافظ في المملكة، فقد هاجمه الداعية الشهير عبد العزيز الطريفي على "تويتر" قبل أن تحتجزه السلطات، بسبب انتقاده المباشر لتصريحات ابن سلمان التي تحدث فيها عن منح المرأة حقوقها "التي كفلها الإسلام"، وأعدّ ذلك "تنازلاً عن بعض دينه إرضاءً للكفّار". أمّا الداعية سليمان أحمد الدويش فقد ذهب أبعد من ذلك، محذراً الملك سلمان بشكل غير مباشر من منح الثقة لابنه الذي وصفه بـ "المراهق والمدلل"، مضيفاً أن "هذا سيجعله ينتظر كل يوم فاجعةً جديدة حتى يُهَدَم بيته"، بحسب تعبيره.
حديث الشاب عن الإصلاحات، لم يشمل أي إصلاحات في النظام السياسيّ ونظام المحاسبة والمراقبة المستقلة والقضاء، على الرغم من أن ذلك أكثر ما تحتاجه المملكة بحسب ما ترى واشنطن، وهذا ما أكده أوباما مراراً للسعوديين، آخرها كان في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" في نيسان العام الماضي، مع أقرب الصحافيين إليه الكاتب توماس فريدمان، الذي أكّد فيه أن التهديد الأكبر للسعودية، يأتي من الداخل أكثر مما يأتي من إيران. ولم يقصد الرئيس الأميركي حينها "خلايا داعشية" فقط، بل أشار إلى المعارضة و "ضرورة أن تلبي المملكة حاجات الذي يشعرون بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم" كما قال. لكن السعودية ردّت بحشد الأصوات ضد إيران، وبمزيد من قمع المعارضة، لا سيما بإعدام الشيخ نمر باقر النمر، رمز الأقلية المهمشة المطالبة بالإصلاح.

علي جواد الأمين- السفير اللبنانية-