ملفات » قانون جاستا والسعودية

قانون وولف ورأس السنة الجديدة

في 2017/01/02

أستغرب من بعض أصحاب الرأي الذين يحذرون من قانون وولف، ويصفونه بأبشع الأوصاف، وأنه ربما موجه لنا، القانون يدعو لاحترام الحريات الدينية، فهل نحن لا نحترم الحريات الدينية؟ إن الخوف من القانون والتضايق منه هو إدانة قبل النظر في المسألة بهدوء.
أول ما يثير القارئ لكتابات المحذرين من قانون وولف، هو أنهم قبل قانون وولف كتبوا المقالات ودبجوا الخطب في احترام الإسلام للحريات الدينية، وأنه سبق العالم في هذا، وأنه الدين الوحيد الذي يراعي الأقليات الدينية ثم يبدؤون بذكر صحيفة المدينة وما فيها من إضاءات سبقت ما يطرحه الغرب، ويعرجون على صرف عمر بن الخطاب على العجوز اليهودي من بيت المال عندما رآه يتسول، مرورا بالتسامح الديني عند المسلمين بالأندلس وعجزت عنه عموم أوروبا فيما بينها... الخ من مرويات يكررونها، لكنهم يتنكرون لها فور المطالبة بإنزال شعاراتهم الدينية في حقوق الإنسان على الأرض، لتراهم يحذرون بعضهم بعضا ويثيرون البلبلة والإشاعات بتحذيرات تشبه تحذيرات الجماعات المتطرفة، فيريدون من الدول أن تتحول من راعية للسلم الأهلي بمعيار حقوق الإنسان للمواطن والمقيم إلى دول عقائدية يعيش سكانها على اختلاف طوائفهم حربا أهلية باردة تنتظر فتيلا لتصبح حربا أهلية ساخنة بدم البشر.
ما زلت أذكر تبرير الهجوم على بشار الأسد بصفته علويا، بينما أرى المبرر الحقيقي للهجوم عليه كونه مستبدا أو غير مستبد، أما بصفته علويا فليس مبررا كافيا للهجوم على رئيس دولة عربية، وإلا رأينا الحمقى يهاجمون رئيس لبنان لأنه مسيحي، وسنهاجم رئيس الدولة العربية الفلانية لأنه كذا والرئيس العربي الثالث كذا والرابع والخامس... إلخ، كل هذا بسبب خطاب دوغمائي سادر في غيه، لا يريد رفع رأسه والنظر إلى السماء وأنها أوسع من ثقب إبرته العقائدية التي يريد حشر العالمين فيها.
قانون وولف ليس مشكلة بالنسبة لدولتنا إذا راعت الثوابت التالية: أولا أنها دولة ذات نظام ملكي وتسمى (المملكة العربية السعودية) وليست لها علاقة بمفاهيم دولة (الخلافة الإسلامية) لا بمفهوم "داعش" و"القاعدة"، ولا بتخريجات حسن البنا وسيد قطب، ثانيا: أنها عضو فاعل في هيئة الأمم المتحدة، ثالثا: أنها ملتزمة بكل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي وقعتها وفق ما تراه لا يخلّ بسيادتها، ولا ينشق على الإجماع الدولي، رابعا: أن مفهوم المسلم والذمي في الدولة الحديثة غير موجود، ولهذا فحقوق (المواطن) تسير وفق مفهوم (العقد الاجتماعي) وليس وفق معطى (القطيع/ الرعية والراعي)، وواجبات (المقيم)، تسير وفق معطى الأعراف الدولية لنظام الإقامة، وليس وفق معطى (الجزية عن يد وهم صاغرون). خامسا: أن مفردة الثوابت التي يرهب بها الحزبيون الناس ليوهموهم أنها من عند الله -وليست من عند الله- يرجع فيها للراسخين في العلم، وليس الراسخون في الحزبية أو المصالح الذاتية، وكلنا نذكر ما حاوله الإسلاميون من ركوب راحلة الفتوى ليزايدوا على الدولة إبان حرب الخليج الثانية في (حرمة الاستعانة بالكفار)، وكأنما الدولة بعد ما يزيد على نصف قرن ما زالت تعيش عقلية القرون الوسطى، فعلى أي كفار يختصمون، وعن أي استعانة أو قطيعة يتحدثون، وسلة العملات العالمية لكثير من الدول بمختلف ديانات شعوبها وطوائفهم وأعراقهم متداخلة مع الدولار وبالدولار، وقد تداخل الاقتصاد الدولي مع السياسة مع شركات عابرة للقارات تتجاوز في ميزانيتها ميزانية دولة كاملة، وما زال هناك من لا يرى الهوة العقلية والتاريخية بين لوح الخشب أيام الكتاتيب الذي في رأسه، وبين شاشة الآيباد في زمن الإنترنت الذي يعيشه العالم من حوله، جسده في القرن الحادي والعشرين، وعقله في القرون الوسطى.
أورد أمنية للمتخصصين في الشريعة، وأقول تخصص الشريعة (الذي يخرج قضاة ومحامين) وليس تخصص أصول الدين (الذي يخرج دعاة ووعاظا)، نريد دراسة تأصيلية (موضوعية غير مؤدلجة) لواقع غير المسلمين بين المسلمين وحقوقهم أيام السلف، وسيتفاجأ كثير من العوام بمدى الحرية الدينية المكفولة في الإسلام لغير المسلمين، حتى للمجوس منهم، وللإمام محمد أبوزهرة بحوث ثمينة في هذه المسائل، ولكن ليس كل ما يعرف يقال، خصوصا أن سقف المقال العام لا يحتمل ما يمكن إدراجه في دراسة شرعية متخصصة وموضوعية (غير مؤدلجة)، والباقي على السياسي في سياسة الناس لاستيعاب ما غفلوا عنه من تسامح دينهم الذي جاء رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط، مع تجاهل من لا يجيد سوى وضع العجلة في إطار التطور الإنساني تحت باب سد الذرائع (المتوهمة).
اعترض كثير من العلماء في الخلافة العثمانية عندما قررت منع النخاسة، وافترض بعضهم أن هذا من القوانين التي تقع في ناقض من نواقض الإسلام، إذ تفترض أن هديها أفضل من هدي الرسول الكريم، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يمنع ذلك، وتركه فقط في منافذ الكفارات والعتق كحالات فردية، ثم جاء الملك فيصل فأعتق العبيد وطور الدولة بمنهج حديث يناسب معطيات فترته التاريخية، متجاهلا صراخ أحفاد (اعدل يا محمد فإنك لم تعدل) الذين يتلونون بالمزايدة الدينية حينا وبالمكابرة على الحق حينا آخر، ولا تستغربوا أن تجدوا بيننا من يتعطش لعودة زمن الجواري وبيع البشر، متناسيا أنه لو بقي الاتجار بالبشر إلى هذا الزمن فلربما كان مختطفا من والديه طفلا، مكبلا في أحد أسواق البلدان الأخرى، يصرخ النخاس على رأسه: عبد عربي بصحة جيدة خال من العيوب والأمراض!
ختاما احترام الأديان وحريتها موجود في السعودية قبل قانون وولف، فالملك العبقري عبدالعزيز لم يصنع مجزرة هولوكوست لليهود العرب في نجران، بل ترك لهم حرية الإقامة أو الخروج بإرادتهم الحرة، والتنوع الطائفي الموجود حتى الآن دليل على ذلك، لكن الاستقطاب الأيديولوجي الحاصل للشعب خلال فترات قديمة بدءا بضرورات النشأة الأولى للدولة، مرورا بالقومية العربية والحركات الإسلامية ما بين يسار ويمين، كل ذلك خلق نزعة تتجاوز التصالح مع الغير لتصنع أزمة حتى مع الذات، مما أدى إلى مظاهر فصام عجيبة، فيزدحم كثير من السعوديين عند المطارات والمنافذ البرية المجاورة لمشاركة العالم حفلات رأس السنة لديانة أخرى، ويترددون داخليا في النظر لبعضهم للتهنئة بعيد مولد نبي ديانتهم، إضافة إلى أن المملكة على المستوى السياسي ترسل تهانيها من أعلى الهرم لجميع الدول في أعيادها الوطنية واحتفالاتها الرسمية، ولن يكون معظم رؤساء الغرب وعلى رأسهم الرئيس الأميركي وقبلهم البابا المسيحي عندما يهنئون المسلمين بأعيادهم أكثر تسامحا من رؤساء البلاد العربية، فلم يطلبوا شيئا لأنفسهم لم يمنحوه لبني جلدتنا وديننا في بلدانهم، بينما البعض ما زال يستكثر على نفسه أن تكون كريمة الروح إن قالت لأقرب الناس إليها من المسيحيين العرب: سنة سعيدة يا أحفاد الغساسنة والمناذرة، سنة سعيدة يا ملح العرب، فكيف يصلح العرب إذا الملح فسد، دمتم في رعاية الرب، وقلوبنا معكم حبّا وسلاما، كما هي وصية الله لنا في كل الكتب السماوية. 

مجاهد عبدالمتعالي- الوطن السعودية-