ثقافة » مناهج

فشل «فطن» فرصة جيدة

في 2017/10/31

أمل عبد العزيز الهزاني- الشرق الاوسط السعودية-

«فطن» برنامج وقائي سلوكي وفكري أقرته وزارة التعليم في السعودية على كل إدارات التعليم، يستهدف التوعية بالمهددات الفكرية، وكذلك يعلم السلوكيات الصحيحة للطلبة والتدريب والتطوير من خلال أنشطة متعددة. هذا هو البرنامج ببساطة.
على حين غرة، اكتشف مسؤولو التعليم أن البرنامج رغم وضوح أهدافه لم يحقق المأمول منه، مع أن الميزانية المرصودة له كافية للتنفيذ والتطوير. الاكتشاف لم يكن في فشله في بلوغ أهدافه، بل الأسوأ، وهو أن بعض القائمين عليه من ذوي الأجندات الحزبية والفكرية، أي أن حاميها حراميها كما يقال.
ومع أن هذا الفشل الذي أدى إلى إيقاف البرنامج وإعادة هيكلته كان مفاجأة سيئة، إلا أني أرى من وجهة نظري أنها ضارة نافعة وفرصة كبيرة جاءت بلا ميعاد.
الصحيح أن وزارة التعليم ليست وحدها المصابة بداء الاختراق الفكري، وليست المؤسسة الوحيدة الملوثة بقيادات حزبية، وإن كان التعليم هو الأخطر والأكثر حساسية كونه معنياً بتربية النشء. هل نحتاج لـ«فطن» في كل المؤسسات حتى نقيَ المجتمع من الحزبيين الظاهرين والباطنيين غير الظاهرين؟
«فطن» برنامج ظاهر للعيان، والقصور في مراقبة العاملين فيه يعد السبب الأول لكثرة الإعفاءات التي طالت المشرفين عليه في مناطق مختلفة من المملكة، فكيف استطاع المشرف الجديد على البرنامج الدكتور سعد المشوح معرفة عدم ملاءمة المشرف على البرنامج في إدارة تعليم المدينة المنورة أو جازان، لولا أنه بذل جهداً مضاعفاً بعمل مسح شامل لمخرجات البرنامج في كل منطقة، وهذا عمل مضنٍ، كما يعرضه إلى جبهات تصادمية كثيرة من الحزبيين في كل منطقة، مما يجعله محارباً وحيداً على عدة جبهات.
ما زلت أرى أهمية استقلال إدارات التعليم عن الوزارة، أي العمل اللامركزي، لأسباب كثيرة لا تتعلق بما حصل في هذا البرنامج فحسب، بل بكل المتطلبات والاحتياجات والمسؤوليات. إدارة التعليم المستقلة ستكون تحت مسؤولية رجل واحد وهو مدير التعليم في منطقته، هو من يسأل ويحاسب، وليس المسؤول البعيد في مقر الوزارة في الرياض. كما أن هذه الاستقلالية تتيح التنافسية بين إدارات التعليم من حيث مستوى الطلبة والمعلمين والمدارس ومرافقها، ويمكن تحفيز جودة المخرجات بالتقييم الشامل نهاية كل عام وتكريم إدارة المنطقة التعليمية الأفضل.
المشكلة الوحيدة في هذا المقترح، هي نفسها مشكلة «فطن»، وهي نفسها المشكلة التي تعاني منها بعض مؤسسات الدولة، وهو الاختيار الصحيح للكادر البشري. في برنامج «فطن» على سبيل المثال، تم تعيين مشرفة على البرنامج في منطقة الرياض ثم أعفيت بعد ثلاثة أيام فقط بعد انكشاف ميولها الحزبية من خلال تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»! وعلينا ألا نتساهل فيما قد يقدمه أرشيف هذا الموقع من مفاجآت طالت شخصيات في مواقع وزارية نافذة، طمرها الزمن لكنها ظهرت للعلن وفاجأت المسؤول الذي أوكل عملاً ذا طبيعة مهمة إلى شخصية مشكوك في ولائها الوطني وانتمائها الفكري.
الأسئلة التي تحير كل عاقل بعد كل ذلك؛ ما هي معايير اختيار أو ترقية أي مرشح إلى جانب مؤهله العلمي؟ هل يتم البحث مثلاً في طروحاته في موقع «تويتر» المبارك؟! هل يخضع خلال عمله لرقابة المسؤول المباشر في مؤسسته؟ هل هناك رقابة في المقام الأول؟
ما حصل في «فطن» هو جرس إنذار، ينبه إلى أن ما يعانيه التعليم من وجود قيادات نافذة حزبية هي في الحقيقة موجودة في مؤسسات أخرى لم يكن لديها «فطن» ليكتشفهم. وبالفعل فقد حصل وأعفيت شخصيات من مؤسسات أخرى بعدما ظهرت تصريحاتهم وآراؤهم السياسية والفكرية في فضاء الإنترنت.
تصريح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار، بأنه يعتزم تدمير الأفكار المتطرفة، ينبغي أن يكون عنصر قوة وحجر أساس وعوناً لكل مسؤول للتحرك بالقوة نفسها لانتزاع المتطرفين والمشتبه بميولهم الحركية، ومراقبة الذين يختارون السُبات والسكوت تقية منهم حتى تمر فترة الرقابة الصارمة بعد تصريح ولي العهد. لهم نقول إن هذا التصريح ليس له مدة صلاحية، هو بمثابة عزم جاد متواصل. لكن من جهة أخرى فإن ولي العهد ليس من مهامه مراقبة كل موظف أو قيادي في كل مؤسسة في الدولة، بل هي مسؤولية القيادة المباشرة في الجهات المعنية، ويكفيهم هذا الضوء الأخضر الساطع من ولي العهد للتحرك بعزيمة وجدية بلا تهاون أو تأجيل.
«فطن» مجرد مؤشر على أن المدارس في المساحة الشاسعة للمملكة ملوثة بمشرفين ومعلمين ومعلمات يحملون أجندات فكرية مناوئة للدولة، والأمر ينسحب على الجامعات والكليات كذلك. كيف يمكن تمييز الخبيث من الطيب، كيف يمكن أن يتمايز التفاح الفاسد في الصندوق؟ المسؤولية الأولى تقع على مديري الجامعات، وإدارات التعليم، والوزراء، لأن الخلل الذي يقع في إدارة من إداراتهم هو مسؤوليتهم وحدهم، وهم من يتحملون وزره، ليس كونهم ارتكبوا الخطأ نفسه، بل لقصورهم في تحمل أعبائهم التي يأتي على رأسها الرقابة وحسن اختيار المسؤولين، خاصة ونحن نعيش نقلة نوعية في التحول إلى بلد متطور نظيف من الملوثات الفكرية، في منطقة تموج بالصراعات الآيديولوجية.