ح.سلفية » متفرقات

كيف يمكن للسعودية ومصر المساعدة في مواجهة الإيديولوجيات السامّة؟

في 2018/01/25

جوزيف براودي و صموئيل تادرس- معهد واشنطن-

"في 18 كانون الثاني/يناير، خاطب جوزيف براودي وصموئيل تادرس منتدى سياسي في معهد واشنطن. وبراودي هو مستشار لـ "مركز المسبار للدراسات والبحوث" وزميل أقدم في "معهد أبحاث السياسة الخارجية". وتادرس هو زميل أقدم في "مركز الحرية الدينية" التابع لـ "معهد هدسون" وزميل زائر متميز في دراسات الشرق الأوسط في "مؤسسة هوفر". وفيما يلي موجز المقررة لملاحظاتهما؛ الفيديو الكامل للمنتدى السياسي متاح أعلاه".

جوزيف براودي

يدأب بعض السعوديين من خارج الحكومة وتحديداً من الشخصيات الإعلامية منذ فترة على محاولة التصدي للإيديولوجيات المتطرفة، بعد أن كانوا قد أعربوا في السنوات الأخيرة عن تفاؤلهم بالسياسات الجديدة التي تبنّتها حكومة الرياض وأبدوا اهتماماً كبيراً بإقامة شراكات دولية للارتقاء بفعالية تلك السياسات. وليس هؤلاء بالمنشقين، بل هم أصحاب أصوات تصدح من مختلف المؤسسات والمجالات لتوسّع حدود الفسحة الصغيرة التي مُنحت لهم.

فعلى سبيل المثال، أنتج بعض هؤلاء الأفراد برنامجاً كوميدياً تحت عنوان "طاش ما طاش" استعرض في إحدى حلقاته نساءً يتصلن بالشرطة للتبليغ عن لصٍّ دخل منزلهن، ولكن حين يدرك رجال الشرطة أن والِدَهنّ غير موجود، يعتذرون عن دخول المنزل بسبب غياب الرجل. حتى أن هذا المشهد الساخر عُرض على قناة حكومية رسمية، مع الإشارة إلى أنه لم يكن من السهل طرح الأفكار الجديدة - إذ كانت وزارة الإعلام ترفض أربعة من كل عشرة نصوص تُعرض عليها من قبل منتجي البرنامج. ولكن مع مرور الوقت أصبحت الأمور - التي كانت ذات مرة مثيرة للجدل - أكثر دنيوية، وهكذا تمكّنت البرامج المماثلة من إحراز بعض التقدم.

وكذلك طُرحت أفكار جديدة عبر تحويل التطورات المستجدة إلى فرصٍ تعليمية. ففي عام 2014، سُئل داعية متشدد سابق أصبح أكثر تحرراً هو منصور النقيدان عن رأيه بالجهود التي تبذلها الحكومة لمنع المعلمين من تجنيد الأفراد للانضمام إلى جماعة «الإخوان المسلمين». وأجاب بأن هذه السياسة يجب أن تكون مصحوبة ببذل المزيد من الجهود لتعزيز التسامح داخل المملكة، وانتقد بوجه خاص تغلغل الأفكار السلفية الجهادية إلى المدارس السعودية وحثّ المعلّمين على تشجيع مبدأ الشمولية تجاه الطائفة الشيعية.

وعلى الرغم من أن الشخصيات السعودية المسؤولة عن هذه المبادرات ليست هي التي تصنع السياسات، إلا أنها قادرة على التأثير على المناخ المعلوماتي الذي يتم فيه وضع السياسات. ويجيد السعوديون الليبراليون بشكل خاص التوجه إلى الرغبات الفردية لأبناء مجتمعهم، لأن العديد من من السعوديين العصريين شديدو الاهتمام بتوسيع نطاق حرياتهم الشخصية.

وفي ظل هذه الخلفية، اتخذ قادة المملكة الجدد عدداً من القرارات التي قد تكون حاسمة لمواجهة التطرف والتشجيع على التسامح. أولاً، ما فتئت الحكومة تتبع إصلاحاً اقتصادياً كبيراً وتتبنى أجندة اجتماعية أكثر تحرراً. ثانياً، أقر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأن عام 1979 شكّل بداية فترة طويلة من الدعم الحكومي الواسع والإشكالي للإيديولوجيات المتطرفة. وثالثاً، أظهر الأمير استعداده لاتخاذ تدابير أمنية لا تقتصر على قمع الجماعات الهامشية العنيفة فحسب، بل على المتعاطفين معها داخل المؤسسة الدينية أيضاً.

لكن التحدي لا يكمن في تغيير السياسات الحكومية فحسب، بل أيضاً في تغيير الرأي العام ككل. ففي إحدى الفيديوهات التي عُرضت سابقاً على قناة "وصال" الممولة من أطراف كويتية ولكنها مكوّنة في الغالب من موظفين سعوديين، يتهجّم المعلّق على الإسلام الشيعي وعلى التوسع الإيراني في المنطقة قائلاً: "يا عرب، إيران تريد تحويل منازلكم إلى جهنّم". وصحيح أن الحكومة السعودية أوقفت تلك الشبكة في عام 2014، وأن البحرين والكويت حذتا حذوها بعد فترة وجيزة، إلا أن أحد الأعضاء الإصلاحيين في "مجلس الشورى" السعودي نشر على موقع "تويتر" بعد عامين على ذلك استطلاعاً للرأي أظهر أن 82 في المائة من المشاركين في الاستطلاع عارضوا إغلاق المحطة.

وفي ما يخص الدعم الخارجي، يتضمن كل بند من بنود جدول الأعمال الذي يتبعه الليبراليون السعوديون دوراً مخصصاً للأطراف الدولية. ويندرج في البند الأول تعليم ديني أكثر تطوراً، مما يستلزم جعل الكتب المدرسية أكثر تسامحاً وشمولية، وتدريب المعلّمين من وجهة نظر أكثر انفتاحاً، وإفساح المجال للتفسيرات المتعددة للإسلام بهدف التشجيع على الاعتدال. وينص البند الثاني على إرساء نزعة قومية سعودية جامعة لا تستند إلى ادعاءات التفوق الأيديولوجي، بل إلى نجاح مشروع وطني ينخرط فيه المواطنون كافة، ومن ضمنهم المجتمعات المحلية التي جرى تهميشها على مرّ السنين. أما البند الثالث فهو توطيد هوية خليجية موحدة تنطلق من الاندماج بين الثقافتين السعودية والإماراتية لتمتد إلى دول «مجلس التعاون الخليجي» الأخرى. وفي الوقت الذي تتحسن فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، وبينما ترحب شريحة كبرى من السعوديين بالشراكة الدولية، لدى واشنطن فرصاً جمّة للتعامل مباشرةً مع الإصلاحيين في مواجهة الإيديولوجيات السامّة.

صموئيل تادرس

منذ عقود عديدة أخذ فهم الولايات المتحدة للشرق الأوسط يتراجع حتى عندما أصبح جيشها أكثر انخراطاً في تلك البقعة. وتعزى هذه الثغرة المعرفية جزئياً إلى هجوم أكاديمي غالباً ما اتُّهمت فيه الدراسات الجدية للمنطقة بالترويج لمخططات استعمارية. واليوم تهيمن العلوم السياسية على الأحاديث عن الشرق الأوسط، بينما لا يعرف الغربيون إلا القليل عن سكان المنطقة الفعليين - أي ثقافاتهم أو حياتهم أو مخاوفهم. ويشمل ذلك أبرز الباحثين في هذا المجال، والكثير منهم لا يعرفون ما يقرأه الناس وما يشاهدونه وما يستمعون إليه.

على سبيل المثال، في الوقت الذي يتزايد فيه استعداد شباب الشرق الأوسط إلى التشكيك في المحرّمات الاجتماعية، إلّا أنه تم نشر أكثر من اثنتي عشرة رواية تتحدث عن اليهود الذين عاشوا في العالم العربي. وهناك أيضاً شعور بالحنين الثقافي إلى مدينة الإسكندرية بطابعها العالمي، كما رأينا في العديد من الكتب والأفلام والبرامج التلفزيونية والأغاني. وفي الوقت نفسه، أصبح مصطلح "العالم العربي" يفقد فائدته شيئاً فشيئاً - فهذه المنطقة تضم العديد من المجتمعات المختلفة مع هويات مختلفة، والأمور الرائجة في ثقافة ما قد لا تكون شعبية في ثقافة أخرى.

ولا شك في أن بعض الدول لعبت دوراً محورياً في نشر الأفكار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط على مر السنين، وخاصة مصر أيام جمال عبد الناصر والمملكة العربية السعودية برجال دينها السُّنة. وقد يكون ذلك هو السبب الذي يدفع واشنطن للاعتقاد بوجود عتلة تسحبها الرياض لوقف انتشار التطرف في المنطقة. والحقيقة هي أن احتواء الأفكار السامة أصعب بكثير من ذلك.

وتضطلع حكومات الشرق الأوسط بدور جوهري في أي جهد لمعالجة هذه المشكلة. ونظراً إلى النفوذ الإقليمي الراسخ الذي تتمتع به كل من السعودية ومصر، لا بد لهاتين الدولتين أن تأخذا زمام المبادرة في هذا المسعى. إذ لطالما كانت اللهجة العربية المصرية هي الأكثر شيوعاً في وسائل الإعلام العربية، ويبدو أن القيادة السعودية الجديدة متشوقة إلى الاضطلاع بدور أكثر حزماً. كما يمكن لدولة الإمارات أن تقدم دعماً قوياً للخطابات المناهضة للتطرف على أرضها وفي الخارج.

في كانون الثاني/يناير 2015، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علناً إلى ثورة دينية ولقيت كلمته ترحيباً من واشنطن. ولكن بعد ثلاث سنوات، لم تحدث مثل هذه الثورة، مع أن ذلك ليس بالمستغرب إذا أخذنا بعين الاعتبار افتقار السيسي إلى خطة بهذا الصدد وإلى الوسائل الكفيلة بتنفيذها وإلى القاعدة اللازمة لدعمها. ولحسن الحظ، لا تزال هناك فرصة لإحداث بعض التغييرات في مصر. ويحتفظ الإسلاميون بالعديد من المزايا، من بينها نظرة شاملة وطريقة حياة لا تستطيع الأيديولوجيات المتنافسة تأمينها. إلا أن الكثير من أبناء الشرق الأوسط عاشوا تحت حكم «الإخوان المسلمين» وتنظيم «الدولة الإسلامية» خلال السنوات الماضية ولم يستمتعوا بتلك التجربة. وهذا ما دفع الناس إلى إعادة النظر في مفاهيمهم حول دور الدين في المجتمع.

وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً أيضاً. فعلى الرغم من محاولات حكومة السيسي السيطرة على وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية، إلا أن لوسائل الإعلام البديلة مثل موقع يوتيوب تأثيرها أيضاً. وقد انتشر العديد من الفيديوهات الساخرة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» التي تُتخذ كأداة قوية ضد السرد الإسلامي للتنظيم. ولذلك فإن الاستخدام الأوسع لوسائل الإعلام البديلة يمكن أن يوفر وسيلة جادة لمواجهة الأفكار السامّة.