اقتصاد » اتصالات

الاقتصاد السعودي والكساد الكبير

في 2018/07/04

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

الحقيقة الناصعة، التي يعلمها كل مواطن، هو أن الاقتصاد في المملكة قائم بالنفط، وأي تغيّر في أسعاره صعودًا هبوطًا، يؤثر بشكل مباشر في حياته اليومية –الوطن والمواطن- وفي الثمانينات تحديدًا، حين زادت المملكة من ضخ النفط للأسواق العالمية، بهدف محاصرة إيران، فانعكست النتيجة فورًا في تراجع أسعار الخام، ودخول الاقتصاد السعودي في موجة كساد طويلة.

ومع جهود الملك سلمان ووعوده بزيادة ضخ النفط إلى الأسواق العالمية، وكون الوعد المقطوع للرئيس الأميركي دونالد ترمب علنيًا، ورغم خروج المتحدثة باسم البيت الأبيض ببيان توضيحي لفحوى التصريحات، إلا إنها خففت من حدة الكلمات، لكنها لم تنف بشكل قاطع وجود اتفاق لزيادة ضخ النفط السعودي في أسواق العالم، بحجة نقص المعروض.

زيادة ضخ النفط سيليه مباشرة تراجع أسعاره، وهو أمر يهدد مستقبل أسعار النفط، وبالتالي موازنة المملكة، التي تعتمد في ثلثي إيراداتها على النفط الخام، كما يمثل نسبة أخرى من الصادرات المُصنعة أيضًا، تبوبها الحكومة في "الإيرادات غير البترولية"، للتدليل على نجاعة إجراءات ولي العهد في تطبيق موازنة 2030.

والمتتبع لمسيرة الاقتصاد السعودي، خلال النصف قرن المنصرم، يرى بوضوح، أن تأثير تراجع الإيرادات النفطية يمثل ضربة قاتلة للاقتصاد المحلي، خاصة في ظل الأرقام السيئة التي حققتها الإصلاحات الاقتصادية لولي العهد خلال عام 2017، وأظهرت الأرقام الرسمية أن الاقتصاد السعودي يواجه حالة من الكساد، بعد تراجع أسعار النفط، وتقليل إنتاج المملكة، وفقًا لاتفاقها السابق مع "أوبك".

وبدأ العام الحالي 2018 بحالة من التفاؤل، إثر ارتفاع مستويات أسعار النفط، خاصة خلال الربع الماضي، وتوقعات استمرارها مرتفعة لـ12 شهرًا مقبلة، على الأقل، رغم وجود التحديات ذاتها، التي تعصف بالإيرادات العامة، وهي: عجز الموازنة البالغ أكثر من 52 مليار دولار، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري في الموازنة، إضافة إلى أن زيادة الرسوم على الشركات والعمالة الوافدة قد تترك أثرا على القطاع الخاص.

وخصصت المملكة ثلث الإنفاق العام على فاتورة الأمن والقوات المسلحة، تلبية لفاتورة حرب اليمن، التي تستقطع المزيد من المصروفات غير المعلنة غالبًا، بعد استحواذه على 83 مليار دولار، من إجمالي الموازنة المقدرة بنحو 261 مليار دولار.

البيانات الرسمية الصادرة تؤكد أن الركود الذي تعانيه الموازنة في 2017، مستمر للعام الثاني، بدفع من إجراءات التقشف، وتهديد المستثمرين، وإحجام الاستثمارات الأجنبية عن القدوم للمملكة، بعد القبض على عدد من الأمراء ورجال الأعمال، في فندق الريتز كارلتون، وهي أزمة سياسية طفحت على الوضع الاقتصادي، فزادته قتامة.

ولجأت الحكومة، منذ بداية تدخلها العسكري في اليمن، والإنفاق العسكري غير المسبوق هناك، على إطلاق العنان للاقتراض الداخلي والخارجي، لمواجهة عجز الموازنة المستمر والمتنامي، رغم سياسة التقشف، التي عجزت وحدها عن مواجهة "فاتورة اليمن".

ولجأت المملكة إلى تخفيض الدعم ورواتب الموظفين لمواجهة العجز الكبير في الموازنة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، كما تسبب فرض رسوم عالية على المقيمين والمرافقين إلى مغادرة عشرات الآلاف من العمالة الأجنبية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.

وابتلعت الموازنة مليارات الدولارات من الاحتياطي النقدي الذي تراجع من 732 مليار دولار في 2014 إلى 478 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2017، وبلغت قيمة العجز في الميزانية العامة لسنة 2017 نحو 61.3 مليار دولار، متجاوزة المستوى المتوقع في بداية السنة المالية بأكثر من ثمانية مليارات دولار، بحسب أرقام رسمية.

وتشير إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، فبعد أن كانت 11.5% في نهاية 2015 ارتفعت لتصل إلى 12.8% ليصل عدد الشباب الباحثين عن عمل إلى مليون شخص، نصفهم من خريجي الجامعات.