دعوة » دراسات

الشيوخ المستنيرون.. كيف تغير المؤسسة الدينية السعودية جلدها؟

في 2018/07/06

معهد دول الخليج العربي-

على مدى عقود، نجحت المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية في الحفاظ على خطاب ديني متجانس. وعبر المثقفون والأكاديميون السعوديون مرارا وتكرارا عن قلقهم من صرامة ذلك الخطاب، غير أن معظم العلماء المنتمين إلى الحكومة، وحتى غير المنتمين لها، امتنعوا دائما عن الخوض في هذا النقاش. ولم يكن هناك الكثير من رجال الدين الذين حاولوا تغيير ذلك، مع النعم التي أغدقتها عليهم المؤسسة والجمهور المحافظ في المملكة. ومع ذلك، لم تتجاوز موجة الإصلاحات الأخيرة في المملكة العربية المؤسسة الدينية حيث أتاحت فرصة للعلماء الرسميين لدعم خطط الإصلاح في البلاد، وشجعت على ظهور اتجاه جديد برز فيه «الشيخ المستنير»، الذي يتحدى الفهم التقليدي للدين.

وبدأ اتجاه «الشيوخ المستنيرين» عام 2009، عندما صرح «أحمد الغامدي»، الرئيس السابق للجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة، بأن الفصل بين الجنسين ليس له أساس في الإسلام. وناقش البيان الذي صدر عن «الغامدي» مباديء أكثر إثارة للجدل، لأنه شكك في ممارسات جامدة تبررها المؤسسة، مثل غطاء الوجه، وحظر قيادة المرأة، وقد قوبلت آراؤه بانتقادات واسعة النطاق بين العلماء والمحافظين، مما أدى في النهاية إلى إقالته من منصبه.

وقد بدأ الإمام السابق للمسجد الحرام في مكة، «عادل الكلباني»، بطرح آراء دينية مغايرة، في نفس الوقت الذي فعل فيه «الغامدي» نفس الشيء. وقال «الكلباني» إن الموسيقى لا ينبغي أن يتم تحريمها، مما أثار كبار العلماء الذين ضغطوا عليه لتغيير موقفه. و«عادل الكلباني» هو عضو نشط في منصة «تويتر»، ولديه 7 ملايين متابع، وهو عدد كبير بما يكفي للتأثير. وفي أبريل/نيسان، ظهر «الكلباني» في أول بطولة «بلوت» في المملكة، وهي لعبة ورق شعبية، على الرغم من الفتاوى التي تحظرها، وتم تصويره يلعب بالبطاقات، في صورة انتشرت «فيروسيا»، وتعرض بسببها للنقد على مدار أيام.

وقد أعرب الداعية الذي عمل على مدى عقود في وزارة الشؤون الإسلامية، «سليمان الطريفي»، عن معارضته لعلماء الدين الذين يبررون وينفذون تفسيرات جامدة من الإسلام، مثل المطالبة بالنقاب للنساء. ويقول «الطريفي» إن الإسلام يدعم حقوق الإنسان، لكن المسلمين فشلوا في تطبيق ذلك، ويلقي باللوم في ذلك على عدم اهتمام الناس بجوهر الإسلام، مما يوحي بأن المسلمين لا يقتربون من الدين إلا من منظور ضيق يركز على أداء الواجبات. ولقد قال مؤخرا إن الفهم المعتدل للإسلام لا يمكن أن يسود بدون تغيير المناهج الدراسية.

بالإضافة إلى ذلك، دعا «عبدالعزيز الموسى»، العضو السابق في المديرية العامة للإرشاد والمشورة في مكة، إلى مشاركة أكبر للمرأة، وأبدى عدم اتفاقه مع الفصل بين الجنسين. ولقد كان يدعم دعوات النساء لإلغاء نظام «الولاية»، وشارك في نشر وسم حول الأمر، كما يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتحدي وجهات النظر حول الأمور المثيرة للجدل، كما فعل مؤخرا عندما نشر صورة له مع أخته التي لم تكن ترتدي الحجاب.

وغالبا ما يجادل معارضو ونقاد هؤلاء المشايخ بأنهم غير مناسبين لشغل مناصب دينية. وقد تم إطلاق لقب «ليبرالي ذو لحية» علي «الغامدي»، بينما تعرض «الكلباني» للعنصرية. كما يطلق على «الموسى» لقب «شيخ روتانا» نسبة إلى شبكة من القنوات الترفيهية، واضطر «الطريفي» إلى تعطيل حسابه على «تويتر» لبعض الوقت بسبب الضغط والانتقاد من قبل علماء الدين والمحافظين.

التغيير يطال المؤسسات

ومع ذلك، فقد أثر التغيير أيضا على مختلف الهيئات الدينية والمؤسسات والعلماء في البلاد. وشملت الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة الحد من سلطات الشرطة الدينية، التي تقوم في كثير من الأحيان بدوريات في الشوارع تضايق النساء وأصحاب المتاجر والعمال. كما ألقت الحكومة القبض على عشرات الأشخاص في عام 2017، بما في ذلك عدد من العلماء الذين يعتقد أنهم من منتقدي خطط الإصلاح، الأمر الذي أوجد بعض الضغوط على الآخرين للتأقلم.

وفي عام 2016، عين بمرسوم ملكي «سليمان أبا الخيل» و«محمد العيسى» في مجلس كبار العلماء. ولا تتفق وجهات نظر الشيخين مع بقية أعضاء المجلس المحافظين، وكان «العيسى» الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي قد اشتهر بصراحته في قضايا تتعلق بالتسامح الديني داخل وخارج المملكة، وفي أواخر عام 2017، زار الفاتيكان في روما، والكنيس الكبير في باريس. وانضم «العيسى» أيضا إلى ولي العهد «محمد بن سلمان» لعقد اجتماع مع الزعماء الدينيين اليهود في نيويورك كجزء من جولته الأمريكية في مارس/آذار. وفي مايو/أيار، تمت دعوة «العيسى» إلى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (مرتبط باللوبي اليهودي) للتحدث عن الإسلام المتسامح المعتدل، مع مدير المعهد «روبرت ساتلوف».

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، توقف المعرض الأثري «طرق الجزيرة العربية»، والذي كان يقوم بجولة دولية منذ أعوام، في الرياض، وعرض المعرض قطعا أثرية سعودية، بما في ذلك تماثيل الآلهة القديمة المزعومة (الأصنام). ولعقود من الزمان، وقف العلماء ضد عرض التماثيل حيث رأوا أنها مرتبطة بالشرك، وضد التعاليم الإسلامية، وهو ما يفسر غيابها عن شوارع وميادين المدن السعودية. ولذلك، فوجئ العديد من السعوديين برؤية أعضاء من كبار العلماء يجوبون ممرات المتحف الوطني ويعبرون عن الإعجاب بالتماثيل والقطع الأثرية. وكان من بينهم «سعد الشثري»، وهو باحث انتقد أول جامعة مختلطة في المملكة عام 2009، لكنه يبدو الآن أنه يتماشى مع مساعي الحكومة للإصلاح.

ومنذ بدأت حملة الإصلاح، انجرف كبار العلماء نحو دعم الإصلاحات أو بقوا هادئين، وفي فبراير/شباط، صرح «عبدالله المطلق»، عضو مجلس كبار العلماء، أن ارتداء النساء للعباءات ليس فرضا. وقال إن معظم النساء المسلمات في جميع أنحاء العالم لا يرتدينها. وكونها أرض أكثر موقعين مقدسين للإسلام، برر الباحثون تاريخيا مثل هذه الممارسات الصارمة، عن طريق الإيحاء بأنها تميز المملكة عن غيرها من الدول الإسلامية. ولم يؤكد إعلان «المطلق» فقط أن بعض الممارسات ليس لها أساس حقيقي في الإسلام، لكنه أقر أيضا بأن الإسلام الذي يمارس في أجزاء أخرى من العالم ليس أدنى من الإسلام الذي يمارس في السعودية. والإقرار بالتنوع الديني أمر ضروري لتعزيز التعايش، لا سيما بين المجموعات التي تم نبذها أو النظر إليها بشيء من الشك.

ولا يبدي هؤلاء العلماء بالضرورة الآراء المستنيرة في جميع الحالات، على العكس، قد لا يزال البعض منهم يؤمن بالممارسات أو التفسيرات الدينية التقليدية. وبغض النظر عن مدى جدية جهودهم، أو اقتناعهم، فإن مواقفهم العامة لا تزال تشكل تحولا مهما، بقدر ما يشجعون التعددية في التفسير والخطاب الديني المفتوح، وهو أمر كان مستحيلا قبل بضعة أعوام.

والأهم من ذلك، فإن الآراء المتضاربة والمختلفة التي قدمها هؤلاء العلماء تساعد في هدم هالة «القداسة» التي تمتع بها بعضهم لأعوام. وأصبحت أهمية التفسير العلمي تقريبا بنفس أهمية النصوص الدينية نفسها، إن لم يكن أهم. ويلجأ العديد من السعوديين إلى الباحثين للبحث عن آرائهم حول الممارسات الدينية، حتى لو تم ذكرها بوضوح في النصوص المقدسة، وذلك بسبب القيمة التي يجدونها في مبرراتهم، ولقد جعلت قداسة علماء الدين المفترضة هذه الأمور في منطقة لا يمكن فيها استجوابهم أو انتقادهم. ومع إنهاء هذه الحصانة، يسمح ذلك للناس باستعادة الثقة في تفكيرهم، والامتناع عن الاعتماد الكامل على التبريرات العلمية، وإعادة العلماء إلى وضعهم البشري الطبيعي.