ثقافة » نشاطات

فتاة المسرح وتضخيم الواقعة

في 2018/07/17

علي الشريمي- الوطن السعودية-

واقعة الفتاة التي صعدت على المسرح الذي كان يغني فيه الفنان ماجد المهندس بسوق عكاظ، وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، أدخلت المجتمع في جدل بيزنطي جديد موضوعه فتاة عشرينية تعانق الفنان ماجد المهندس.
يجب علينا بادئ ذي بدء تشخيص المشكلة، وحتى نقوم بالتشخيص يجب أن نعرف أنواع المشكلة الاجتماعية، المشكلة نوعان: مشكلة أصيلة ومشكلة دخيلة، المشكلة الأصيلة هي المشكلة النابعة من ثقافة المجتمع ليست بدخيلة عليه، بعكس المشكلة الدخيلة التي لا تعد جزءا من ثقافة المجتمع، بل هي غريبة وطارئة عليه.
المشكلة الأصيلة غالبا لا تتم معالجتها اجتماعيا بالقوة التي تستحقها كونها نابعة من ذات الثقافة، فنرى أن المجتمع لا يتفاعل معها كثيرا، بل يتقبلها وفي كثير من الأحيان يبررها ويشرعن لوجودها، وحتى مواجهتها يشترط فيها حلول طويلة المدى من قبيل مشاركة المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، بدراسات وبحوث تهدف للحد من تفاقم المشكلة.
أما المشكلة الدخيلة فتجد أنه يتم التفاعل معها بقوة كبيرة جدا كونها غريبة وطارئة على المجتمع، فلا مجال هنا للتراخي والقبول بها بأي حال من الأحوال، ويتم تضخيم المشكلة ككرة الثلج، وهنا الحلول تأتي قصيرة المدى، فتتم محاصرتها والحد منها سريعا تلافيا لتكرارها.
وعليه يكون السؤال: هل واقعة الفتاة التي صعدت على المسرح هي من فصيلة المشاكل الأصيلة، أم من فصيلة المشاكل الدخيلة؟ من الواضح أنها من فئة المشاكل الدخيلة كونها واقعة تعد جديدة وغريبة على ثقافة المجتمع السعودي، وبالتالي يسهل محاصرتها والتصدي لها، ويمكن تسليط الضوء على جوانب الواقعة من قبيل كيف صعدت الفتاة المراهقة على المسرح؟ ولماذا؟ ما طرق تفادي المشكلة حتى لا تحصل مرة أخرى؟ وخير شاهد على ما نقول بأنها من المشاكل الدخيلة أنه تم تضخيم الحادثة، وقد رأينا التفاعل القوي في وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تحولت الحادثة إلى مقاطع فكاهية، ونجد أن المتحدث الإعلامي للشرطة، صرح بسرعة البرق في إحدى الصحف المحلية بأن الفتاة ارتكبت أفعالا مجرّمة وفق نظام مكافحة التحرش... ونجد أن القضية كذلك هزت ضمير المحامين والمستشارين القانونيين حتى سارع بعضهم للحكم على القضية وبت فيها من دون النظر في تفاصيلها بأنها تحرش عقوبته تصل إلى السجن عامين والغرامة المالية بحد أقصى 100 ألف ریال وفقا لمواد نظام التحرش.
سؤالي هنا: ماذا لو كانت ذات الفتاة تعرضت للعنف الأسري من قبل زوجها أو أبيها أو أحد أفراد أسرتها، هل ستكون المشكلة لدينا أصيلة أم دخيلة؟ بالطبع ستكون مشكلة أصيلة، ولن تضخم المشكلة كونها جزءا من ثقافتنا، بل سيكون السكوت والصمت هو العلامة البارزة في المشهد، ولن يهتز الضمير هنا كما اهتز في واقعة فتاة المسرح، بل سيخرج علينا من يبرهن على أن الضحية هي المدانة!