اقتصاد » ضرائب

تأجيل ضريبة القيمة المضافة في قطر.. ذكاء يعكس اقتصاداً قوياً

في 2018/12/17

حنين ياسين - الخليج أونلاين-

لن تبدأ قطر تطبيق ضريبة القيمة المضافة في 2019، وستواصل تقييم الآثار المترتبة عليها، في إجراء جديد يعكس نظرة بعيدة المدى لدى صناع القرار بالدوحة، وقوة الاقتصاد القطري وعدم حاجته حالياً إلى هذا المصدر المهم من الدخل، الذي سارعت دول مجاورة، مثل السعودية، للجوء إليه منذ بداية العام الجاري، لإنقاذ اقتصاداتها.

وقرّر أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الخميس الماضي (13 ديسمبر)، اعتماد الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019، وسط توقعات بوجود فائض بقيمة 1.2 مليار دولار، وارتفاع الإنفاق 1.7% عن خطة موازنة العام الحالي، وفق وزارة المالية القطرية.

وقالت وزارة المالية: إن "خطة الموازنة الجديدة لن تفرض قطر فيها ضريبة قيمة مضافة في 2019، مع استمرار تقييم الآثار المترتّبة على الضريبة".

وتركز هذه الموازنة على توفير المخصصات لتطوير أراضي المواطنين، ودعم مشاريع الأمن الغذائي، وتطوير البنية التحتية في المناطق الحرة والاقتصادية والصناعية واللوجيستية.

اقتصاد قوي

ويرى مراقبون اقتصاديون أن تأجيل قطر تطبيق ضريبة القيمة المضافة رغم ارتفاع نفقات موازنتها للعام المقبل، يأتي بسبب النمو المرتفع الذي حققه الاقتصاد القطري خلال العام الجاري، وارتفاع عائدات الاقتصاد غير النفطي.

هذا إضافة إلى زيادة أسعار النفط والغاز عالمياً، ومحاولة الدوحة تجنب سلبيات الضريبة على الاقتصاد والمواطنين والاستثمارات المحلية والأجنبية، من خلال مواصلة تقييم الآثار المترتبة عليها.

وأعلن محافظ مصرف قطر المركزي، الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، في 10 ديسمبر الجاري، خلال مؤتمر مالي بالدوحة، أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي القطري نما بنسبة 2.5% في النصف الأول من 2018.

وهذا النمو زاد على توقعات صندوق النقد الدولي، الذي قال بتقرير نشره في نوفمبر الماضي، إن اقتصاد قطر سينمو بنسبة 2.4% في 2018.

كما أكد آل ثاني أن اقتصاد قطر تجاوز الحصار الذي تفرضه على البلاد السعودية والإمارات والبحرين منذ نحو عام ونصف عام، وأصبح أقوى من السابق.

الضريبة غير مُلحّة

وقال المستشار الاقتصادي محمود الفقي، لـ"الخليج أونلاين": إن "الدول تلجأ إلى فرض الضرائب، لزيادة إيراداتها العامة باعتبارها هدفاً أول، ثم لترشيد استهلاك سلعة معيَّنة كالسلع التي تحتوي على سكريات عالية بسبب إضرارها بالصحة، أو لدعم سلع تنتَج محلياً من خلال فرض ضريبة على السلع المستوردة المماثلة لها".

وأضاف الفقي: "رأينا كيف سارعت السعودية والإمارات إلى رفع أسعار الوقود وفرض ضريبة القيمة المضافة في بداية العام الحالي، وذلك بسبب ما تمر به الدولتان -خاصة السعودية- من عثرات اقتصادية بسبب زيادة النفقات العامة، وتراجع الإيرادات بسبب انخفاض أسعار الوقود، الذي يعد المصدر الرئيس لعائدات الدولتين".

ورأى أن دولة مثل قطر لن تكون بحاجة لفرض ضريبة القيمة المضافة في الوقت الحالي على الأقل؛ فاقتصادها حقق نمواً فوق المتوقع في العام الحالي، مدعوماً بارتفاع أسعار الطاقة، وإيراداتها غير النفطية ارتفعت أيضاً.

وكان تقرير لغرفة تجارة قطر قد كشف، في 30 مايو الماضي، أن الصادرات "غير النفطية" للدولة نمت بنسبة 71% على أساس سنوي.

وبحسب المحلل الاقتصادي، فإن موازنة قطر 2019 توقعت تحقيق فائض بالإيرادات، فلماذا ترهق اقتصادها بضريبة جديدة سترفع أسعار السلع وستزيد نسبة التضخم وستثقل كاهل المواطنين والمقيمين، الأمر الذي سينعكس حتماً على حركة الأسواق، حيث ستنخفض القدرة الشرائية؛ ما سيتسبب في حالة إرباك للاقتصاد المحلي.

وفيما يتعلق بالضرائب الجديدة على السلع المضرّة بالصحة والتي ستفرضها قطر بداية العام المقبل، ذكر الفقي أن الهدف من هذه الضرائب ليس جمع المال بقدر ما هو ترشيد استهلاك هذه السلع مثل التبغ والمشروبات الغازية، لتأثيرها الضار على الصحة، ومثل هذه الضرائب موجودة في معظم دول العالم الغنية.

ووفق وكالة الأنباء القطرية الرسمية، فإنه منذ بداية عام 2019، سيتم فرض ضرائب بنسبة 100% على منتجات التبغ ومشروبات الطاقة، في حين سيتم فرض ضريبة بنسبة 50% على المشروبات الغازية المُحلاة.

دراسة معمقة

في السياق نفسه، قال الأكاديمي والمحلل الاقتصادي عبد الله بن عيسى: إن "قطر لم تعتمد فرض ضريبة القيمة المضافة، لأنها -كما أعلنت- تودُّ مزيداً من الوقت لبحث الآثار المترتبة عليها، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم وقوع أي أزمة ربما تترتب على فرض الضريبة، فهي لا تريد زيادة إيراداتها العامة من دون دراسة معمقة".

وأضاف بن عيسى لـ"الخليج أونلاين": "الاقتصاد القطري ليس بحاجة إلى فرض هذه الضريبة حالياً؛ فهو يحقق نمواً متسارعاً رغم الإجراءات التي تفرضها السعودية والإمارات والبحرين ومصر على البلاد، لذلك الدوحة ليست بحاجة لفرض هذه الضريبة حالياً".

وأشار إلى أن قطر أعلنت قبل أيام، أن الاحتياطات الدولية والسيولة بالعملة الأجنبية وصلتا لـ46.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي، وذلك بعد أن انخفضت 20% في الأشهر القليلة الأولى بعد الحصار.

ولفت بن عيسى إلى أن الدوحة تنوي أيضاً زيادة إنتاجها من الطاقة، وأهم مؤشرات ذلك إعلانها الانسحاب من منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) بداية العام المقبل، وهذا سيعزز إيراداتها من دون الحاجة لفرض ضرائب.

وكانت قطر قد قررت رفع إنتاجها من الغاز المسال من 77 مليون طن سنوياً إلى نحو 100 مليون طن سنوياً بحلول عام 2023، ما سيعزز السوق العالمية للغاز، حيث يُتوقع أن يزداد الطلب عليه سنوياً بنحو 1.6% إلى غاية 2040.

وأشار تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، منتصف العام الجاري، إلى سعي دول العالم للحصول على الغاز القطري وتوسعة الإنتاج فيه.

وذكرت الوكالة أن الصفقات والاتفاقيات التجارية مع الكثير من بلدان العالم أثبتت متانة الاقتصاد القطري.

وتوقّع البنك الدولي، في تقرير حديث له، أن تحقق عائدات الطاقة بقطر ارتفاعاً، إلى جانب ازدياد الإنفاق على مشاريع البنية التحتية.