خاص الموقع

"بنت بندر" في واشنطن

في 2019/02/25

فؤاد السحيباني- راصد الخليج-

يجتمع مجلس الأمن، وتجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتتخذان أحيانًا قرارات مدوية، وبأغلبية ساحقة، ولا يحدث شيء، لكن اجتماع واحد في البيت الأبيض، أو سواه، يكون طرفه الرئيس الأميركي، كفيل بتغيير قواعد اللعبة، أو شن حروب والانخراط في مغامرات كبرى، فالقرار منذ أن انهار الاتحاد السوفيتي السابق يبقى رهنًا لساكن البيت الأبيض، خاصة مع الدول التي ربطت نفسها وجوديًا بالولايات المتحدة الأميركية.

تدرك عائلة آل سعود، من الملك إلى أصغر فرد فيها، ما للولايات المتحدة من تأثير على العالم، وعلى المملكة، وطوال سني عمر المملكة كان منصب سفير المملكة بواشنطن حكرًا على خليط من الكفاءة القرائبية، حتى كسر الملك سلمان القاعدة ليعين ابنه خالد سفيرًا بواشنطن، في 2017، خلال فترة عاصفة، لم تكن تتحمل التجارب، ليجني فورًا عدائية شديدة من جانب الإعلام الأميركي - والغربي من ورائه - الذي سلط سهامه إلى المملكة طوال العاميين الماضيين.

استعان الملك بالأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، كسفيرة جديدة في واشنطن، في خطوة ربما تهدف أولًا لامتصاص هجوم الإعلام الأميركي، كإثبات أن السعودية في عصر جديد قد اختارت فتاة لتمثلها لدى القوة العالمية الأعظم، وفي الوقت ذاته تعتبر محسوبة على الجناح السديري في الأسرة المالكة، في مؤشر لتعويض أفراد أقوى أجنحة العائلة عن إبعاد الأمير محمد بن نايف، الذي ينتمي أيضا للجناح ذاته.

الجناح السديري الأقوى في الأسرة المالكة، هم 7 أبناء للملك عبد العزيز من زوجته حصة بنت أحمد آل سديري، وهم: (فهد – سلطان – عبد الرحمن – تركي – نايف – سلمان – أحمد) وهؤلاء تضرروا مباشرة من انفراد سلمان بتوريث الحكم إلى نجله، وتبعًا للتقاليد ومراكز القوى داخل العائلة، فلا بد من ترتيب يضمن انتقال هادئ للسلطة، بعد رحيل الملك، وهو أهم سبب وراء توزيع المناصب الجاري حاليًا.

وعلى الرغم من الأسباب العائلية للتعيين، فـ"ريما" بالتأكيد كانت أفضل خيار لسفارة واشنطن، كون أباها الأمير بندر صاحب علاقات مؤثرة ونافذة في الولايات المتحدة طوال فترة عمله هناك، سواء كسفير أو حين شغل الاستخبارات السعودية، وهو صاحب أهم الأدوار السياسية السعودية على الإطلاق، ودوره في تشكيل التحالف الدولي عشية غزو العراق للكويت يعتبر قمة نجاحه الشخصي والدبلوماسي، ولم يتمتع سفير سعودي –أو غيره- بنفس درجة علاقاته مع الرؤساء الأميركيين، خصوصًا عائلة بوش.

لكن هناك دومًا أسبابًا غير معلنة لخطوة التعيين الأخيرة، فالقارئ الحصيف لفترة عمل بندر في الولايات المتحدة، يدرك فورًا أن واحدا من أهداف انتداب بنته هناك هو تحسين العلاقات بين المملكة وبين المؤسسات الأميركية، التي تبدو في هذه السنوات –المؤسسات- على غير وفاق مع الرئيس ترمب، مثل وزارتي الدفاع والخارجية والمخابرات، وهذه كلها أبواب غلقت في وجه خالد بن سلمان، لكن بندر كان يملك المفاتيح ويعرف الطرق جيدًا إلى قلب الإدارة الأميركية النابض.

المملكة تريد تحالفًا دوليًا ضد إيران، ويعلم القائمون على الحكم يقينًا أن أوروبا لن تشارك في مثل هذا التحالف، لمصالحها التجارية المباشرة من عودة إيران للسوق العالمية، لكن الولايات المتحدة ربما تقوم بمغامرة كبرى، وفي عهد "ترمب" بالذات، الذي يحسب العوائد والأرباح من كل تصرف أو قرار، ولو وجد أن أرباحه من عملية عسكرية ضد طهران كبيرة ومضمونة ربما يقرر أن يخوضها.

وفق هذه الرؤية فإن زيارة ولي العهد إلى الصين والهند، وهما من أهم حلفاء وشركاء طهران التجاريين مفهومة، إعطاء وعود بتعويض إمدادات البترول الإيراني، وبالأسعار الأقل، وضمان تحييدهم أو عدم إثارة المشاكل أمام تدخل عسكري دولي، وهو بهذا يستمر على نهج المواجهة أو الحرب الذي يفضله دائمًا، سواء في اليمن، أو حتى عند خلافه مع قطر.

المملكة مقبلة على صيف ساخن جدًا، سواء داخليًا، بخطوات إعادة ترتيب الأوضاع لتحقيق انتقال السلطة إلى ولي العهد، أو خارجيًا، بقرع طبول حرب يريدها بن سلمان ضد إيران، وهو بالتأكيد لا يرى أن النار قريبة للغاية من البيت السعودي، ومحصلة مواجهة عسكرية كبيرة ستكون دمارًا هائلًا في ربوع المملكة كافة، بأكثر وأعمق مما تفعله صواريخ الحوثيين.