ح.سلفية » داعش

"داعش" والتوتر الأمني يعودان للسعودية.. أين ذهبت "الدولة البوليسية"؟

في 2019/04/23

الخليج أونلاين-

شهدت المملكة العربية السعودية، مؤخراً (21-22 أبريل)، هجوماً استهدف مركزاً أمنياً في العاصمة الرياض وقتل خلاله أربعة مسلحين، أعقبه إعلان السلطات مداهمة موقع لعناصر من تنظيم "داعش"، واعتقال 13 شخصاً، قالت إنهم كانوا يخططون لعمليات "إرهابية".

الهجوم هو ليس الأول خلال الفترة الأخيرة، حيث شهدت المملكة في يناير من العام الجاري حدثاً مشابهاً، وهي المواجهات التي تضاف إلى ما حدث مطلع الألفية الثالثة، والتي عرفت خلالها البلاد تنامياً للهجمات المسلّحة التي استهدفت المواطنين والأجانب، بعد أن ألقى تنظيم القاعدة بثقله لمهاجمة أهداف محدّدة داخل "بلاد الحرمين".

وشهدت عدّة محافظات سعودية، خلال الأعوام الأخيرة، أعمال عنف وهجمات مسلّحة نفّذها منتمون إلى تنظيمات جهادية، وآخرون تقول السلطات إنهم من "شيعة القطيف"، الذين تُتَّهم إيران بدعمهم.

خلية "داعشية" ووكر أسلحة

الاثنين (22 أبريل) قالت السلطات السعودية إنها تمكنت من إحباط مخطط لعناصر ينتمون لـ"داعش"، كانوا ينوون تنفيذ عمليات إرهابية بالمملكة، بعد ساعات من هجوم استهدف مركزاً أمنياً في العاصمة الرياض.

وذكرت رئاسة أمن الدولة السعودية، في بيان، أن الأجهزة الأمنية نفذت فجر الاثنين عملية، وداهمت أحد المواقع التي كان يتمركز فيها عناصر قالت إنهم ينتمون لـ"داعش".

وأضافت: "ألقي القبض على 13 عنصراً (أوردت أسماءهم) كانوا يقومون بالترتيب لتنفيذ أعمال إجرامية يستهدفون بها أمن البلاد ومقدراتها".

وكان اللافت هو حجم الأسلحة التي عثرت عليها أجهزة الأمن في الوكر، والتي تم صنعها بجهود محلية، وتضمنت "64 قنبلة يدوية محلية الصنع، تحتوي على عدد (25) أكواع سباحة مشركة، وعدد (61) ماسورة سباكة مشركة، منها (9) في طور تجهيزها كقنابل أنبوبية، بالإضافة إلى (3) جوالات مشركة".

أربعة مسلحين كانوا حصيلة من قتل يوم الأحد (21 أبريل) في اشتباكات عنيفة أصابوا فيها 3 من رجال الأمن، خلال هجوم مسلح على مركز مباحث "الزلفي" شمال العاصمة السعودية الرياض.

وأعلن جهاز أمن الدولة السعودي، في بيان له، إحباط هجوم "إرهابي" على مركز مباحث "الزلفي"، والتصدي لمحاولة اقتحامه، في حين أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن العملية.

"داعش" ليس الخطر الوحيد

وبعيداً عن التنظيم المتطرف وليس ببعيد عن الرياض، توترت الأحداث شرقاً في محافظة القطيف مطلع العام الجاري، وأعلنت سلطات المملكة تصفية ستة أشخاص وإلقاء القبض على سابع، داخل أحد الأوكار في بلدة الجش التابعة للمحافظة الشيعية.

وفي 7 يناير الماضي، قال جهاز أمن الدولة السعودي، الذي استُحدث بموجب أمر ملكي في 20 يوليو 2017، إن هذه العملية جاءت "بعد متابعة جهات أمن الدولة المختصة أنشطة العناصر الإرهابية بالقطيف، ورصد مؤشرات قادت بعد تحليلها إلى الكشف عن وجود ترتيبات لتنفيذ عمل إجرامي وشيك".

وكشف الجهاز الذي أُوكلت إليه صلاحيات واسعة ويشرف عليه مباشرةً العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، عن إصابة 5 من رجال الأمن بإصابات طفيفة، وضبط 7 رشاشات آلية و3 قنابل ومسدس ومئات الطلقات و21 مخزن سلاح، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية.

وخلال الأعوام الأخيرة، كانت محافظة القطيف ذات الغالبية الشيعية مسرحاً لعمليات كرٍّ وفرٍّ بين القوات السعودية ومن تقول إنهم "مطلوبون أمنياً"، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.

الهجمات قد تتواصل

عملية القطيف التي نفذتها أجهزة الأمن واحتفلت بها وسائل الإعلام المحلية، لن تكون الأخيرة حسبما فُهِم من تصريحات شخصيات دينية واجتماعية في محافظة القطيف، تودّدت للمطلوبين، ودعت في تصريحات لصحيفة "الرياض"، الصادرة يوم الجمعة 11 يناير الماضي، "أي مسلح أن يسلّم نفسه للجهات المعنيّة، وأن تتم الاستفادة من أخطاء الآخرين ممن سبقوهم في هذا الدرب".

كذلك طلب محمد المسكين، أحد شخصيات محافظة القطيف، من المطلوبين وأهاليهم أن يبادروا بتسليم أنفسهم للجهات المختصة، بدلاً من رفع السلاح، وهو ما يشير إلى أن عدداً من المسلّحين لا يزالون هاربين وقادرين على تنفيذ هجمات أخرى في بلد تحكمه الأجهزة الأمنية بالحديد والنار.

"الدرون" يرعب أجهزة الأمن

ولم تكن محافظة القطيف وحدها مسرحاً لأعمال العنف والهجمات المسلّحة التي ضربت الداخل السعودي، بل إن مواقع حساسة كانت هدفاً لتوترات أمنية في العام الأخير، ومنها أحد القصور الملكية بالعاصمة الرياض.

حيث كانت محطّ أنظار العالم في شهر أبريل 2018، بعد أن قالت السلطات إنها أسقطت طائرة "درون" بالقرب من القصر الملكي، ونشر سعوديون مقاطع تُظهر أصوات اشتباكات عنيفة، واكتفت السلطات بإعلان أن الهدف كان إسقاط طائرة "شخصية"، دون أن تعلن عن صاحبها أو صورها.

الرواية السعودية التي نفتها مصادر "الخليج أونلاين"، بتأكيدها أن ما حدث كان محاولة انقلابية استهدفت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصياً، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من المهاجمين ومن الحرس الملكي السعودي.

المصادر قالت حينها: إن "القصور الملكية مزوّدة بأحدث تكنولوجيات التشويش القادرة على إسقاط طائرات الدرونز والتحكّم فيها من دون استخدام القوّة، إضافة إلى أن إسقاط طائرة صغيرة تحلّق على ارتفاع منخفض لا يستدعي استخدام قوة نارية نحو ساعة من الزمن".

وأوضحت أن "عدم نشر صور الطائرة التي أُسقطت يكشف عن تخبُّط الجهات الرسمية في التعامل مع الحادثة، وصدمتها من هذا الهجوم، الذي لم ينجح جهاز أمن الدولة في استباقه وإفشاله".

وفيما بدا أنه تخوف من السلطات من تكرار حصول مثل ذلك، منعت الداخلية السعودية السماح باستخدام طائرات "الدرون" من دون ترخيص من الشرطة لحين صدور تنظيم خاص بذلك.

وبعد أشهر طويلة من هذا المنع، حظر قرار جديد صدر في 10 يناير 2019، امتلاك أي نوع من الطائرات المسيّرة من بعد، ما لم يتم تسجيل ملكيتها طبقاً للأنظمة واللوائح الخاصة المعمول بها في المملكة، وحظر تشغيلها قبل الحصول على التراخيص اللازمة، ومنع تشغيلها في غير الأجواء والمناطق المصرح لها بذلك، وفقاً لما نقلته صحيفة "الحياة" السعودية.

تفجيرات تنظيم "داعش"

ورغم القبضة الأمنية التي فرضها بن سلمان منذ وصول والده إلى الحكم عام 2015، تمكنت الجماعات المسلحة من تنفيذ هجمات كالتي تجددت مؤخراً.

فقد تمكن تنظيم "داعش" في مناسبات عديدة من تنفيذ هجمات دامية راح ضحيّتها بعض الأمنيين والعسكريين والمدنيين السعوديين، على غرار تفجير مسجد قوات الطوارئ في مدينة أبها جنوبي البلاد (أغسطس 2015)، ونتج عنه مقتل 15 شخصاً.

وفي 16 أكتوبر 2015، أطلق أحد المُنتمين إلى تنظيم "داعش" النار على مصلِّين بعد خروجهم من حسينية الحيدرية في سيهات بمحافظة القطيف السعودية، باستخدام سلاح رشاش، وهو ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 9آخرين.

وفي 4 يوليو 2016، حاول شخص يرتدي حزاماً ناسفاً، يشتبه في انتمائه إلى تنظيم الدولة، التسلل إلى القنصلية عن طريق مواقف السيارات بمستشفى سليمان الفقيه، وعند اعتراض أفراد الأمن الدبلوماسي إياه فجّر نفسه؛ وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة اثنين على الأقل.

نشأة "داعش" في السعودية

وظهر داعش في المملكة، في السنوات التي تلت اندماج فرعي تنظيم "القاعدة" في السعودية واليمن تحت اسم "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" في يناير من عام 2009.

وبعد اشتعال الوضع في العراق وسوريا لم يعد "القاعدة" المسيطر وحده على تلك الساحات، بل ولد وبرز تنظيم "داعش"، ليبني له مجداً يقوم على منهج يزايد فيه بالتطرف على التنظيم الأم، ومن هنا كانت فرادته في أعين مريديه الجدُد بالسعودية

ويرى مراقبون أن تنظيم "داعش" كسب بعض التعاطف من خلال عدة أمور، منها أنه "قدّم نموذجاً طائفياً في زمن طائفي لم يكن فيه صوت العقل والإجماع الوطني إلا نشازاً يجب أن يُوأد في مهده، إضافة الى تصوير تقدّمه وزحفه إلى معاقل خصومه من الجيوش النظامية بأنه تم بسلاسة وسهولة".

كما يشيرون إلى أن المتعاطفين مع التنظيم في السعودية "يحبون هذا النموذج الحاد في التعامل مع المُخالف الذي يذكّرهم بمُجدّد الدعوة السلفية محمد عبد الوهاب، والذي قدّم نموذجاً تزخر به الكتب والمراجع التي يدرسها الطلاب ويتتلمذون عليها في المدارس والجامعات، وكانت فيه "سلطة السيف" مرادفة للحق الإلهي المطلق الذي لا يقبل أنصاف الحلول".

"دولة بوليسية"

وبمقابل هذا الفشل في إيقاف الخروق الأمنية واجتثاث من تصفهم السلطات بـ"المجموعات الإرهابية"، شدّدت المملكة قبضتها الأمنية على الوضع السياسي والحقوقي العام في البلاد، مانعةً كل الأصوات التي ترفض سياساتها الداخلية والخارجية، من التعبير عن آرائها وصولاً إلى تصفية الخارجين عن رأي السلطة واعتقالهم.

ووصلت مراقبة سلطات المملكة ناشطين ودعاة لحد التجسس على هواتفهم وتعقّب تحركاتهم، إضافة إلى محاولة استدراج المعارضين منهم في الخارج، كما حصل مع الصحفي جمال خاشقجي حين اغتيل بقنصلية بلاده في إسطنبول، مطلع أكتوبر الماضي.

وفي المقابل، بدت تحركات من تصفهم بـ"الإرهابيين" مستمرة من خلال العملية الأخيرة، التي كشفت وجود آخرين عجزت قوى الأمن عن الوصول إليهم.

ويلحظ مراقبو الشأن الداخلي في السعودية، أن أحد أهم أسباب زعزعة الأمن بالمملكة إخراج الضباط المتمرسين وأصحاب الخبرة المحسوبين على ولي العهد السابق ووزير الداخلية المخضرم محمد بن نايف، من جراء إقالته عام 2017 من منصبه، وكان حينها يشغل أيضاً منصب ولي العهد، لكن بديله محمد بن سلمان قضى على قوته ونفوذه واستبدلهما برجاله.

في المقابل باتت سطوة الأمن السعودي على المعارضين قاسية لا ترحم، وهو الأمر الذي دفع منظمات حقوقية إلى وصف بن سلمان بأنه يتصرف مثل "مستبد وطاغية" في "دولة بوليسية"، إذ يرفض أي معارضة، ويسجن عشرات من المنتقدين، بينهم مثقفون وصحفيون،حيث أُلقي بمعظمهم في السجون مدة طويلة دون أي احترام للإجراءات القضائية.