اقتصاد » دراسات

ارتفاع العبء الضريبي في دبي يزداد في انتظار “اكسبو”

في 2019/10/11

صباح نعوش- البيت الخليجي-

يقترب معدل الدخل الفردي في دبي من مستوى الدخول في الدول الصناعية الكبرى. وشهدت الإمارة تقدماً هائلاً في الفترة الأخيرة خاصة في الميدان العقاري والقطاع السياحي إضافة إلى سمعتها الدولية المالية المرموقة. لكن مستوى معيشة الإماراتيين المقيمين فيها يسجل تراجعاً واضحاً نتيجة تزايد العبء الضريبي وما يترتب عليه من ارتفاع أسعار السلع والخدمات. ناهيك عن ظهور مشاكل أخرى أثرت سلبياً على هذا المستوى كالمديونية العامة والعجز المالي والتوترات السياسية في المنطقة.

على الصعيد العالمي تصنف بلدان مجلس التعاون الخليجي ضمن الدول ذات الضغط الضريبي المنخفض. أسهم هذا الوضع مساهمة فاعلة في جلب الاستثمارات الأجنبية وفي تحسين مستوى معيشة المواطنين.
اليوم، أصبح من اللازم اللجوء إلى الضرائب على اثر التطورات المالية والتجارية وكذلك العسكرية خاصة في السنوات القليلة المنصرمة والتي أفضت إلى عجز هائل في الميزانية العامة خاصة في السعودية والإمارات. الاعتماد على هذا المصدر لا يخلو من عقبات اقتصادية ومتاعب سياسية. لذلك وجب التوفيق بين أمرين متعارضين: الحصول على إيرادات مالية لتمويل هذا العجز من جهة وعدم التأثير سلبياً على معيشة المواطنين وعلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى.

في دبي كما هو الحال في بقية الإمارات لا توجد نية في فرض ضرائب على دخول الأفراد. في حين تطبق السعودية الزكاة على المواطنين وضرائب الدخل على الأجانب. كما لا توجد نية في فرض ضرائب على أرباح الشركات باستثناء تلك التي تسري على الشركات النفطية وعلى المؤسسات التابعة لبنوك أجنبية.
وبسبب العجز المالي يصعب تنفيذ المشاريع التي تكلف أموالاً باهظة. على سبيل المثال يكلف اكسبو 2020 حوالي 25 مليار درهم. وبسبب الأهمية القصوى المتوقعة من هذا المعرض الدولي في تحريك اقتصاد دبي الراكد أصبح من الضروري توفير هذه الأموال. وبالنظر لتفاقم الديون العامة لم يعد بالإمكان الاعتماد على القروض فقط. لذلك لا يبقى سوى الضرائب غير المباشرة.
وعلى هذا الأساس فان جميع الضرائب في دبي غير مباشرة. أي تلك التي تقود بالضرورة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وما يترتب على ذلك من التأثير سلبياً على الاستهلاك. وهذا بحد ذاته يؤدي إلى صعوبة تحريك الاقتصاد.

الدراهم

تفرض دبي رسوماً عديدة تتناول مختلف أشكال الأنشطة سواء تعلق الأمر بالسلع أم بالخدمات. وتعتمد ميزانية الإمارة اعتماداً كبيراً على حصيلة الرسوم في تمويل نفقاتها. ففي عام 2019 قدرت هذه الحصيلة بمبلغ 32.6 مليار درهم أي 64% من إيرادات الإمارة. ومن بين هذه الرسوم الدرهم السياحي ودرهم المعرفة ودرهم الابتكار.
يفرض الدرهم السياحي على كل ليلة مبيت في الفندق. وتم تحديد الحد الأقصى للرسم بثلاثين درهما.
ويسري درهم المعرفة على الإيراد الذي تحصل عليه الجهات الحكومية لإمارة دبي لقاء قيامها بخدمة معينة. وتؤول حصيلته إلى ميزانية دبي. أما درهم الابتكار فيفرض على الإيراد الحكومي الناجم عن تقديم خدمة معينة. ويؤول إلى مؤسسة دبي للمستقبل. وتتولى لجنة استثمار درهم الابتكار التابعة للمؤسسة كيفية صرف الأموال المتأتية من هذا المصدر.

يثير درهم المعرفة ودرهم الابتكار عدة ملاحظات:

الملاحظة الأولى: يفرض على إيراد الخدمة التي تقدمها جهة حكومية رسم درهم المعرفة ورسم درهم الابتكار في آن واحد. وهذا التنظيم يخلق نوعاً من الازدواجية الضريبية لأن نفس الخدمة تخضع لرسمين متشابهين تماماً. إذ أن اختلاف جهة صرفهما لا يتعلق بالضريبة بل بالإنفاق.

الملاحظة الثانية: توحي تسمية درهم المعرفة ودرهم الابتكار بأن المبلغ درهم واحد. والواقع أن مبلغ رسم درهم المعرفة عشرة دراهم. وكذلك رسم درهم الابتكار.

الملاحظة الثالثة: الرسم في العلوم المالية هو المال الذي تحصل عليه السلطة العامة لقاء خدمة معينة تقدمها لشخص معين. وبالتالي فأن درهم المعرفة هو في الواقع ضريبة غير مباشرة مفروضة على الرسم. وكذلك درهم الابتكار.

الملاحظة الرابعة: أن فرض رسم بمبلغ عشرة دراهم افضل لميزانية الإمارة من فرض ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 5%. وهذا يصح على جميع المعاملات التي تزيد إيراداتها على 50 درهماً وتقل عن 400 درهم. فعلى افتراض خدمة قيمتها 150 درهماً فأن المبلغ سيكون 7.5 دراهم عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة. في حين يرتفع إلى عشرين درهماً عند تطبيق رسم الابتكار ورسم المعرفة.

ضرائب على الاستهلاك

طبقت الإمارات الضريبة الانتقائية اعتباراً من الربع الأول من عام 2017. وتسري على السلع الضارة بصحة الإنسان. وهي المشروبات الغازية (باستثناء المياه الغازية) بسعر 50%. ومشروبات الطاقة والتبغ بسعر 100% لكل صنف. يتحمل المستهلك النهائي عبء هذه الضريبة. علماً بأن أسعار استهلاك هذه السلع ارتفعت بنسبة تفوق هذه المعدلات الضريبية. فعلى سبيل المثال تصاعدت أسعار استهلاك التبغ بنسبة 123.6%.

وفرضت الإمارات الضريبة على القيمة المضافة اعتباراً من مطلع عام 2018. وتسري على السلع والخدمات وتقود بالضرورة إلى ارتفاع أسعارها. مما لا شك فيه أن نسبة هذه الضريبة (5%) معتدلة مقارنة بالدول الأخرى التي تطبقها. ولكنها على أية حال تسهم في ارتفاع الأسعار. وقد دلت جميع التجارب على أن هذه الضريبة تفرض بأسعار منخفضة في بداية تطبيقها. ثم ترتفع تدريجياً ويتسع نطاقها لتصل ما وصلت إليه في الدول الصناعية حاليا. علماً بأن دولاً عديدة تراعي اعتبارات العدالة بتقرير أسعار ضريبية تختلف حسب نوع السلعة أو الخدمة وأهمية كل منهما من الناحية الاجتماعية. في حين أن سعر الضريبة موحد في الإمارات وكذلك في السعودية.

الضرائب والتضخم

يتبين بأن العبء الضريبي غير المباشر يرتفع بصورة مستمرة مما يؤثر على مستوى أسعار المستهلك ويقود بالتالي إلى تراجع مستوى معيشة المواطنين.
لكن الإحصاءات الرسمية تشير إلى ارتفاع الأسعار في الربع الثالث من عام 2018 بنسبة معتدلة قدرها 2.1% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. بل ترى إحصاءات الأشهر الأولى من عام 2019 عدم ارتفاع الأسعار.

كيف يمكن إذن تفسير تزامن ارتفاع العبء الضريبي مع اعتدال معدل التضخم؟
يتعين التعرف على كيفية حساب معدل التضخم الذي يستند إلى وزن كل سلعة وخدمة. وبتطبيق معادلة رياضية على هذه الأوزان يتم التوصل إلى المعدل العام. وعلى هذا الأساس يكفي أن تنخفض الأسعار في ميدان معين حتى يتأثر المعدل العام خاصة إذا كان وزن هذا الميدان مرتفعا.
في دبي ونتيجة للأزمة العقارية هبطت إيجارات العقارات خلال الفترة محل الدراسة بنسبة 3.4%. الأمر الذي أدى إلى التأثير بصورة فاعلة على المعدل العام للتضخم خاصة إذا علمنا بأن وزن السكن في المعادلة الرياضية لدبي يعادل 43.6%. هذا الهبوط هو السبب الوحيد الذي يفسر عدم ارتفاع المعدل العام بنسبة أعلى.

ولكن لابد من إلقاء نظرة على هذا الوزن. عند العودة إلى الإنفاق السنوي للإماراتي المقيم في دبي نلاحظ أن السكن السنوي يعادل 25945 درهما. ولما كان الإنفاق السنوي الكلي يساوي 65053 درهما فأن السكن يستحوذ على 39.8% من الإنفاق الكلي. ويمكن التوصل بالضبط إلى نفس النتيجة عند حساب إنفاق الأسرة الإماراتية. بمعنى آخر أن هذه النسبة اقل من وزن السكن في معادلة حساب التضخم. وبالتالي عندما تهبط قيم الإيجارات العقارية ينخفض معدل التضخم المعلن عنه بنسبة أعلى من النسبة الحقيقية التي يعيشها المستهلك.

ومن هذا الباب تم تحديد وزن الطعام والمشروبات بنسبة 13.0% في دبي. في حين يصرف الفرد الإماراتي المقيم في هذه الإمارة 9404 دراهم لشراء هذه السلع أي ما يعادل 14.5% من استهلاكه الكلي السنوي. وهذه النسبة أعلى من الوزن المقرر في معادلة التضخم. وبالتالي يتحمل المستهلك في الواقع ارتفاعا في الأسعار تفوق النسبة المحددة في المعادلة.
ومن جانب آخر أن هبوط أسعار السكن الذي اثر بشدة على المعدل العام للتضخم يتعلق فقط بالإيجارات أي أن المستأجر هو المستفيد الوحيد من هذا الهبوط. أما من يملك دار سكنه فيجد بأن الأسعار ارتفعت بنسبة أعلى بكثير من المعدل العام خاصة وأن أسعار ملحقات السكن كالكهرباء والغاز والماء ارتفعت بشدة. ناهيك عن خسارته بسبب هبوط القيم العقارية.
بمعنى آخر تصاعدت أسعار الاستهلاك ممن الناحية العملية بصورة أكبر من الأسعار الرسمية المعلنة. الضرائب أحد الأسباب التي أدت إلى هذا التصاعد.

لابد من التأكيد على أن ارتفاع العبء الضريبي في دبي يقتصر على الضرائب غير المباشرة أي تلك التي لا تفرض على الاستثمارات والدخول والودائع المصرفية. لذلك تعتبر الإمارة ملاذاً ضريبياً (جنة ضريبية) للأجانب. لهذا الوضع جانب إيجابي ينعكس على ميزان المدفوعات لأنه يستقطب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية. لكنه يخلق أيضاً متاعب للإمارة. إذ يرى الاتحاد الأوروبي أن قسطاً من هذه الأموال يتأتى من التهرب الضريبي في الدول الصناعية ومن غسيل الأموال الإيرانية. لذلك قرر الاتحاد في مارس المنصرم إدراج الإمارات ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية. وعلى هذا الأساس الملاذ الضريبي شيء وتزايد العبء الضريبي على المواطنين شيء آخر.

رغم الآمال المعقودة على اكسبو في تحريك اقتصاد دبي الراكد تدل المؤشرات إلى اتجاه مستوى معيشة المواطنين نحو الهبوط. فقد تعقدت الأزمة المالية للإمارة نتيجة استمرار العجز المالي وارتفاع المديونية العامة وضعف اعتماد مالية الإمارة على عوائد النفط وأرباح المؤسسات العامة. وبالتالي سيزداد العبء الضريبي وسترتفع أسعار استهلاك السلع والخدمات بل وستتفاقم البطالة لاسيما بين الشباب وحاملي الشهادات الجامعية.