دول » دول مجلس التعاون

مشروع السكك الحديدية الطموح.. هل يعيد الوحدة للخليج المنقسم؟

في 2020/07/30

سباستيان كاستيلير- المونيتور -

رغم مرور أكثر من 15 عاما على الإعلان عن مشروع خطط سكك حديدية بطول 1350 ميلا يمتد عبر دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن التقدم الذي تم إحرازه في ذلك الصدد لا يزال محدودا جدا.

لكن صحيفة "الجزيرة" السعودية أفادت بأن المشروع الضخم، الذي تأخر بشكل متكرر، من المتوقع الآن أن يكتمل جزئيًا في عام 2023، وأنه سيربط في المرحلة الأولى بين السعودية والإمارات وسلطنة عُمان.

وأكد التقرير أن البحرين والكويت سيتم إضافاتهما لاحقا إلى الشبكة، غير أن قطر، التي كانت جزءا من الاقتراح في الأصل، لم يتم ذكرها بأي شكل.

وفرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارًا على قطر في يونيو/حزيران 2017، متهمة الإمارة بدعم المتطرفين الإسلاميين وإيران، لكن الدوحة نفت هذه الاتهامات وقالت إن الهدف الرئيسي للحصار هو تقويض سياستها المستقلة.

وقال "كريستيان كوتس أولريخسن"، وهو زميل في معهد "بيكر" للسياسة العامة بجامعة رايس في هيوستون، لـ"المونيتور": "إن احتمال وجود شبكة سكك حديدية واحدة تدمج جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست يعد أمرا مشكوكا فيه".

وبدلا من أن يكون المشروع الطموح رمزا للوحدة الخليجية، فإنه يدفع الآن ثمن الأزمة السياسية التي أضعفت التماسك الإقليمي.

وفي مقابلة مع رئيس تحرير موقع "المونيتور"، "أندرو باراسيليتي"، في أواخر يونيو/حزيران، قال سفير قطر لدى الولايات المتحدة "مشعل آل ثاني" إن بعض البلدان "تحاول تقويض" عمل مجلس التعاون الخليجي.

ضغوط اقتصادية

منذ عام 2014، أدت أسعار النفط الخام المنخفضة إلى زعزعة استقرار اقتصادات الخليج وتأخير الاستثمارات في المشروعات العملاقة.

ويعد مشروع السكك الحديدية الذي تبلغ تكلفته 15 مليار دولار، والذي يربط البنى التحتية للسكك الحديدية المحلية التي تم بناؤها بشكل منفصل من قبل كل دولة، عرضة بشدة لخفض النفقات الرأسمالية.

وقالت وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية أن التباطؤ الاقتصادي الناجم عن "كورونا" يضيف المزيد من الضغوط؛ حيث من المتوقع أن ترتفع ديون حكومات دول مجلس التعاون الخليجي "إلى مستوى قياسي" هذا العام.

وقال "أولريخسن" إنه من الممكن أن نشهد اكتمال أجزاء من مشروع شبكة السكك الحديدية بدوافع اقتصادية في المقام الأول؛ حيث استكملت الإمارات خطا محليا في عام 2015 لنقل الكبريت من منطقة الظفرة إلى ميناء الرويس.

لكنه أضاف أن أي خطوط عابرة للحدود "ستكون هشة في مواجهة التوترات الإقليمية وعدم اليقين الاقتصادي المستمر".

وأشار مدير النقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي "أوليفييه لو بير" إلى العلاقة الوثيقة بين مختلف أجزاء قطاع السكك الحديدية في دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث قال على سبيل المثال إن "جزءا من قطاع السكك الحديدية في قطر ليس له معنى ما لم يكن متصلا بالشبكة السعودية".

وكلفت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي البنك الدولي بالمساعدة في تصميم المشروع. وقال "لو بير": "قدمنا ​​المشورة بشكل رئيسي بشأن التنسيق الفني بهدف تبني الدول الست لتوجهات مشتركة، مثل اختيار نفس نظام الإشارات لتجنب تغيير القاطرات على الحدود".

وأوصى البنك الدولي أيضًا خلال مهمته الاستشارية بإنشاء مشغل سكة حديد واحد لتحقيق مركزية الشبكة، بدلا من 6 كيانات مستقلة. وقال "لو بير": "حتى الآن لا يبدو أنهم يعملون على هذا الخيار على حد علمنا".

تسهيل التجارة

ومع ذلك، يظل احتمال وجود خط سكة حديد يمتد من دولة الكويت في أقصى شمال الخليج حتى عُمان، أمرا مثيرا للحماس. وفي عام 2018، قالت الأمانة العامة السابقة لمجلس التعاون الخليجي إن الأمر ربما يكون له "تأثير بعيد المدى" على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ويرى العديد من مواطني دول الخليج أن المشروع يعد تطورا إيجابيا؛ حيث قال "عمر هيثم بوعيشة"، وهو أخصائي اتصالات سعودي، لـ"المونيتور": "ستتّحد المنطقة كلها، وتتعاون معا في مشروع مفيد ومثمر للجميع".

وأضاف "لو بير": "سيقلل هذا أيضا من انبعاثات الكربون في دول مجلس التعاون الخليجي". وتقدر شركة "الاتحاد للقطارات" أن النقل بالسكك الحديدية سيخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 70 إلى 80% مقارنة بالشاحنات.

إلى جانب تسهيل حركة تنقل ملايين الركاب، يمكن للسكك الحديدية الرابطة لمجلس التعاون الخليجي أن تحمل ما يصل إلى 29 مليون طن من البضائع، وتعزيز التجارة الإقليمية وخفض تكاليف النقل.

ورغم أن الحواجز التجارية تبقى منخفضة، إلا أن التجارة غير النفطية داخل دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال ضعيفة.

وتأسس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، ورغم مرور أكثر من 4 عقود على تأسيسه فإنه لا يزال يفتقر إلى سياسات اقتصادية موحدة، وهو ما تجلى بوضوح في قرار السعودية الأخير بمضاعفة ضريبة القيمة المضافة 3 مرات، وهي خطوة لم تتخذها سائر دول مجلس التعاون.

ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي على المدى الطويل، الاستفادة من شبكة السكك الحديدية لتسهيل التجارة مع منطقة الشرق الأوسط الأوسع.

ووفقا لـ"لو بير"، تستكشف السعودية حاليا فرص ربط خطوط السكك الحديدية بالعراق والأردن المجاورين.

وجاء مقطع فيديو ترويجي نشرته وزارة الخارجية الإسرائيلية في أغسطس/آب 2019 إن الدولة اليهودية تعتزم إحياء خط سكة حديد الحجاز وربطه بالسعودية.

أعطال سلاسل التوريد

تعزز السكك الحديدية الرابطة أيضا محاور بديلة يمكن من خلالها دخول وخروج السلع المستوردة وشحنات الهيدروكربونات من المنطقة مع تجنب المخاطر الأمنية التي تواجهها الناقلات التي تمر عبر مضيق هرمز.

وتهدد إيران بانتظام بإغلاق نقطة الاختناق الاستراتيجية التي تعمل كمعبر لمعظم النفط الخام الذي تصدره دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي هذا السياق، يمكن أن تكتسب الموانئ الواقعة خارج مضيق هرمز، مثل ميناء الدقم العماني والموانئ الواقعة على سواحل البحر الأحمر، فعالية من حيث التكلفة.

ومع ذلك، فإن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يعطل سلسلة التوريد الحالية لدول مجلس التعاون الخليجي ويتحدى الدور الذي يلعبه ميناء جبل علي الإماراتي كمحور رئيسي لإعادة التصدير في منطقة الخليج.

وتشكل عملية تداول البضائع وإعادة التصدير بين دبي ودول الخليج الأخرى حوالي نصف إجمالي التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2017.

ونتيجة لذلك، فإن مشروع السكك الحديدية الخليجي يختلف عن أي مشروع ضخم آخر، في كونه يتطلب إعطاء الأولوية للمصالح الإقليمية فوق المصالح الوطنية، وأن ينظر صانعو السياسات في الخليج في نفس الاتجاه.

في وقت سابق من هذا الشهر، قال الأستاذ المساعد في جامعة كينجز كوليدج لندن "أندرياس كريج"، لـ"المونيتور": "تم استبدال التعددية في الخليج بالأحادية والثنائية".

وعلى الرغم من أن أزمة الفيروس التاجي تهدد نموذج التنمية المرتكز على الهيدروكربونات في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحث المنطقة على تنويع اقتصادها في وقت أبكر مما هو متوقع، إلا أن محاولات إقامة المزيد من التكامل الاقتصادي من المرجح أن تظل تحت رحمة التصدعات السياسية.