دول » دول مجلس التعاون

كيف توازن الصين بين علاقاتها مع إيران ودول الخليج؟

في 2020/08/06

متابعات- 

أثارت اتفاقية لمدة 25 عاما بين إيران والصين، أعقبت توقيع شراكة استراتيجية شاملة عام 2016، الكثير من النقاش مؤخرا.

وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى الاتفاقية على أنها علامة على وجود محور بين إيران والصين في طور التكوين، في حين قالت "إيران واير"، وهي وسيلة إعلامية مقرها لندن يديرها صحفيون إيرانيون في الشتات، إن إيران أصبحت بهذا الاتفاق دولة عميلة للصين.

ويبدو أن هذه الادعاءات مبالغ فيها إلى حد كبير. وفي حين أن هناك آثارا إقليمية محتملة جراء الصفقة الصينية الإيرانية، خاصة بالنسبة لدول الخليج العربية، فلن تكون الاتفاقية نقطة تحول بالنسبة للمنطقة.

ومن المؤكد أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية سيكون لها تأثير على استراتيجية بكين الخليجية الأوسع، وكذلك العلاقات الصينية مع دول الخليج العربية، وستعطي بكين موطئ قدم أقوى في المنطقة.

ومع ذلك، فلن تعيد الصفقة تشكيل توزيع القوة في المنطقة، ولن تقوض التفوق الاستراتيجي للولايات المتحدة في الخليج على المدى الطويل.

وفي حين أن الاتفاقية قد تنطوي على إمكانية أن تكون نقطة انطلاق لزيادة العلاقات بين طهران وبكين، فإن شكلها الحالي، حسب المسودة النهائية المسربة للوثيقة التي تم تداولها على نطاق واسع في الأسابيع القليلة الماضية، لا يخرج كثيرا عن خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها بين البلدين علنا عام 2016.

ووفقا لمسودة الوثيقة، يظل نطاق الاتفاقية مرتبطا بشراكة استراتيجية شاملة، تعزز التعاون الذي يتراوح من تطوير البنية التحتية إلى توسيع العلاقات المالية والاقتصادية.

ويعرض القسم العسكري من الاتفاقية أهدافا واسعة النطاق كذلك، مثل إنشاء لجنة مشتركة للصناعات العسكرية وإنتاج الأسلحة.

وفي حين أن هذه الجوانب تبدو أكثر فائدة لطهران من الصين، فستعزز بكين مكانتها كواحدة من المشترين القلائل للنفط الإيراني، إضافة إلى زيادة تغلغلها في الاقتصاد الإيراني.

ومع ذلك، لا تتضمن مسودة الوثيقة تفاصيل حول آليات التنفيذ، ولا تحدد مواعيد نهائية واضحة ومخصصات الميزانية.

لذا، في حين أن الصين وإيران ربما تكونا اتفقتا على خطة شاملة، إلا أنها ستستغرق المزيد من العمل لتحقيق المشاريع المشتركة بشكل فعال.

جاذبية إيران للصين

ولم تسع إيران لتوسيع علاقاتها مع بكين فقط للرد على العزلة الدولية. إذ حددت الدولتان إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة في يناير/كانون الثاني 2016، في الوقت الذي كانت إيران تركز على إعادة بناء علاقاتها الاقتصادية مع الغرب.

وفي ذلك الوقت، كانت الصين مصدرا مهما محتملا للتنويع الاقتصادي بالنسبة لطهران.

وخلال العقدين الماضيين، زادت الصين من تواجدها في المنطقة، وعقدت الصفقات، وأقامت شراكات مع جميع دول الخليج، وأعطت الأولوية للاستثمارات والعلاقات الاقتصادية.

جدير بالذكر أنه بعد تأخير دام 3 أعوام، توقفت فيها المفاوضات بعد خارطة الطريق لعام 2016، أعادت طهران إطلاق المفاوضات في أغسطس/آب 2019، عندما زار وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" بكين لتقديم المسودة الأولى للاتفاقية إلى نظيره الصيني.

وجاء ذلك وسط عزلة إيران المتزايدة؛ بسبب آثار استراتيجية واشنطن "أقصى ضغط".

وإذا كان هناك شيء قد تغير، فقد زادت العقوبات الأمريكية من حاجة طهران لبكين كشريك قوي؛ الأمر الذي يزيد من الأهمية السياسية لصفقة طويلة الأمد وشاملة.

وبشكل عام، تبدو إيران منجذبة إلى الصين بشكل عقلاني بسبب القوة الاقتصادية للأخيرة، وهي نقطة جذب تشترك فيها مع دول الخليج العربية، وبالتالي لم يكن هذا فقط نتيجة حملة "أقصى ضغط" التي تمارسها واشنطن.

لكن سياسة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تجاه إيران عملت كعامل دفع؛ ما عزز الوزن السياسي والاستراتيجي لهذه الصفقة بالنسبة لإيران.

توازن دقيق بين الرياض وطهران

أثار الاتفاق بين الصين وإيران نقاشا واسعا في وسائل الإعلام الدولية؛ ما يشير إلى أن له أهمية أكبر مما هو عليه في الواقع.

أولا وقبل كل شيء، لا تعد إيران الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها شراكة استراتيجية شاملة مع الصين. فدول الخليج العربية تفعل ذلك أيضا، مثل السعودية منذ 2016، والإمارات منذ 2018.

وبتتبع الاستثمار الصيني العالمي، نجد أن بكين استثمرت ما يصل إلى 62.55 مليار دولار في السعودية والإمارات بين عامي 2008 و2019.

ويبلغ إجمالي المبلغ الذي استثمرته الصين في جميع دول مجلس التعاون الخليجي خلال نفس الفترة ما يصل إلى 83 مليار دولار.

واستثمرت الصين نحو 10.7 مليارات دولار في تحويل قرية صيد عُمانية إلى هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.

كما وقعت صفقة بقيمة 300 مليون دولار مع الإمارات لتطوير عملية التصنيع في منطقة التجارة الحرة بميناء "خليفة".

كانت شركة الشحن الصينية "كوسكو" فازت بالفعل بحق تطوير وتشغيل محطة حاويات جديدة في نفس الميناء لمدة 35 عاما بتكلفة إجمالية تبلغ 738 مليون دولار.

وتأتي هذه الاستثمارات كلها جزءا من مشروع "طريق الحرير البحري الصيني" الذي تعد دول الخليج مركزا استراتيجيا له.

وتم إجراء استثمارات مماثلة في عُمان، وتقديم الدعم المالي لميناء "حمد" القطري، وكذلك مدينة الحرير في الكويت. وتفيد التقارير أن الصين تناقش أيضا استثمارات في مجال التكنولوجيا المتطورة في البحرين.

علاوة على ذلك، بعد وقت قصير من تسريب تفاصيل الصفقة بين إيران والصين، تم عقد الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي في يوليو/تموز.

واجتمع وزراء خارجية جميع دول الجامعة العربية ونظراؤهم الصينيون في اجتماع خرج بإعلان عمان، معربين عن رغبة الصين والدول العربية في تعميق العلاقات.

ورغم المناقشات الحالية حول الصفقة الصينية الإيرانية، لا تزال دول الخليج العربية جزءا لا يتجزأ من طموحات بكين الاقتصادية في الشرق الأوسط.

ولن تتخلى الصين عن هذه الشراكات لصالح علاقاتها الثنائية مع إيران، لكنها تظل حريصة على موازنة علاقاتها مع القوى الإقليمية الكبرى.

ومن خلال تجنب المشاركة المباشرة في المناوشات الإقليمية، فإن الصين قادرة على توسيع أنشطتها الاقتصادية والعسكرية في بيئة تنافسية للغاية دون الوقوع في خضم الصراعات السياسية والأمنية.

 جوليا جورول و جاكوبو سيتا- معهد دول الخليج العربي في واشنطن-