خاص الموقع

انتقال سلس للحكم في الكويت.. هل ينجح الأمير نوّاف في حماية البلاد من الزلازل المقبلة؟

في 2020/10/03

(مبارك الفقيه/ راصد الخليج)                                                                           

جميلاً كان المشهد الكويتي في وداع الأخ الأكبر الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح، وغصّة الرحيل لغياب العطوف جمّلها الأمل في خلافة النهج بولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ومناقب ضمير الأمة الكويتية، التي امتاز بها الأمير الراحل، نراها حاضرة في الخَلَف المؤهل للإمارة، والذي كان بحق المرآة الوفية على مدى 14 عاماً، والرجل الذي يرى بالعين الثاقبة أهم الملفات والقضايا المتعلقة بديمومة استقلال البلاد، ليستحق لقب "الأب الروحي للأمن والاستقرار".

جميلاً كان الانتقال السلس للحكم في الكويت دون ضوضاء أو غبار، ليس فقط التزاماً بدستور أو انتقالاً بوراثة، بل لأهليّة أكّدها الأمير نواف طوال السنوات التي رافق فيها الأمير الراحل في قضايا الداخل والخارج بكل تماهٍ وانسجام، ليتابع اليوم مهمّته المركزية في معركة مكافحة الفساد، وهو الذي أطلق شعار: "لا حمایة لفاسد أیاً كان اسمه أو صفته أو مكانته.. فأبناء الأسرة الحاكمة ليسوا فوق القانون"، ومن هنا يأتي تصويت مجلس الأمة الكويتي ليمحض الحاكم الجديد ثقته في خير خلف لخير سلف من ذريّة مبارك الصباح.

لن تكون الطريق مفروشة بالورد في سياق ممارسة الحكم، فالكويت تواجه في المرحلة الراهنة مجموعة من التحدّيات على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، في ظل محدلة التطبيع الأمريكية - الإسرائيلية التي تغزو دول ما كان يسمّى "مجلس التعاون الخليجي"، ولئن أعلن الشعب الكويتي موقفه الواضح في رفض السير بركب التسويات الظالمة والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، إيماناً بأحقية هذه القضية أولاً، وتأسيساً على ثقافة رفض العدوان من أي جهة أتت ثانياً، ومن هنا نأت الطويت بنفسها عن قطار التطبيع مع "إسرائيل"، إلا أن ما يرشح من تصريحات ومواقف واتصالات أمريكية وأوروبية ستؤدي بالكويت إلى نقطة الخيار الحرج، فإما أن تلتحق بركب التطبيع أو أن تختار المواجهة، وهي لن تكون مواجهة إزاء الموقف الغربي والإدارة الأمريكية التي تحرص الكويت على توازن العلاقة معها، بل أيضاً إزاء الدول التي التحقت وتتجهّز للدخول إلى حظيرة التطبيع، وهذا هو المحكّ الرئيسي الذي سيواجه الشيخ نوّاف في مطلع حكمه كأمير للبلاد، في ظل الضغوطات الأمريكية لإرساء منظومة علاقات شاملة بين العواصم العربية وتل أبيب، وعلى الأغلب فإن الكويت التي تتمسّك بحل الدولتين ستؤكد رفضها لأي تطبيع ما لم يكن هناك حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وستكون آخر دولة خليجية توقّع اتفاقاً مع "إسرائيل".

لطالما لعبت الكويت الدور الوسيط في أي أزمة تنشأ ما بين الدول العربية، وما بين بعضها وبين الدول الأخرى اعتماداً على سياسة الاستيعاب السلس وحفظاً لوحدة الموقف العربي وتلافي المواقف المعادية لدول الجوار، وهو ما تمايزت به عن باقي دول الخليج، ولا سيما في الملفات الكبرى التي ترى أنها قد تؤدي إلى حصول انقسامات وخلافات وتشرذم الموقف العربي، على غرار ما هو حاصل بين السعودية ومصر والبحرين والإمارات من جهة وبين قطر من جهة ثانية؛ مع أن الشعب لمّا ينسَ معاناته المريرة إبّان الغزو العراقي لأراضي الكويت عام 1990 في عهد صدام حسين وسعيه لضمّها إلى العراق، وهو ما أسّس لمخاوف راهنة ومستمرة من إقدام السعودية على ابتلاع البلاد في أي هزّة سياسية أو عسكرية قد تحصل في المرحلة المقبلة.

ما سبق يضع الكويت أمام تحدٍّ وجودي يهدّد سيرورتها، خصوصاً إذا ما عدنا قليلاً بالزمن إلى الوراء، حين نشأ الخلاف مع الرياض بسبب التباين في الموقف حيال كل من إيران وقطر، ومبادرة الكويت إلى توقيع خطة تعاون دفاعي مع تركيا، وهو قرار نابع من خوف كويتي حقيقي بتعرّضها لغزو من بلد مجاور، وضماناً لها لحماية نفسها، ويضاف إلى ذلك تفرّد السعودية بقرار تمديد امتياز شركة "شيفرون" الأمريكية في حقل الوفرة النفطي حتى العام 2039، خصوصاً بعدما أغلقت الشركة هذا الحقل في العام 2015 بعدما فشلت في الاتفاق على حقوق التشغيل مع الكويت.

يدرك الأمير نواف أن الظروف التي كانت سائدة قبل عقد من الزمن فقط قد اختلفت، وهو الذي عاصر أكثر القضايا حساسية في البلاد وفي الخليج والمنطقة بشكل عام، ولذلك لن تكون مهمته سهلة أبداً، بل سيواجه ملفات داهمة وشائكة على بعد أسابيع قليلة من إجراء الإنتخابات الأمريكية، فضلاً عن التحوّلات الجذرية الاجتماعية والسياسية التي تتشكّل إرهاصاتها في العالم عموماً وفي المنطقة على وجه الخصوص، وسيجد نفسه مدفوعاً لاتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية، وعليه منذ الآن أن يرسم مسار القرارات التي من شأنها أن تحافظ على كينونة الكويت وحمايتها من الانصهار والذوبان في المدّ الخليجي ولا سيما السعودي منه، ليس فقط على المستوى السياسي بل أيضاً على المستوى الجغرافي، فهل ينجح الحاكم الجديد في إبقاء الكويت بمنأى عن الزلازل المقبلة؟!