ثقافة » تربية وتعليم

إقبال متزايد على تعلم "الصينية" بالخليج... ما السر وراء ذلك؟

في 2023/08/28

سلمى حداد - الخليج أونلاين- 

تشهد دول الخليج العربي في السنوات الأخيرة إقبالاً متزايداً على تعليم اللغة الصينية، حيث تقدم العديد من الجامعات والكليات والمراكز الثقافية في هذه الدول برامج تعليمية في اللغة الصينية، كما زادت أعداد الطلاب المهتمين بتعلم هذه اللغة.

ويتربع على عرش أسباب كل هذا الإقبال على تعليم "الصينية" الأهمية الاقتصادية لبكين؛ فهي ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، وأكبر شريك تجاري للعديد من دول الخليج، حيث ترتبط هذه الدول مع الصين بعلاقات تجارية واستثمارية قوية.

وعلى جانب آخر فإن الثقافة الصينية تتمتع بتراث غني وتاريخ عريق يهتم العديد من سكان دول الخليج بتعلمه، خاصة في ظل خطط الانفتاح الثقافي والاجتماعي التي تنفذها الحكومات الخليجية بالعقد الأخير.

ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة هارفارد، في أبريل 2023، بلغ عدد الطلاب المسجلين في برامج تعليم اللغة الصينية في دول الخليج حوالي 100 ألف طالب، بزيادة قدرها 20% عن العام 2022.

السعودية

في 23 أغسطس 2023 أعلنت وزارة التعليم السعودية استعدادها تطبيق برنامج اللغة الصينية الإثرائي لطلبة الصف الثاني الثانوي، ضمن حصص الإتقان، لمدة فصل دراسي يكرر خلال الفصول الدراسية للعام الحالي.

وأكدت الوزارة، في بيان لها، أن المدارس ستعمل على تطبيق البرنامج في جميع المدارس الثانوية بواقع حصتين أسبوعياً يومي الأحد والاثنين، مع تأكيدها على إسناد هذه الحصص للمعلمين المؤهلين.

وكانت السعودية بدأت، العام الماضي، تدريس اللغة الصينية في مرحلة التعليم الثانوية في 746 مدرسة، موزعة على 47 إدارة تعليمية في المملكة.

كما اعتمدت السعودية أيضاً، العام الماضي، مواد تدريس اللغة الصينية المسماة "Smart Chinese" لتدريسها، بالتعاون مع مدرسي اللغة الصينية العاملين في الشرق الأوسط.

وبحسب موقع "سبق" المحلي، أمضى فريق من الخبراء الصينيين والأجانب نحو أربع سنوات في إجراء بحث مستقل وتطوير الكتب المدرسية المصممة للاستخدام في الدول العربية.

يشار إلى أن إقرار تدريس اللغة الصينية في المدارس السعودية جاء خلال زيارة ولي العهد محمد بن سلمان للعاصمة الصينية بكين، في فبراير 2019، والاتفاق على وضع خطة لإدراج اللغة الصينية كمقرر دراسي على جميع المراحل التعليمية في المدارس والجامعات السعودية.

وعلى الصعيد الجامعي، كشفت قناة "الإخبارية" عن إقبال كبير من طلاب الجامعات في السعودية على دراسة تخصص اللغة الصينية.

وأوضح مراسل القناة، في تقرير بثته في ديسمبر الماضي: "لدينا مجموعة من الطلاب يتعلمون اللغة الصينية في أرقى الجامعات السعودية، فهي لغة واسعة وعميقة".

وتوجه المراسل لمجموعة من الطلاب السعوديين بالقول: "لماذا علينا أن نتعلم اللغة الصينية؟"، ليجيبوا بأن "الصين تملك اقتصاداً جيداً، وأن اللغة الصينية لغة العالم الجديد، وأن العلاقات السعودية الصينية في تقدم مستمر".

الإمارات

أما الإمارات فتعتبر الدولة الخليجية التي تضم أكبر عدد من الطلاب المسجلين في برامج تعليم اللغة الصينية، حيث يبلغ عددهم حوالي 54 ألف طالب.

وفي نوفمبر الماضي، قال سفير الصين لدى الإمارات تشانغ ييمينغ، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإماراتية، إن مشروع تدريس اللغة الصينية في الدولة الخليجية يشتمل على 158 مدرسة إماراتية.

وأشار إلى أن البرنامج يشمل 54 ألف طالب في 158 مدرسة عامة تدرس اللغة الصينية ويهدف إلى تغطية 200 مدرسة في المستقبل.

وهذا العدد للمدارس جاء بعد إضافة مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي 30 مدرسة إلى قائمة المدارس التي تدرس اللغة الصينية خلال العام الدراسي 2022.

وذكرت المؤسسة، في بيان لها في نوفمبر الماضي، أنها تعتزم أن يصل عدد المدارس التي تدرس الصينية إلى 200 مدرسة العام الدراسي 2023.

وأشارت إلى أن عدد الطلبة المستفيدين، في العام 2022، بلغ 7350 طالباً وطالبة، ليصبح إجمالي الطلبة الخاضعين لتعليم اللغة الصينية في الدولة، منذ تطبيق البرنامج، 53290 طالباً وطالبة.

قطر

في يونيو الماضي، أطلق قطاع الشؤون التعليمية بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي معسكراً لتدريس اللغة الصينية في جمهورية الصين استمر 3 أسابيع.

وشارك في برنامج معسكر اللغة الصينية 20 طالباً قطرياً ممن أنهوا الصف العاشر في المدارس الحكومية يرافقهم ويشرف عليهم 3 من المرافقين القطريين.

ويتضمن البرنامج المُقدَّم من قبل جامعة (Beijing Foreign Studies)، وهي الجامعة المصنفة الأولى في الصين للعام 2023، دروساً في اللغة الصينية، إلى جانب محاضرات ورحلات ثقافية، وقد تم توفير 4 مساعدين لغويين وموظف مرافق من الجانب الصيني.

وفي العام 2019، أسس معهد دراسات الترجمة بجامعة "حمد بن خليفة" برنامج تعليم اللغة الصينية للطلاب، في ظل الإقبال المتزايد من الطلاب وأفراد المجتمع في قطر على تعلم هذه اللغة واسعة الانتشار.

وفي تصريحات سابقة لصحيفة "الشرق" القطرية، قال د. جيان زهاو، مدرس اللغة الصينية في معهد دراسات الترجمة بجامعة حمد: "هناك طلب متزايد على تعلم اللغات بين صفوف المواطنين والمقيمين العاملين في قطر، وأقوم بمساعدتهم على التواصل مع الشعب الصيني للتعرف بشكل أكبر على الثقافة الصينية".

وأضاف زهاو أن "الطلب المتنامي على تعلم اللغة الصينية يمثل انعكاساً للعلاقة الإيجابية والمتنامية بين الصين وقطر".

البحرين

افتتح، عام 2014، معهد "كونفوشيوس" لتعليم اللغة والثقافة الصينية في جامعة البحرين الحكومية.

وقال وزير التربية والتعليم البحريني، ماجد بن علي النعيمي، آنذاك: إن "الاهتمام بتعليم اللغة الصينية في هذا المركز يعود إلى عاملين، الأول هو أهمية هذه اللغة بوصفها لغة حضارة وعلم وحياة"، مشيراً إلى أن "الصينية لغةُ واحدة من أعرق الحضارات التي عرفتها البشرية، كما أنها لغة الفلسفة والآداب والفنون والصناعة والتكنولوجيا، وهي أكبر لغات العالم من حيث عدد الناطقين به".

وفي مارس 2023، أكدت‭ ‬رئيسة‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭ ‬د.‭ ‬جواهر‭ ‬بنت‭ ‬شاهين‭ ‬المضاحكة، أن أكثر من 5 آلاف طالب بحريني استفاد من دورات اللغة الصينية التي قدمها معهد "كونفوشيوس"، إضافة لما يزيد على 400 موظف حكومي درسوا اللغة في المعهد خلال السنوات الماضية.

الكويت

وعلى خطا البحرين، أعلن السفير الصيني لدى الكويت، تشانغ جيانوي، في ديسمبر الماضي، افتتاح أول مركز ثقافي صيني يتضمن تعليم اللغة الصينية في البلاد خلال العام 2023.

وقال جيانوي، في تصريحات صحفية: إن "الصين تهدف لخلق نقاط بارزة جديدة للتعاون اللغوي والثقافي مع دول الخليج".

وأشار إلى أن بكين عرضت أن يكون هناك تعاون عبر الفصول الذكية بالمؤسسات التعليمية الخليجية لتعليم اللغة الصينية، وإجراء الاختبارات "أونلاين" بالتعاون مع مركز تعليمي صيني.

وفي مايو 2023، أجرى وفد صيني تعليمي، برئاسة السفير  جيانوي، زيارة إلى جامعة الكويت وأجرى مباحثات مع المسؤولين في الجامعة بشأن إنشاء حجرة ذكية لتعليم اللغة الصينية بالجامعة.

سر تعلم "الصينية"

وحول أسباب الإقبال على تعلم اللغة الصينية عالمياً وعربياً أوضح د. جيفري جيل من جامعة "فليندرز" الأسترالية، في كتابه "صعود اللغة الصينية" في العام 2021، أن بعض الدول تقبل على تعليم اللغة الصينية بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية مع بكين والتواصل بشكل أفضل مع رجال الأعمال هناك.

وأشار جيل إلى أن من ضمن هذه الأهداف زيادة التبادل الثقافي في ظل الانفتاح الذي تشهده العديد من دول العالم، وهو ما يتطابق مع دول الخليج التي بدأت موجة انفتاح كبيرة على دول العالم وخاصة النشطة اقتصادياً مثل الصين.

وذكر أن تعلم اللغة الصينية يسهم في زيادة التفاعل بين الدول العربية والصين، ما يعزز من مكانتها على الساحة الدولية؛ لأن بكين قوة اقتصادية عالمية صاعدة وبدأت توسع نفوذها في جميع أنحاء العالم.

وفي سياق متصل أظهرت دراسة بريطانية نشرت في العام 2017، أجرتها الجمعية الوطنية للتعليم والثقافة، أن نسبة كبيرة من البريطانيين يعتبرون اللغة الصينية "لغة المستقبل".

وأعرب أكثر من 50% ممن شملتهم الدراسة عن أملهم في تعلم أبنائهم هذه اللغة، كما أظهرت دارسة فرنسية أن عدد الطلاب الذين يتعلمون الصينية بالمدراس والمعاهد الخاصة في بفرنسا قد تضاعف أربع مرات خلال عشرة أعوام.

وحسب الدراسة الفرنسية المنشورة عام 2017، فقد شهدت السنوات الماضية إقبالاً كبيراً من الطلبة الأجانب على تعلم اللغة الصينية؛ نظراً لاتساع نفوذ الصين وصعودها بوصفها قوة اقتصادية بارزة على الساحة الدولية.

و"الصينية" بكل لهجاتها هي اللغة الأكثر انتشاراً في العالم حسب عدد المتحدثين اليوميين، ويفوق عدد المتحدثين بها ملياراً و200 مليون نسمة، وهي أيضاً اللغة الأطول عمراً من بين بقية اللغات، إذ يرجع تاريخها إلى ما قبل 3000 سنة استناداً إلى أقدم الوثائق اللغوية للنقوش على دروع السلاحف ويطلق عليها اسم "خايويوي"، كما أنها واحدة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. 

تنطق الصينية بلهجات متعددة تصل حالياً إلى 7، مقسمة حسب المناطق، أشهرها اللهجة الشمالية التي توصف بالأساسية والأكثر انتشاراً، ويتحدث بها 73% من الإجمالي، لكن في النهاية فإن اللهجات موحدة إلى حد بعيد من حيث الكلمات المكتوبة واللغة المستخدمة هي اللغة الصينية الواحدة، وتزيد عدد حروفها على 6 آلاف.

وتتحدث شعوب كثيرة اللغة الصينية غير الجمهورية الشعبية، منها الفلبين، وإندونيسيا، وتايلاند، وماليزيا، وسنغافورة، ومنغوليا، وبروناي، لذا فإن إحدى مزايا تعلم الصينية التواصل مع شعوب عدة والتعرف على ثقافاتهم، لا سكان الصين فقط.