علاقات » عربي

مصر الغارقة في أزمة اقتصادية تبيع أراضيها وبنيتها التحتية للإمارات والسعودية

في 2024/03/09

صحيفة “لوموند” الفرنسية - ترجمة القدس العربي- 

تحت عنوان: “مصر الغارقة في أزمة اقتصادية تبيع أراضيها وبنيتها التحتية لدول الخليج”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن مصر، المثقلة بالديون، باعت على مدى عشر سنوات، أصولا في مجالات السياحة والزراعة والموانئ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وأضافت الصحيفة الفرنسية القول إنّه بينما تواجه مصر نقصا صارخا في العملات الأجنبية، تستعد الإمارات العربية المتحدة لضخ 35 مليار دولار في البلاد خلال شهرين. معظم الأموال مخصصة لتطوير منطقة رأس الحكمة الواقعة على الشمالي الغربي لمصر والتي تبلغ مساحتها 170 مليون متر مربع وتمتد على نحو 50 كيلومترًا من الشواطئ ذات الرمال البيضاء.

نسمة هواء للسيسي

يقف وراء هذا الاستحواذ صندوق الثروة السيادي الإماراتي الشركة القابضة (ADQ)، التي يرأسها الشيخ طحنون بن زايد، شقيق رئيس الدولة محمد بن زايد آل نهيان. تُريد هذه الشركة، التي ستدير المشروع، أن تجعل رأس الحكمة “واحدة من أكبر المدن الجديدة التي يطورها اتحاد خاص” من خلال تحويلها إلى وجهة سياحية فاخرة، إلى جانب مركز مالي ومنطقة حرة، توضّح “لوموند”، مُشيرةً إلى أنه تم الإعلان عن هذه الاتفاقية، غير المسبوقة في تاريخ مصر، بحسب رئيس وزرائها مصطفى كمال مدبولي، في 23 فبراير/شباط المُنصرم، من العاصمة الإدارية الجديدة، التي تعد مشروعا ضخما آخر استثمرت فيه الإمارات إلى حد كبير.

وتابعت الصحيفة الفرنسية القول إنه في الوقت الذي تغرق فيه القاهرة في ديون تقدر بأكثر من 160 مليار دولار وتواجه أسوأ أزمة سيولة منذ عقود ــ تفاقمت بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر وتضاؤل عائدات قناة السويس ــ فإن هذه الاستثمارات الضخمة تشكل نسمة من الهواء النقي للنّظام المصري.

“إنقاذ غير متوقع”

تنقل “لوموند” عن Timothy E. Kaldas، المدير المشارك لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط وهي منظمة غير حكومية مكرسة للتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط- قوله: “إنها عملية إنقاذ غير متوقعة، حيث سيساعد رأس المال هذا، على المدى القصير، في وقف التدهور المذهل للاقتصاد، وعلى تخفيض التضخم. ولكن لن يتغير شيء إذا استمرت الحكومة في نفس السياسة التي اتبعتها منذ عشر سنوات، والمتمثلة في مضاعفة المشاريع الضخمة المكلفة للغاية وضعيفة الربحية لاقتصاد البلاد، والتي يستفيد منها بشكل أساسي سديم من المؤيدين والمقربين من النظام”.

سيتم ضخ الدولارات من أبو ظبي على عدة دفعات: فقد تم بالفعل تحويل 10 مليارات دولار، والتي ستضاف إليها 14 مليار دولار في غضون شهرين؛ أما الـ 11 مليارا المتبقية فستكون من صرف الودائع الإماراتية الموجودة في البنك المركزي المصري، والتي سيتم استخدامها لتمويل مشاريع مختلفة في جميع أنحاء البلاد، تُشير ”لوموند”.

وتواصل الصحيفة موضحة أنه على المدى القصير، كان لهذا الضخ القياسي للسيولة تأثير بالفعل في إعادة تقييم السعر غير الرسمي للجنيه المصري، الذي هو في حالة انخفاض حر في السوق السوداء منذ عدة أشهر. وبينما حدد البنك سعر الصرف عند 30 جنيها مصريا للدولار، وصلت العملة المحلية إلى 70 جنيها في فبراير/شباط في السوق غير الرسمية، قبل أن تهبط إلى 44 جنيها مطلع مارس/آذار بعد الإعلان عن الصفقة الإماراتية.

انخفاض وشيك لقيمة العملة

وتابعت “لوموند” القول إنه من خلال معالجة السوق الموازية، تمهّدُ السلطات المصرية الطريق لانخفاض وشيك في قيمة العملة، في حين أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي – والتي بلغت ذروتها يوم الأربعاء 6 مارس/آذار الجاري بمنح قرض جديد بقيمة 5 مليارات دولار، بعد اتفاق مبدئي على 3 مليارات بنهاية 2022 – سيكون الشرط الأساسي فيها هو تعويم العملة المصرية بحرية، كما يطالب المانحون الدوليون منذ سنوات. وقد رفع البنك المركزي المصري يوم الأربعاء الماضي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 6 نقاط إلى مستوى قياسي بلغ 27.25 %.

وتأتي اتفاقية رأس الحكمة ضمن سلسلة من الاستثمارات التي قامت بها أبوظبي والرياض على مدى السنوات العشر الماضية، لإنقاذ الاقتصاد المصري. وقد بلغت الودائع التراكمية لدول الخليج في البنك المركزي المصري نحو 28 مليار دولار، منذ عام 2013، حيث دعم البلدان الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد الإطاحة بمحمد مرسي.

وفي المقابل، يتوقع الممولون الخليجيون أن تسهل السلطات المصرية عليهم الاستحواذ على العقارات والأصول في العديد من القطاعات التي تتراوح بين السياحة والزراعة والبنوك والموانئ وصناعة الأدوية. وتماشيا مع صندوق النقد الدولي، يطالبون بإصلاحات هيكلية منذ عام 2016، داعين إلى مزيد من الخصخصة، أو الحد من سيطرة الجيش على الاقتصاد أو إنشاء سعر صرف معوم لتسهيل الاستثمارات، توضح “لوموند”.

“اتفاقيات وقعت دون علم المواطنين”

واعتبرت “لوموند” أنه على الرّغم من إعلان الحكومة المصرية احتفاظها بحصة %35 من الأرباح المتوقعة من مشروع رأس الحكمة، إلا أن الاتفاق يفتقر إلى الشفافية.

في هذا الصدد، تنقل الصحيفة عن الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني، قوله: “لا نعرف حقاً في أي القنوات سيتم ضخ هذه المليارات وفي أي المشاريع سيتم إنفاق الأموال المتبقية. وهل تنازلت مصر عن ملكية هذه الأراضي؟ الأمر كله يبدو غامضاً للغاية. فمن خلال بيع هذه الأصول، تفقد البلاد السيطرة على مواردها بينما تستمر في الاستدانة. إننا نخسر أعمالنا ومواردنا الاستراتيجية، ونرهن موانئنا ومطاراتنا. كل هذا من أجل اتفاقيات وقعت دون علم المواطنين. كما أكد على التكلفة البشرية لهذه المشاريع التي تؤدي إلى مصادرة العديد من أملاك السكان مقابل تعويضات هزيلة”.

ومضت “لوموند” مشيرةً إلى أنه بالتوازي مع الاتفاقية مع الشركة القابضة (ADQ)، تجري السلطات المصرية منذ عدة أشهر مناقشات حول مشروع استثماري ضخم آخر، يمكن أن يرى النور في جنوب سيناء على البحر الأحمر. فقد تجتذب شبه جزيرة رأس جميلة أموالا سعودية تقدر بنحو 15 مليار دولار لتطوير مشروع سياحي ضخم على شاطئ البحر.

وبالإضافة إلى بيع العديد من الفنادق التاريخية والمرموقة للشركة القابضة (ADQ) في شهر فبراير الماضي مقابل 800 مليون دولار، تستعد الحكومة المصرية أيضًا لنقل إدارة مطاراتها إلى مشغلين من القطاع الخاص، معلنة عن إطلاق مناقصة دولية. بالإضافة إلى ذلك، صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون يسمح ببيع الأراضي الصحراوية للمستثمرين الأجانب.

وكما حدث عام 2017، أثناء التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر للسعودية، الأمر الذي أثار سخط العديد من المصريين، أثار مشروع رأس الحكمة ضجة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ينظر جزء من المواطنين المصريين نظرة قاتمة للغاية لبيع الأراضي والبنية التحتية والتراث التاريخي للبلاد، تقول “لوموند”.