سياسة وأمن » تصريحات

التطبيع بين إسرائيل والسعودية مؤجَّل

في 2024/04/08

متابعات- 

تأجلت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى الرياض، التي كانت مقررة في الثاني من شهر إبريل/نيسان الحالي، من أجل إحياء البحث في صفقة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والتي توقفت بعد هجمات حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وعلى الرغم من أن واشنطن ربطت، في حينه، بين توقف المباحثات حول التطبيع بين إسرائيل والسعودية والحرب على غزة، فإنها لم تتوقف عن محاولاتها من أجل تحريك الأمر، الذي ربطته الرياض بوقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية لحل القضية الفلسطينية. وخلال الأشهر الماضية، زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن السعودية مرات عدة، كانت آخرها في مارس/آذار الماضي، واجتمع من أجل الهدف نفسه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

مباحثات التطبيع بين إسرائيل والسعودية تراوح مكانها

المعلن هو أن المباحثات تراوح مكانها، لأن سبب توقفها لا يزال قائماً، ويفترض من الناحية النظرية أن يُؤجل طرح موضوع التطبيع حتى يُتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة، وتتضح صورة الموقف السياسي. ما هو غير معلن أن الإدارة الأميركية لم تتوقف عن نقاش المسألة مع المسؤولين السعوديين، وتبدو على عجلة من أمرها لإنجاز الصفقة، التي ستعلن عنها، سواء استمرت الحرب أو توقفت.

وبحسب مصادر إعلامية سعودية تحدثت لـ"العربي الجديد"، تعمل واشنطن على صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية بصورة مستقلة عما يجري في غزة، وتفضل إنجازها على نحو سريع، كي تكون من بين مواضيع الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي جو بايدن، التي تنطلق في منتصف الصيف المقبل. وترى هذه الأوساط أن السرّ في استعجال واشنطن تحقيق الصفقة هو الحاجة لإنجاز سياسي مهم تطرحه خلال الحملة الانتخابية، خصوصاً أنها تتخوف من أن حرب غزة قد تطول، ولا تتمكن من تحقيق ذلك، ولذا تعمل على تحضيرها لتكون جاهزة. هناك نقطة أخرى ترتبط بالجانب الثلاثي من الصفقة، الذي يتعلق بكل من الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، وما يترتب على كل طرف من التزامات وشروط، وهي غير مرتبطة، حكماً، بمسار الحرب أو نتائجها.

تفضل واشنطن أن تربط ما بين إعلان الصفقة ونهاية الحرب على غزة، لما لذلك من مردود سياسي كبير لها، غير أنها إذا لم تتمكن من إنجاز ذلك، فستحاول استكمال مسار التطبيع بمعزل عن مصير العدوان على الغزة. تقول أوساط إعلامية سعودية، لـ"العربي الجديد"، إن واشنطن تعمل الآن على إنجاز الإطار العام للعملية، أو وضع الأسس التي قد يصدر عنها إعلان مبادئ، بانتظار توفر الظروف المناسبة لصياغة اتفاق بين الأطراف الثلاثة، وربما يُوسّع ليشمل آخرين. قبل أسبوع من هجمات "حماس" على إسرائيل، كانت هناك تكهنات بأن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية وشيك، وتحدث كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي، أنه أُحرز تقدم. ولكن لا تزال هناك عقبات كبرى تعترض أي اتفاق.

لا تتوقف الخلافات عند حلحلة نقاط التباين بشأن رؤية المصالح المشتركة، بل تتطلب شرطين. الأول هو تقديم كل من السعودية وإسرائيل تنازلات، من أجل الوصول إلى نقطة وسط، تخفف من ردود الفعل، خصوصاً في المعسكر السعودي. الشرط الثاني هو أن تلبي واشنطن مطالب الرياض مقابل تحقيق الصفقة، وهي تتعلق بضمانات أمنية، واتفاقات تسليح عسكري، وبناء مفاعلات نووية مدنية. وهناك نقاط أخرى لم يُكشف عنها.

تحاول السعودية أن ترفع سقف شروطها لأنها تنظر إلى الأمر من زاوية فوائد التطبيع على إسرائيل، والذي لن يقتصر على مكاسب اقتصادية كبيرة فحسب، بل سيعيد تشكيل مكانة إسرائيل بشكل أساسي في المنطقة، وربما في العالم الإسلامي الأوسع. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فسيُنظر إلى الاتفاق باعتباره إنجازاً كبيراً في السياسة الخارجية، وتعزيز التكامل الإقليمي من خلال البناء على "اتفاقيات أبراهام" للتطبيع بضمّ السعودية، بوصفها اللاعب الأكثر أهمية في الشرق الأوسط.

التنازلات المطلوبة من إسرائيل تتمثل في قبول الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، والحد الأقصى الذي تطمح إليه السعودية وأميركا هو موافقة إسرائيل على حل الدولتين، وتودان إعلان ذلك بوصفه نهاية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. تأجيل زيارة سوليفان ضمن هذا السياق كان وارداً جداً، والمفاجأة أنه أُعلن عن ترتيبها في الظروف الراهنة، ولذلك لا يبدو مقنعاً التبرير الذي ساقه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، وهو يتعلق بحادث تعرض له سوليفان.

صفقة بثمن بخس

هناك عقبات أمام مثل هذه الصفقة، أبرزها أن إسرائيل والولايات المتحدة تريدانها أن تتم بثمن بخس جداً، بينما تطمح السعودية إلى انتزاع مقابل كبير. ومثال ذلك الضمانات الأمنية التي تصر السعودية على أن تكون مكتوبة، بينما تريدها واشنطن شفوية بحجة صعوبة تمرير "معاهدة حماية" في الكونغرس. وبحسب ما هو متداول في أوساط مراكز أبحاث أميركية، فإن هذه الحجة واهية، والدليل على ذلك أن ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ يوافقون على منح السعودية حماية. وتؤكد أوساط مطلعة أن واشنطن تحاول إقناع الرياض بقبول ترتيبات مماثلة للاتفاقات الأمنية الأميركية مع كوريا الجنوبية واليابان، بدلاً من الضمانات المقدمة في إطار حلف شمال الأطلسي.

والمثال الثاني هنا يتعلق بطلب السعودية تقديم تنازلات من نتنياهو لجهة حلّ الدولتين. وبحسب تطورات الوضع في إسرائيل، يبدو أن ذلك متعذر حالياً، فهو يخوض معركة علنية مع الإدارة الأميركية من أجل طيّ صفحة الدولة الفلسطينية، ويحظى بإجماع في إسرائيل على هذا الأمر، ولذا فإن طرح المسألة أمام الكنيست لن يأتي بنتائج إيجابية، بل بالرفض.

حتى الطلب السعودي بتحسين حياة الفلسطينيين، الذي ورد في حديث ولي العهد السعودي إلى قناة فوكس نيوز الأميركية في سبتمبر/أيلول الماضي، صار بعيد المنال في ظل حرب إسرائيل على غزة، وما تحاول إسرائيل تحقيقه هو تهجير ما يتجاوز مليون نسمة من سكان القطاع. وباعتبار أن تحقيق إنجاز على هذا الطريق ضروري بالنسبة للسعودية أمام مواطنيها والعالمين العربي والإسلامي، فإنه من المتوقع أن تضغط الإدارة الأميركية على نتنياهو بقوة، إلى حد التهديد بتفجير تحالفه الحكومي مع اليمين المتطرف، الذي يعد أحد العقبات في طريق تقديم التنازلات.

التحدي الثاني الذي يواجه الصفقة هو عدم التوافق بين مصالح الأطراف الثلاثة، والأولويات الخاصة بكل منها، بل تضاربها إلى حد كبير. ومن بين أهداف واشنطن وتل أبيب كبح التمدد الإيراني في الخليج العربي والشرق والأوسط، في حين أن الرياض ترى التفاهم مع طهران بديلاً للمواجهة، وعلى هذا، قامت فلسفة الاتفاق الأخير بين البلدين قبل أكثر من عام، وأعطى نتائج إيجابية على صعيد وقف الحرب في اليمن. العقبة الثالثة هي إقامة مشروع نووي سلمي في السعودية، وهناك تسريبات من واشنطن مفادها أن طلب السعودية بالسماح لها بتخصيب اليورانيوم من دون رقابة دولية صارمة وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، لا يلقى موافقة، وتتحجج واشنطن بمعارضة سباق التسلح في الشرق الأوسط.

على الضفة الأخرى، هناك متفائلون بقرب إنجاز اتفاق، ويدلّلون على ذلك بتواتر زيارات المسؤولين الأميركيين إلى السعودية، التي تنوعت في مجالات الدبلوماسية والدفاع والأمن القومي. ويسود الانطباع بأن الصفقة تسير بهدوء وعلى نار هادئة. وبرز تطوير الاتصالات السعودية مع السلطة الفلسطينية، التي تلت إرسال نايف بن بندر السديري كأول سفير سعودي إلى رام الله في سبتمبر/أيلول الماضي. ويهم السعودية ألا تظهر بمظهر من يقوم بخطوة منفردة ويقفز على الحقوق الفلسطينية، وذلك مراعاة لوضعها ومصالحها في العالم العربي، وبشكل أوسع في العالم الإسلامي، ولذلك تنظر إلى العنصر الفلسطيني في اتفاق التطبيع على أنه مهم من منظور فلسطيني وعربي وإسلامي.

وفي إطار سعيهم للتخفيف من الخسائر وتعظيم المكاسب المحتملة، تردد أن الفلسطينيين تعهدوا بعدم انتقاد أي صفقة علناً. وفي هذه النقطة، تدرك كل من الولايات المتحدة والسعودية أنه يجب أن تكون مشاركة الجانب الفلسطيني مهمة في هذه العملية، كي لا تتكرر الأخطاء التي ارتُكبت في "اتفاقات أبراهام". ومن المعلوم أن الاتفاقات المذكورة جرت من دون إعلام السلطة الفلسطينية وإشراكها، وهذا ما جعلها تعارضها، وصرح وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية أنور قرقاش أن القضية الفلسطينية لم تكن فعالة في تحفيز "اتفاقات أبراهام".

وفي كل الأحوال، فإن اتفاق التطبيع بين السعودية واسرائيل أهم بكثير من الاتفاقات العربية ــ الإسرائيلية التي أُنجزت حتى الآن في إطار "اتفاقات أبراهام"، ولذلك توليه إدارة جو بايدن قدراً كبيراً من العناية، وتتمسك به، خصوصاً في أبعاده وتأثيراته السياسية على مستقبل المنطقة. ومن بين أهم النقاط التي يهمها تثبيتها تلك المتعلقة بهجمات "حماس"، والتي رُبطت باتفاق التطبيع بين السعودية واسرائيل. وما يهم واشنطن ألا يتحقق هدف إسقاط التطبيع ويتحقق أحد أهداف هجمات "حماس"، حسب القراءة الأميركية.