علاقات » صيني

كيف وثقت الصين روابطها التجارية والاستثمارية مع السعودية؟

في 2024/04/15

سلمى حداد - الخليج أونلاين- 

خلال السنوات الأخيرة واصلت الصين مد أذرعها والتوسع تجارياً واستثمارياً داخل منطقة الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية التي تشهد تحولاً اقتصادياً كبيراً ورغبة في توطيد العلاقات مع بكين ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.

وتُعد الصين أكبر شريك تجاري للسعودية حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 520 مليار دولار بين عامي 2017 و2023.

كما تشهد الاستثمارات الصينية في السعودية ازدياداً ملحوظاً، مع تركيزها على قطاعات حيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والاتصالات والسياحة والترفيه.

وزادت قوة العلاقة بين البلدين مع التطورات المتلاحقة في المشهد الاقتصادي العالمي الذي يشوبه الكثير من الاضطراب وعدم الاستقرار، حيث أصبحت المملكة شريكاً تجارياً موثوقاً ومستداماً للصين التي تمثل أكبر سوق لاستقبال صادرات النفط السعودي.

كما أن الشراكة مع السعودية ستمنح الصين المرونة في توفير السلع والخدمات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها بكفاءةٍ عالية.

اتفاقيات وشراكات متنامية

وفي ديسمبر الماضي، استضافت بكين مؤتمر الاستثمار الصيني السعودي الذي نظمته وزارة الاستثمار السعودية بتنسيق مع غرفة التجارة الصينية.

وشهد المؤتمر توقيع أكثر من 60 مذكرة تفاهم واتفاقية استثمارية بين الرياض وبكين تتجاوز قيمتها الإجمالية 26.5 مليار دولار، في قطاعات حيوية.

ودشنت وزارة الاستثمار، خلال المؤتمر، منصة استثمر في السعودية باللغة الصينية؛ بهدف تقديم الفرص الواعدة التي تقدمها المملكة للمستثمرين الصينيين.

وسبق هذا المؤتمر بنحو ستة أشهر، اجتماع آلاف من رجال الأعمال الصينيين، في يونيو الماضي، في الرياض لاستكشاف فرص الاستثمار بالمملكة في قطاعات الطاقة والتعدين والبنية التحتية والتصنيع والتكنولوجيا، مثل الألعاب والذكاء الاصطناعي.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن هنري تشانغ، الرئيس والشريك الإداري في شركة هيرميتاج كابيتال للاستثمار في الأسهم الخاصة التي تركز على التكنولوجيا، قوله إنه "أصبح من الضروري داخل مجتمع الأعمال الصيني زيارة المملكة".

وأضاف تشانغ، في تصريحاته للصحيفة على هامش الاجتماع الاقتصادي حينها، أن "التوافد على السعودية أصبح موضة"، مشيراً إلى أنه قابل رجال أعمال صينيين في المؤتمر لم يلتق بهم منذ سنوات في بلاده.

وتقول الصحيفة إن دول الخليج من جانبها تحاول الترابط مع الصين بشكل أوثق.

وأسفر المؤتمر آنذاك عن اتفاقيات لاستثمارات صينية في المملكة بما قيمته 10 مليارات دولار.

وبالتزامن مع هذا المؤتمر، أعلنت شركة باوشان للحديد والصلب الصينية أنها خصصت 4 مليارات دولار لبناء مصنع مع شركة النفط الوطنية أرامكو السعودية وصندوق الثروة السيادي السعودي لتصنيع ألواح الصلب في منطقة اقتصادية جديدة على الساحل الشرقي للمملكة.

وقالت شركة الحوسبة السحابية الصينية إنها ستستثمر مئات ملايين الدولارات في السعودية في السنوات المقبلة.

ومنذ بداية العام الحالي، واصلت الصين رحلة توسعها في المملكة، حيث أعلن رئيس مجموعة علي بابا القابضة المحدودة، عملاق التجارة الإلكترونية الصيني البارز، عن اعتزامه توسيع نشاطه في السعودية والإمارات.

وكشف رئيس المجموعة، مايكل إيفانز، في كلمة له خلال القمة العالمية للحكومات التي عقدت في مدينة دبي بفبراير الماضي، عن استراتيجية المجموعة للتوسع في السوق السعودية، والجهود المتضافرة مع المملكة لتعميق وجودها في مشهد التجارة الإلكترونية.

وفي الشهر نفسه، أبرمت وزارة الاستثمار السعودية اتفاقية استثمار وتعاون مشترك مع شركة "غولدن بورت القابضة" الصينية؛ بهدف تطوير فرص الاستثمار في مجال رياضة المحركات وحلبات السباق وصناعة وتجميع السيارات في المملكة، بقيمة تُقدّر بـ 25 مليون ريال (6.6 ملايين دولار).

فرص استثمارية جديدة

وفي أحدث الفرص المطروحة للاستثمار الصيني في المملكة، أفاد تقرير لوكالة "بلومبيرغ إنتلجينس" الاقتصادية الأمريكية، الخميس الماضي، بأن صندوقاً استثمارياً متداولاً يتتبع الأسهم السعودية في هونغ كونغ، من المرجح أن يوفر للمستثمرين الصينيين فرصة للاستثمار في بنوك المملكة التي تعتبر أفضل من حيث العوائد والمخاطر.

وأضافت الوكالة أن الصندوق الذي أطلق العام الماضي، يعد أول صندوق في آسيا يركز على الأسهم المدرجة في الرياض، ويبلغ حجم أصوله أكثر من مليار دولار.

وبحسب التقرير، فإن "نمو أصول البنوك السعودية قوي مثل نظرائها في الصين، ومن الممكن أن تحقق نمواً أعلى في ربحية السهم هذا العام، مع هوامش أفضل بدعم سعر النفط عند 80 دولاراً للبرميل.

وأشار إلى أن "المخاطر التي تؤثر على الاقتصاد الكلي والتوقعات بتباطؤ الإيرادات، تجعل تقييمات البنوك الصينية غير جاذبة".

وإضافة إلى المؤشرات على أرض الواقع، فإن الصين تحدثت صراحة عن أن السعودية أصبحت البوابة المفضلة لشركاتها لدخول أسواق الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي.

بوابة الاستثمار بالشرق

وقال سفير الصين لدى الرياض تشن وي تشينغ، في تصريحات له بـ8 أبريل الجاري، إن "التحول المتنوع للاقتصاد السعودي عبر رؤية 2030 سيوفر فرصاً استثمارية ضخمة للشركات الصينية".

وأضاف تشينغ، في مقابلة مع صحيفة "الاقتصادية" السعودية، أن الشركات الصينية تعمل على زيادة الاستثمار بشكل مستمر في المجالات ذات الصلة في السعودية مثل التكنولوجيا، والصناعات الجديدة، والطاقة المتجددة.

وذكر السفير أن البلدين حققا خلال الأعوام الأخيرة تقدماً عميقاً في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وقد أسهمت في تسريع مواكبتها لرؤية السعودية 2030.

وأفاد بأن التعاون بين الجانبين في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار تحول تدريجياً من التركيز على التعاون في مجال الطاقة إلى تطوير التعاون في مجالات أخرى متعددة.

وشدد على أن الاقتصادين الصيني والسعودي متكاملان إلى حد بعيد ويتمتعان بإمكانات هائلة للتعاون في مختلف المجالات.

وأكد سفير بكين أن الصين تعد أكبر شريك تجاري للسعودية، والسعودية كذلك هي أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الصين والسعودية 100 مليار دولار خلال عامين متتاليين (2022 و2023)، وهو ما يمثل أكثر من 35% من إجمالي حجم التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي خلال نفس الفترة.

لماذا تتوسع الصين بالمملكة؟

وحول السر وراء هذه الرغبة الصينية بالتوسع بالمملكة، يرى الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، أن التحول المتنوع لاقتصاد السعودية وطرح فرص استثمارية ضخمة شكل عامل جذب كبيراً للشركات الصينية لضخ أموالها في هذه الدولة العملاقة.

وأشار سيف الدين، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الصين تحاول استغلال فرص الاستثمار في السعودية خاصة بقطاعات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا والصناعات الجديدة والتعدين والسياحة.

ولفت إلى أن المملكة أنشأت شركات ومؤسسات خاصة بالسنوات الأخيرة الماضية لتعزيز تنمية الصناعات، وهذا ما يحفز رجال الأعمال الصينيين على الاستثمار بهذا المجال.

ورأى الخبير الاقتصادي أن العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين ستستمر في النمو خلال السنوات القادمة، فكلا البلدين لديهما مصلحة مشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي.

واعتبر أن توسع التجارة والاستثمارات الصينية في السعودية تعد فرصة ذهبية لتعزيز التنمية الاقتصادية لكلا البلدين.