دول » دول مجلس التعاون

كيف أصبحت دول الخليج عُرضة لهذا المستوى من الانقلاب المناخي؟

في 2024/04/22

كمال صالح - الخليج أونلاين-

حالة غير مسبوقة عاشتها دول مجلس التعاون الخليجي المطلة على الخليج العربي وبحر العرب، بسبب العواصف المطرية، والسيول الجارفة التي أوقعت ضحايا وخسائر كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة.

فخلال الأيام القليلة الماضية، كانت سلطنة عُمان والإمارات وبدرجة أقل، البحرين وقطر وأجزاء من السعودية، وكذلك الأجزاء الجنوبية الشرقية من اليمن، على موعد مع اضطراب مناخي مباغت، أجبر السلطات على التصرف وفق حالات الطوارئ.

وامتلأت شوارع مدينة دبي ورأس الخيمة في دولة الإمارات بالمياه الجارفة، وأجبرت سلطات الطيران على تعليق رحلاتها، في حين تسببت السيول الجارفة بسقوط وفيات في سلطنة عُمان، وتفعيل فرق الطوارئ في قطر والبحرين.

سلطنة عُمان

سلطنة عُمان كانت على موعد مع فاجعة كبيرة بسبب الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة، ووفقاً لآخر الإحصائيات فقد توفي 21 شخصاً، بينهم 12 طفلاً ومقيم آسيوي، في حين لا يزال 2 آخران في عداد المفقودين.

وبحسب بيان الشرطة العُمانية، فإن عمليات البحث لا تزال مستمرة، وفي حين تم إنقاذ أكثر من 1630 شخصاً، تم إجلاء أكثر من 630 آخرين بسبب تداعيات "منخفض المطير" الذي عصف بعديد من محافظات البلاد الشمالية.

وسجلت أربع ولايات عُمانية مستوى أمطار اقترب من 302 ملم، خصوصاً ولاية محضة التابعة لمحافظة مسقط، في حين بلغ مستوى الأمطار بولاية ينقل التابعة للظاهرة 243 ملم، ثم ولاية لوي التابعة لمحافظة شمال الباطنة بنسبة 240 ملم، وولاية شناص التابعة لشمال الباطنة أيضاً بنسبة 206 ملم، في حين سجلت العاصمة مسقط، نسبة أمطار بلغت 64 ملم.

الإمارات

ولم يختلف الأمر كثيراً في الإمارات، فلأول مرة بتاريخ الدولة، تهطل مثل هذه الكمية الضخمة من الأمطار، الأمر الذي تسبب في حالة من الاضطراب بالشوارع الرئيسة في إحدى أهم مدن العالم، ألا وهي دبي.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد للعواصف الرعدية والأمطار الغزيرة، والسيول الجارفة التي اجتاحت شوارع دبي ورأس الخيمة ومناطق أخرى بالإمارات، متسببة في غرق مركبات، وأضرار بالغة بالمنازل والمحال والشركات التجارية، فضلاً عن وفاة مُسن بعد أن حاصرته المياه في سيارته بإمارة رأس الخيمة، كما تسببت بحالة ارتباك وتعليق حركة الطيران في أهم مطارات البلاد.

ويبدو أن الأمطار التي هطلت على الإمارات خلال يوم الثلاثاء الماضي هي الأكبر منذ 75 عاماً، وفقاً للمركز الوطني للأرصاد، علماً بأن أعلى نسبة أمطار هطلت كانت في منطقة "خطم الشكلة" بإمارة العين، حيث تجاوزت 254 ملم، خلال أقل من 24 ساعة.

ولم تنج قطر والبحرين ولا الأجزاء الشرقية من السعودية، من تأثيرات المنخفض الجوي غير المسبوق، إذ هطلت أمطار غزيرة على مناطق متفرقة في الدول الثلاث؛ ما دفع السلطات إلى إعلان بعض الإجراءات الاحترازية؛ حرصاً على سلامة المواطنين والمقيمين.

الاحتباس الحراري

هذه الاضطرابات المناخية التي تضرب دول الخليج، تأخذ منحىً متصاعداً، إذ سجلت هذه الدول ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المنخفضات الجوية والعواصف والأعاصير التي خلفت خسائر كبيرة.

وعند النظر إلى الأسباب، يأتي موضوع الاحتباس الحراري على رأس القائمة، إذ شهد العالم ارتفاع درجة الحرارة، بسبب الانبعاثات الكربونية، وفشل المنظومة الدولية في وضع حد لهذا الخطر الداهم.

يقول الباحث في أرشيف عُمان المناخي، حارث السيفي: إن "سلطنة عُمان والإمارات تعرضتا لمنخفض جوي استثنائي سجلت فيه محطات الرصد الجوي ومحطات الرصد المائي المطري والسطحي كميات تاريخية وأرقاماً نادرة، أهمها ما سجلته محطة ولاية محضة بـ302 ملم، وهي أعلى رقم يومي مسجل من منخفض جوي شمالي -من غير الأعاصير المدارية- منذ بدء التسجيل في سلطنة عُمان، ونتجت عنه أودية جارفة جداً لم يسبق أن رأت بعض القرى مثلها خلال العقود الماضية".

ويضيف السيفي في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "من خلال بحثي السابق للأحداث المتطرفة في سلطنة عمان، فإن هذه الحالات تحدث على فترات متباعدة، ومنها 1976 و1982 و1997، إضافة إلى موسم 2023-2024، تصادفت مع نشاط ظاهرة النينو في المحيط الهادئ المحفزة على نشاط الكتل المدارية الرطبة في المنطقة بشكل عام".

المنخفضات الشتوية

ولفت إلى أنه "ربما في العقدين الماضيين شهدت السلطنة انخفاضاً في معدلات الأمطار، ولكن مؤخراً بدأت الكميات تعود لمستواها الطبيعي مع ملاحظة زيادة في معدلات درجات الحرارة شهراً بعد آخر بالتزامن مع الزيادة العالمية في درجات الحرارة".

ونوّه السيفي إلى أن الشيء اللافت أكثر ليس المنخفضات الشتوية، حيث إنها تتكرر بين السنين ولو على فترات متباعدة، ولكن اللافت هو زيادة أعداد الأعاصير المدارية التي أثرت على سلطنة عمان خلال آخر 20 سنة، وهذا يعزى بالدرجة الأولى إلى زيادة معدلات درجات حرارة المياه السطحية في بحر العرب.

واستطرد قائلاً: "لا تكاد تمر سنة إلا وتتأثر البلاد بحالة مدارية خلال فصل الصيف، وهذا شيء جديد على التاريخ العماني الموثق على الأقل، ففي السابق تتأثر البلاد بالحالات المدارية على فترات متباعدة وليس كما يحدث الآن، فهناك نحو 15 حالة مدارية بين منخفض وعاصفة وإعصار تأثرت بها السلطنة خلال آخر 17 سنة بمعدل حالة مدارية واحدة كل عام، مع العلم أنّ المعدل السابق وفق بيانات الأرصاد العمانية سابقاً، أشار إلى معدل حالة مدارية واحدة كل 3 سنوات، فالمعدل تضاعف 3 مرات".

ولفت إلى أن هناك ارتباطاً مبدئياً بين الأعاصير والاحترار العالمي، لكن العلاقات غير واضحة بين الحالات الشتوية وهذا الاحترار في الوقت الحالي.

القرب من المحيط

وتتشكل الأعاصير والحالات المدارية في المحيطات، ونظراً إلى كون سلطنة عُمان واليمن وبقية الدول مطلّة على المحيط الهندي، فإنها أصبحت عرضة لمزيد من هذه التحولات المناخية.

ووفقاً لأستاذ البيئة في جامعة الحديدة عبد القادر الخراز، فإن سلطنة عُمان واليمن وكذلك الإمارات تعتبر من أكثر الدول في الإقليم تأثراً بالتغيرات المناخية، وبالذات الأعاصير والحالات المدارية التي عادةً ما تترافق مع كثير من الفيضانات.

وأضاف الخراز في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "معظم المناطق التي تتعرض للأعاصير تأتي بسبب القرب من المحيطات التي هي مؤهلة لتشكل الحالات المدارية، التي مع تغيرات درجة حرارة سطح المياه تتحول إلى حالات أخرى وفق التصنيف".

التكيف مع الظاهرة

ويرى الخراز، وهو مهتم بشؤون البيئة والمناخ، أنه بالإمكان تخفيف آثار هذه الظواهر المناخية من خلال التكيف معها، مشيراً إلى أنها ستزداد حدة وتكراراً خلال الفترة المقبلة.

ولعل من المهم المضي قدماً في العمل من أجل خفض درجة حرارة الأرض، وفق المقرر عالمياً ما بين درجة ونصف ودرجتين. ووفقاً للخراز، فإن الدول الصناعية الكبرى ما تزال عائقاً أمام خفض درجات الحرارة، وهو ما يؤدي إلى ظواهر متعددة في التغير المناخي".

ونوّه إلى أن الدول الصناعية الضالعة في مشكلة الاحتباس الحراري، لا تزال تقف عائقاً أمام سياسات تخفيض الاحتباس الحراري، إضافة إلى أن النقاشات في مؤتمرات المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة، غالباً ما تكون سياسية أكثر من كونها تقنية.

ولفت إلى أن دول الخليج وبالذات سلطنة عُمان والإمارات لديها القدرة على مواجهة تداعيات هذه الحالات المدارية وما تتسبب به من فيضانات وعواصف، من خلال التجاوب السريع معها؛ نظراً إلى إمكاناتها المادية الكبيرة.