اقتصاد » تطوير بنى

تستهدف 80 مليار دولار.. كيف تمضي رحلة تحول السعودية لقوة تعدين عالمية؟

في 2024/04/25

محمد أمين - الخليج أونلاين-

رحلة مليئة بالمحطات تلك التي تمضي بها السعودية لرفع مساهمة قطاع التعدين في اقتصادها، وذلك ضمن رؤية عام 2030 التي وضعته كركيزة ثالثة للصناعة إلى جانب النفط، والبتروكيماويات.

وتسعى المملكة إلى بناء اقتصاد لا يعتمد بشكل كبير على النفط، وهو ما جعلها تولي اهتماماً بهذا القطاع، من خلال تكثيف عمليات اكتشاف الثروات المعدنية، وتعزيز وجذب الاستثمارات، وتوقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون، واستضافة مؤتمرات عالمية.

وتقدِّر المملكة قيمة مواردها المعدنية غير المستغلة بنحو 9.37 تريليونات ريال (نحو 2.5 تريليون دولار أمريكي)، بعد أن كانت 5 تريليونات ريال في عام 2016 (1.33 تريليون دولار)، ويعود سبب الارتفاع إلى اكتشاف كميات جديدة من الذهب، والفوسفات، والنحاس، والزنك، وغيرها من المعادن.

عدد العاملين

يعد توفير الوظائف من أبرز أهداف رؤية المملكة لعام 2030، والتي تسعى إلى تقليل نسبة البطالة إلى 7%، وهو أمر بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق قبل الموعد المحدد، وذلك عقب بلوغ النسبة 7.7% بنهاية الربع الأخير من عام 2023.

وبنهاية الربع الرابع من العام الماضي، تجاوز عدد العاملين في الأنشطة الاقتصادية للتعدين واستغلال المحاجر، والخاضعين لأنظمة ولوائح التأمينات الاجتماعية حاجز 166 ألف موظف، شكّل السعوديون 68.8% منهم، بواقع 114264 موظفاً، مقابل 51940 موظفاً أجنبياً.

أما فيما يخص النساء العاملات في القطاع، فقد بلغ عددهن نحو 10 آلاف امرأة، حيث شكّلت السعوديات 92.3% منهم، وذلك بوجود 9249 مواطنة مقابل 777 موظفة أجنبية، بحسب إحصاءات حكومية نقلتها جريدة "الاقتصادية" (11 أبريل الحالي).

خطوات بارزة

في عام 2020، أطلقت المملكة البرنامج العام للمسح الجيولوجي لدعم الاستكشاف عن الثروات المعدنية وجذب الاستثمارات، حيث أنجزت حتى الآن 30% من أعمال المسح في منطقة الدرع العربي الواقعة غرب المملكة بمساحة تقدر بأكثر من 600 ألف كيلو متر مربع. 

وبعد ذلك بعامين، وتحديداً عام 2022، بدأت المملكة بمنح التراخيص لشركات التعدين الدولية، كما وقعت على مدار السنوات الماضية، العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات، من أبرزها تلك التي أُعلن عنها ضمن فعاليات النسخة الثالثة من مؤتمر التعدين الدولي الذي استضافته الرياض شهر يناير المنصرم.

وشهد المؤتمر (شاركت فيه 133 دولة)، التوقيع على 75 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تجاوزت 75 مليار ريال (نحو 20 مليار دولار) في مجال التعدين والصناعات التعدينية بين عدد من الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات المحلية والعالمية المشاركة.

وخلال المؤتمر، كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودية بندر الخريف، عن إطلاق المملكة برنامجاً تحفيزياً للتنقيب عن المعادن بميزانية تزيد عن 182 مليون دولار.

وأضاف الخريف، أنه ستعلن لائحة جديدة تسمح لوزارة الصناعة والثروة المعدنية بتقديم مساحات استكشاف أكبر تزيد عن 2000 كيلومتر لكل ترخيص، لافتاً إلى أن المملكة بدأت لأول مرة باستكشاف مواقع كبيرة مثل جبل سعيد، والحزام المعدني، على مساحة 4 آلاف كيلومتر مربع.

وفي ديسمبر الماضي، قال الوزير السعودي إن قطاع التعدين حقق إيرادات قياسية في 2023 تجاوزت 1.5 مليار ريال (نحو 400 مليون دولار)، كما حصدت المملكة جائزة أفضل دولة في تحسين البيئة التشريعية والاستثمارية في القطاع.

ولعل من أبرز الإنجازات إعلان شركة التعدين العربية السعودية المعروفة باسم "معادن"، في ديسمبر الماضي، اكتشافاً محتملاً لإمكانات كبيرة من موارد الذهب تمتد على طول 100 كيلومتر من منجم منصور ومسرة، لتعود في يناير الفائت وتعلن بدء الإنتاج التجاري للذهب من المنجم.

ومن بين أهم حوافز قطاع التعدين في السعودية لتعزيز الاستثمار الأجنبي تخفيض الضرائب من 45% إلى 20%، لتكون البلاد من بين أكثر مناطق التعدين تنافسية عالمياً.

أول معدن رقمي

اتخذت "معادن"، الشركة الوطنية الرائدة بالمجال في السعودية، والتي تعد واحدة من أسرع شركات التعدين نمواً في العالم، خطوة غير مسبوقة لتعزيز كفاءة عمليات التنقيب، وتحسين مستويات الإنتاجية والجودة والسلامة.

وتمثلت الخطوة بتوقيع الشركة (15 يناير الماضي) مذكرة تفاهم مع "هكساغون" الشركة الرائدة عالمياً في ابتكار حلول الواقع الرقمي، لإطلاق أول معدن رقمي في منطقة الشرق الأوسط.

وتهدف المذكرة إلى نشر تقنيات "هكساغون" الخاصة بعمليات التشغيل والإنتاج في منجم منصورة والمسرة، والتي تشمل تقنيات الاستشعار والأتمتة والتقنيات البرمجية.

خطط قادمة

رفعت المملكة مستهدف مساهمة قطاع التعدين في ناتجها المحلي الإجمالي إلى ما بين 70 و80 مليار دولار بحلول 2030، بعد أن أشارت التقديرات السابقة إلى أن مساهمته ستبلغ 64 ملياراً.

وتخطط المملكة، التي تعد أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، لاستخراج ما قيمته أكثر من 2.5 تريليون دولار من المعادن الموجودة في ترابها، في إطار سعيها لكي تتحول إلى قوة صناعية رائدة.

وبحسب تصريح أدلى به نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية خالد المديفر لموقع "سيمافور" الأمريكي، في شهر مارس الماضي، فإن تحول السعودية إلى قوة صناعية يتطلب في خطوته الأولى الاهتمام بقطاع التعدين، ثم جلب المعادن من الخارج، أما الخطوة الثالثة فتتمثل بأن تصبح المملكة مركزاً لهذه الصناعة.

كما تدرس المملكة إنشاء "بورصة المعادن السعودية" للتأكد من مدى إضافة قيمة للمملكة والعالم، في وقت تستهدف فيه طرح أكثر من 30 رخصة تعدينية خلال العام الحالي، بواقع 8 رخص استكشاف في كل ربع.

ووفق تصريحات أدلى بها المديفر، في شهر يناير الماضي، فإن العمل جارٍ مع جهات منها وزارة التجارة، وهيئة السوق المالية، ورجال أعمال، لإنشاء البورصة.

ولفت المسؤول السعودي إلى ارتفاع عدد طلبات تراخيص الكشف من الشركات الأجنبية الكبيرة التي تمثل نحو 25% من طلبات التعدين، وذلك في ظل الثروات التي تتمتع بها المملكة.

التحديات

تواصل وزارة الصناعة والثروة المعدنية سعيها للتغلب على تحديات تنمية قطاع التعدين الذي يحتاج لبيئة جاذبة للاستثمارات، ورؤوس أموال كبيرة، ونظرة استثمارية طويلة الأمد.

وهناك عدة أمور تشكل تحدياً لهذا القطاع، أولها ارتفاع أسعار المواد الكيميائية وقطع الغيار وغيرها من المواد المستخدمة في معالجة الخامات، وفق تقرير صدر عن "ملتقى أسبار"، في يونيو من عام 2023.

التقرير أشار إلى أن من بين التحديات اعتماد العديد من الصناعات الأساسية والتحويلية على استيراد العديد من الخامات التعدينية مثل "الكاولين"، و"الجارنت" و"الكوارتز النقي"، وبعض أنواع من "الفلسبارات".

كما أن المناجم أو المحاجر الحالية لن تسد حاجة المصانع المحلية في حال توقف سلاسل الإمداد، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى بذل مزيد من أعمال الاستكشاف والتنقيب في مواقع جديدة، إلى جانب أن الموارد المحلية من المعادن لا تفي باحتياجات العديد من المصانع في حال انقطاع أو تأثر سلاسل الإمداد.