علاقات » اسرائيلي

أوساط إسرائيلية: الرياض أهم من رفح

في 2024/05/02

من الصحافة العبيرة - ترجمة القدس العربي- 

تقول مصادر في إسرائيل إنها متشائمة من احتمالات إتمام صفقة، في ظل تباطؤ “حماس” في الرد على المقترح المصري، واشتراطها من قبل يحيى السنوار بضمانات الآن تكفل عدم عودة جيش الاحتلال للقطاع.

 في التزامن، عاد رئيس حكومتها للتهديد باجتياح رفح، بقوله إن احتلالها غير مرهون بصفقة، وإنه سيتم في كل الأحوال.

 هذه التهديدات المتكررة منذ شهور يرى فيها بعض المراقبين الإسرائيليين محاولة للتكاتب مع جمهوره المتشدّد، وإرضاء للوزراء المتشددين الراغبين بمواصلة الحرب، معتبرين وقفها الآن انتصاراً لـ “حماس”.

لكن الولايات المتحدة تخشى أن يتحول التهديد لفعل، نظراً لتورّط إسرائيل في طريق مسدود وعالقة، لم يعد أمامها ما تفعله سوى القبول بإنهاء الحرب، أو البحث عن سبب ومبرر لمواصلتها، والانسحاب للأمام، وربما الطمع بصورة انتصار في رفح على أساس الزعم أن بقية قوة “حماس” العسكرية (أربع كتائب فقط) موجودة هناك.

على هذه الخلفية، وبعدما اتهم وزير الخارجية الأمريكي بلينكن “حماس” بعرقلة الصفقة رغم “المقترحات السخية”، عاد أمس وقال إن الولايات المتحدة تعارض اجتياحاً لرفح، بقوله إنها تهدد الصفقة، وتبعد التطبيع مع السعودية، خاصة أن بلاده لم تر بعد خطة إسرائيلية تكفل سلامة الغزيين المتكدّسين في رفح.

مفترق طرق تاريخي

وتعتبر جهات متزايدة في إسرائيل أنها تقف على مفترق طرق تاريخي، وتدعوها للذهاب لصفقة كبرى تنهي الحرب تستعيد المخطوفين وتخرجها من عزلة دولية غير مسبوقة، وتشمل تطبيعاً مع السعودية ثماره كبيرة، وفي المقابل هناك أوساط تحذر من وقف الحرب، ومن عدم اجتياح رفح، لأن ذلك يبقي “حماس”، ويعني انتصاراً لها، ما سينعكس على هيبتها وقوة ردعها بعيون الحلفاء والأعداء، كما يقول بعض الوزراء المتشدّدين وأبواقهم.

 ومقابل رفح تدعو واشنطن إسرائيل للذهاب لرفح ورام الله، كما جاء في رؤيتها التي يعبّر عنها المعلق الأمريكي توماس فريدمان، المقرّب من البيت الأبيض، في مقالاته المنشورة في نيويورك تايمز. ففي مقاله قبل الأخير توجّه فريدمان لنتنياهو وشدّدَ على أنه موجود أمام مفترق طرق مصيري؛ رفح أو الرياض. وشمل المقال تلميحات لرؤية واشنطن للصورة الإستراتيجية للمنطقة: صفقة مع “حماس” مقابل تطبيع مع السعودية.

مسار التفافي بدون اسرائيل

على خلفية تردّد وتعنّت نتنياهو حيال الصفقة السياسية الكبرى، التي تشمل تسوية الدولتين المرفوضة من قبل جلّ ائتلافه الحاكم، يحذّر عددٌ من المراقبين في إسرائيل من تفويت فرصة تاريخية لأن الولايات المتحدة والسعودية تخشيان من أن تعنّت إسرائيل لأسباب سياسية داخلية تهدّد تعاونهما الإستراتيجي، لذا فقد شَرَعا في التخطيط بمسار جديد يلتف على إسرائيل.

ومن هؤلاء المراقبين الذين يتطابقون مع موقف رئيس المعارضة يائير لبيد الداعي لـ “الصفقة الكبرى” المذكورة، محرّر الشؤون الشرق أوسطية في صحيفة “هآرتس” تسفي بار إيل الذي يقول إن أمريكا تحاول إقناع نتنياهو بها، كما تفعل الأم مع طفلها عندما تعرض عليه هدية كي يكفّ عن رفضه ابتلاع حبة دواء مرّة.

ويوضح بار إيل أرباحاً كبيرة مترتبة على هذه الصفقة، بقوله إنها علامة فارقة تخدم مصلحة إستراتيجية لإسرائيل: اعتراف عربي إسلامي بها وباحتياجاتها الأمنية، ويفتح أمامها آفاقاً اقتصادية كبيرة، وتشق الطريق لدول إسلامية أيضاً، مثل أندونيسيا وماليزيا وباكستان لدخول دائرة التطبيع، وتشكيل درع حام مقابل إيران.

رفح ليست مربط الفرس

ويتفق معه مستشار الأمن القومي الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، الذي قال، صباح اليوم الخميس، للإذاعة العبرية إن عملية رفح ليست مهمة جداً، ولن تؤدي لإسقاط “حماس”، فالقضاء على كتائبها الأربع المتبقية هناك لن يحسم الحرب عسكرياً، بعكس ما يقال من قبل إسرائيل الرسمية.

 ورداً على سؤال لماذا إذن تتعنّت الحكومة وتبدو مصممة على اجتياح رفح حتى بالتدريج وبطريقة تكتيكية مختلفة، قال آيلاند إن هذا يعكس ورطة إسرائيل بعدما أخطأت في الرهان على الضغط العسكري فحسب، بدلاً من استخدام رافعات أخرى مثل الحصار ومنع المساعدات والسعي لطرح بديل سياسي لـ “حماس”، أي ما يعرف بـ “اليوم التالي” لـ أسباب سياسية داخلية. ويشير ايلاند مجددا بحيوية الصفقة الكبرى المطروحة الآن من قبل واشنطن بـ مشاركة دول غربية وعربية والسلطة الفلسطينية. ويذهب زميله قائد غرفة العمليات سابقاً الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف للتحذير من كارثة إسرائيلية في رفح نتيجة ثمنها بالنسبة للجيش، والأهم كونها مقتلة للمدنيين ما سيدفع العالم لمعاقبة إسرائيل وتعميق نبذها، وهي أصلاً تعاني أزمة دولية حقيقية تتمثل الآن بخطر صدور مذكرات اعتقال للقيادات الإسرائيلية.

الفرص

ويكرّر رئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، رئيس الاستخبارات العسكرية سابقاً، الجنرال في الاحتياط تامير هايمان موقفه الداعي للذهاب لصفقة كبرى، فيقول، في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية، إن التسوية الإقليمية في الشرق الأوسط، التي تتضمن إنهاء الحرب في غزة والتطبيع مع السعودية، يجب أن تمرّ بثلاث محطات، وأن تتضمن قرارَين مصيريَّين، معتبراً أن المخاطر الحقيقية أكبر من الفرص، لكن الفائدة الإستراتيجية هائلة.

في الحديث عن الفرص يقول هايمان: يبدو أن الاقتراح المطروح يتلاءم مع الشروط السابقة التي طرحتها “حماس”. إذا جرى قبول المقترح، فسنكون على طريق هدنة طويلة يمكن استغلالها للتوصل إلى وقف إطلاق نار مع “حزب الله”، وانسحاب قواته من الجنوب، وتمكين الإسرائيليين سكان الشمال من العودة لديارهم.

كما يشير إلى أن الائتلاف العربي- الغربي، الذي يعمل بالتنسيق مع إسرائيل، يريد تحمُّل المسؤولية عن الإدارة المدنية في غزة والمساعدة في إعادة إعمارها. والولايات المتحدة، التي تقود هذا الائتلاف، تجذب في هذا الاتجاه، وتضمن نجاح العملية، إذا وافقت إسرائيل على الشروط. منبهاً أيضاً إلى أن الولايات المتحدة والسعودية تواصلان الدفع قدماً بالتطبيع، وبالنسبة إلى إسرائيل، المقصود منعطف إستراتيجي جوهري ضد إيران بصورة خاصة.

المخاطر

وبالنسبة للمخاطر يضيف: “إذا كانت “حماس” في حالة انتصار، فمن المحتمل أن يتشدد السنوار في مواقفه، بحيث يمنع إتمام الصفقة، أو يؤجلها. في هذه الحالة، المفتاح الموجود في يد الحكومة الإسرائيلية يتمثل في الضغط العسكري، والقيام بعملية في رفح. وإذا لم تُنسَّق هذه الخطوة مع الولايات المتحدة، فقد تعرّض استمرار الدعم الأمريكي للخطر. وقبل كل شيء، فإن الوضع الحالي، وضع الجمود والمراوحة، يضيّع الوقت الثمين الباقي من أجل إنقاذ المخطوفين”. كما يقول إن إجراء هذه العملية مشروط بأن تكون السلطة الفلسطينية ضالعة فيها، وهي التي تطلب تدخُّل الدول العربية، بموافقة إسرائيل.

 ويضيف هايمان:”ستقوم السلطة الفلسطينية بهذا كجزء من عملية ستؤدي، في رأيها، إلى الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف. ورغم أن المقصود رؤيا، وليس خطة حقيقية، فإن هذه الفكرة لا تحظى بتأييد الحكومة الإسرائيلية الحالية. وبغياب عنوان آخر، يبدو أن “حماس” ستعيد بناء الوضع المدني في غزة، وستواصل السيطرة على إدارة القطاع كأداة لترميم سلطتها وقوتها العسكرية”.

خلاصة

وفي إطار المخاطر يقول هايمان إنه بالنسبة إلى السعودية، لا يشكل التطبيع مع إسرائيل مصلحة جوهرية، بل بالعكس، فالسعوديون يصرّون على أن يكون المكوّن السياسي الفلسطيني جزءاً من العملية أمام العالم العربي. ربما سيكتفون فقط بمجرّد “رؤيا الدولتين”، لكن ثمة شكاً في أن توافق الحكومة الإسرائيلية، بتركيبتها الحالية، على ذلك.

ويخلص هايمان لقول ما تقوله أوساط إسرائيلية واسعة: نحن أمام مفترق طرق. قرار الموافقة على وقف الحرب في مقابل عودة المخطوفين، وقرار الموافقة على عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة غزة، هما قراران يعودان إلى إسرائيل. يمكن لهذين القرارَين الصعبَين تحسين وضع إسرائيل الإستراتيجي في الشرق الأوسط بصورة كبيرة، لكنهما لا يضمنان هزيمة “حماس”، وبالتأكيد، لا ينطبق عليهما شعار “النصر المطلق” (على خلفية إخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر).