المكتبة » عقيدة

تهذيب الكواشف الجلية

في 2015/05/28

تهذيب الكواشف الجلية


إعداد
صالح بن سعد الحسن

 
المقدمة
 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا تهذيبٌ لكتاب (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية) للشيخ أبي محمد المقدسي فك الله أسره، أردت به نُصْحَ المسلمين لِتحصلَ لهم النجاةُ من شَرَك هذه الدولة الخبيثة، وذكرت ما به يحصل الغرض من إثبات كفر هذه الحكومة في اختصارٍ شديدٍ ليسهل تصويرُه وتوزيعُه والاطلاع عليه، وكنت آمل أن أستأذن من الشيخ أبي محمد في هذا التهذيب ولكنه اليوم في سجون طواغيت الأردن فالله حسبنا ونعم الوكيل.
 واعلم أخي المسلم أن أبا محمد قد كتب هذا الكتاب قبل نحو عشر سنوات، أي قبل ولوغ هذه الحكومة في مزيدٍ من ظلمات الشرك والكفر، والإصرار على كفرياتها السابقة مع تعاقب النصائح وتكرر الحجج وتبيّنها، مما يقطع أي شبهةٍ لهؤلاء الحكام في عذرٍ من جهلٍ أو تأويلٍ.
فلقد كان آخرُ تلك الطوام حكمَهم بالحكم الوضعيّ في قضايا الإعلام حيث منعوا إحالة قضاياه إلى المحاكم الشرعية، وأوجبوا إحالتها لمحكمةٍ خاصةٍ كما نَصّ عليه تعميمُ مَنْ يُسمّى بوزير العدل وأشارت إليه الفتوى الملحقة بآخر هذا التهذيب.
 ومن كفرياتهم الأخيرة التي اعترفوا بها مظاهرتهم المشركين على المسلمين حيث أصدرت سفارتهم في أمريكا تقريرا مفصلا عن جهود دولة خائن الحرمين في محاربة الإرهاب بعد غزوة الحادي عشر من سبتمبر، وقد عُلِمَ يقيناً من واقعنا أن هذه الحرب العالمية على الإرهاب إنما هي حربٌ على الإسلام عموماً وعلى المجاهدين من أهل التوحيد خصوصاً.
وقد افتتحوا هذا التقريرَ بهذه العبارة حسب ترجمة جريدة الوطن السعودية:
(بعد أحداث 11 سبتمبر المروعة، تمَّ تشكيلُ تحالفٍ يَضُمّ أكثر من 100 دولة لمكافحة الإرهاب. المملكة العربية السعودية شريكٌ كاملٌ في هذا التحالف. وقد أصدر مكتبُ مُنَسِّق مكافحة الإرهاب تقريراً في 21 مايو 2002م بعنوان "أشكال الإرهاب العالمي" نص على أن: "المملكة العربية السعودية أعادت تأكيد التزامها بمكافحة الإرهاب وتجاوبت بشكلٍ إيجابي مع مطالبَ بإجراءاتٍ فعليةٍ لدعم جهود التحالف ضد تنظيم القاعدة وطالبان. وقد أدان الملك، وولي العهد والزعماء الدينيون المعينون من قبل الحكومة ووسائل الإعلام الرسمية علناً وبصورة مستمرة الإرهابَ).
وفي خاتمة هذا التهذيب ألحقت به ثلاثة ملاحق مهمة وهي (بيان السفارة السعودية لدى أمريكا)، وفتوى في "استنكار التحاكم إلى محكمة الإعلام"، وصورة التعميم المانع من إحالة قضايا الإعلام إلى المحاكم الشرعية، والله المسؤول أن يرفع الغشاوة وأن يهدي ضال المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
صالح بن سعد الحسن/الرياض
24/10/1424 هـ
 
اعلم أخي الموحد أنّ هذه الحكومة السعودية الخبيثة وقعت فيما يلي من نواقض الإسلام:
الناقض الأول
الإلزام بالقوانين الوضعية وتحليل الحرام
فإن هذه الحكومة على المستوى الداخلي تشرِّع في كثيرٍ من المجالات قوانينَ وضعيةً تُحَكّمها وتلزم الخلق بها ولكنها تخادعهم - تمشياً مع سياسة التلبيس التي تنتهجها - فلا تطلق عليها كلمة (قوانين) بل تسميها: (أنظمة) أو (مراسيم) أو (تعليمات) أو (أوامر) أو (لوائح) أو (سياسات)، والمتتبع لقوانينها في مجالات مختلفة تتضح له هذه الحقيقة بوضوح تام.
جاء في كتاب (الأحكام الدّستورية للبلاد العربية)( ) تحت عنوان (دستور المملكة العربية السّعودية): "وكلمات (قانون) و (تشريع) و (شريعة) لا تطلق في السّعودية إلا على الأحكام الواردة في الشّريعة الإسلامية، وما عداها من أحكام وضعية، فيُطلق عليه فيها تعبير (أنظمة) أو (تعليمات) أو (أوامر)..." أهـ.
وجاء في كتاب (الوجيز في تاريخ القوانين) للدكتور محمود عبد المجيد المغربي ص443 تحت عنوان (حركة التّدوين والتّشريع في المملكة العربية السعودية) بعد أن ذكر أنّ التشريعات كانت قديماً إسلامية بسيطة‍! قال وهو يتكلّم على سبيل المدح: "تغيّر هذا الوضع بعد قيام الدّولة السّعودية وظهور الثّروات الطبيعية، ممّا دعا إلى الإصلاح!والتغيير ودخول عناصر جديدة في حياة أهل البلاد فقامت الشّركات الأجنبية وأصبحت لها امتيازاتٌ خاصة، إلى أن قال: لهذه الأسباب كان لا بد من مواجهة الحياة الجديدة بسنّ تشريعات تلائم الحاجات المستجدة فصدرت:
 - تشريعاتٌ في أصول المحاكمات.
 - والقوانينُ التجارية.
 - والقوانينُ الجزائية.
 - وتشريعاتُ العمل والعمّال.
 - والضرائبُ وغيرها...".
وقال عن القوانين التجارية: "يعتبر قانون التّجارة البرية والبحرية المعروف باسم (النظام التجاري) من أهم القوانين التجارية السعودية وقد صدر هذا القانون سنة 1931 وهو على غرار القوانين التجارية الحديثة عربيةً كانت أم أوروبيةً يبحث في أصول المحاكمات التجارية وتسجيلها من القوانين التجارية الهامة إلى جانب القوانين الأخرى المتعلّقة بالتجارة".
وقال في القوانين الجزائية - طبعاً بعدما ذكر أنّ الشريعة لازالت مطبّقة في هذا المجال - قال: "مع بعض التعديلات التي اقتضتها المصلحة العامة".
وقال في قوانين الضرائب: "اقتضت المصلحة أيضاً سن تشريعات ضرائبية للدول بسبب ازدياد نفقاتها للقيام بالمشروعات الاقتصادية والاجتماعية، فصدر قانون ضريبة الدخل في سنة 1950م".
هذا ما ذكره هذا الكاتب والحقيقة أن تشريعاتهم وقوانينهم التي سنّوها ويسنّونها مع الأيام أكثر من ذلك بكثير فهو لم يذكر على سبيل المثال:
 - نظام مراقبة البنوك الصّادر، بالمرسوم الملكي رقم (م/5) لسنة 1386ه( ). ومن مواده مادة أولى: فرع (ب): يقصد باصطلاح (الأعمال المصرفية) " أعمال تَسَلُّم النقود كودائع جارية أو ثابتة وفتح الحسابات الجارية وفتح الاعتمادات وإصدار خطابات الضمان ودفع وتحصيل الشيكات أو الأوامر أو أذون الصرّف وغيرها من الأوراق ذات القيمة وخصم السّندات والكمبيالات وغيرها من الأوراق التجارية وأعمال الصرّف الأجنبي وغير ذلك من أعمال البنوك " اهـ ومحل الشاهد منه هو الإطلاق الأخير فما الفرق يا أولي الألباب بين تشريعات البنوك في أمريكا وأوروبا والبلاد العربية الطاغوتية الأخرى وبينها في هذه الدّول الخبيثة... إنّ الباب مفتوح على مصراعيه في هذه المادة وبوضوح تام لإباحة بل وحماية جميع معاملات البنوك بلا قيد أو استثناء وفي هذا بالطبع إباحة للرّبا تماماً كما هو الحال في بقية الدّول الطاّغوتية العربية والغربية يؤكد إرادة هذا الإطلاق الذي لا يستثني الربا ما يعلم قطعاً من أنّ الربا في دولة التوحيد المزعوم مباحٌ يحرسه ويحميه القانون فإنك أخي الموحّد قارئ هذه الورقات إن كنت ممن ميزوك عن أهل الجزيرة وسجلوك في سجل الأجانب أو في لغة البادية عندنا (الخوارج) وحرموك من الانتساب لعائلتهم - وهنيئاً لك - وكنت ممن لا يحمل التابعية السعودية! وأسعدك الحظ ذات يوم، بعد طولِ كدٍّ وعناءٍ فحصلت على تأشيرة حج أو عمرة ... وأنعم الله عليك فتجاوزت النقاط السعودية الحدودية بسلام، ووصلت إلى مكة أو المدينة حرسهما الله من فساد آل سعود وكفرياتهم... فإن من أول ما تلحظه من بصماتهم الخبيثة القذرة على هاتين المدينتين، بل وعلى دولة التوحيد! وجزيرة العرب كلّها تلك البنوك الربوية المنتشرة في كل مكان... فسترى وأنت خارجٌ من أبواب الحرم عن يمينك وعن يسارك وحين تتجول في شوارعه... من أمامك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك إذا أطللت من شرفات عماراتهم وفنادقها؛ فروعاً عديدة لبنوك ربوية كثيرة... فترى البنك السعودي البريطاني والبنك السعودي الأمريكي - طبعاً - والبنك السعودي الفرنسي والبنك السعودي الهولندي والبنك العربي الوطني وبنك القاهرة السعودي وبنك الجزيرة وبنك الرياض والبنك الأهلي التجاري وغير ذلك مما لا يحضرني إحصاؤه الآن...
هذه البنوك تعمل بالطبع تحت سمعِ وبصرِ وحمايةِ ورعايةِ الدولة وفي ظل تشريعاتها الربوية... فلا يعقل أخي الكريم أن تظهر هذه البنوك رغماً عن أنف الحكومة ودون رغبتها وإرادتها.. أو أن تظهر وتقوم هكذا خبط عشواء بلا تشريعات وقوانين أو (أنظمة كما تسميها حكومة التلبيس) تُنَظِّمُ أمور هذه البنوك وأعمالها وتحدد المقدار الربوي المسموح به في التعاملات والحسابات والقروض، وتبيّن أوجه المعاملات وأنواعها المباحة من المحظورة... هذه كلّها أمور بدهية ما دامت هذه البنوك موجودة قائمة مصرحاً لها... وقد قدمنا إليك فيما مضى الفرع (ب) من المادة (1) من قانون مراقبة البنوك السعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/5) لسنة 1386ه والتي أعطت الشرعية لهذه البنوك وأباحت لها القيام بجميع ما يدخل تحت لفظة أعمال البنوك مطلقاً دونما قيد أو استثناء...( ).
فأين حامي أو حرامي الحرمين من هذا الباطل العظيم والإفك المبين... لماذا لا يحمي الحرمين ويطهّرهما من هذا الرجس والحرام... أتراه مستضعفاً ومكرهاً وهذه الأمور والتشريعات والبنوك تقوم رغماً عن أنفه... لا، والله بل برضاه وإقراره وتوقيعه وإذنه وتصريحه ومرسوماته!
 وقد جاء في مذكرة النصيحة( ) من توصيفها لواقع الأنظمة في المملكة الانتقادات التالية:
" - اعتبرت بعض الأنظمة الشريعة الإسلامية مصدراً احتياطياً للتشريع والقضاء ومثال ذلك المادة التاسعة من نظام هيئة تسوية المنازعات لدول مجلس الخليج العربي، والمادة (185) من نظام العمل والعمال.
 - أجازت بعض الأنظمة أموراً محرمة لمن يتعلق بهم ذلك، نحو إباحة إصدار سندات قرض للشركات المساهمة، وإباحة عقود التسهيلات الائتمانية وحسابات الفوائد بالبنوك، وهي جميعاً في حقيقة أمرها وثائق ربوية.
 ونحو التمييز بين المسلمين في مواد بعض الأنظمة باعتبار الموطن الإقليمي مخالفة بذلك أحكام دار الإسلام.
 ونحو إسقاط الحقوق وعدم سماع الدعاوى بالتقادم كما في نظام العمل والعمال ونظام الأوراق التجارية بعد مضي مدد معينة.
ونحو الإذن بالتجسس وتفتيش البيوت المحرم شرعاً في اللائحة التنظيمية للتحقيق والادعاء للمتهمين وغير المتهمين بهدف إثبات الجرم، مع أن الأصل براءة الذمة وأنه لا يجوز التجسس أو انتهاك حرمة البيوت بالآيات القرآنية القطعية، ولم يُستثن في ذلك إلا استنقاذ حرمةٍ محقق هلاكها ويفوت استدراكها كقتل نفس أو انتهاك عرض كما فصّل الفقهاء" اهـ.
فكل ما سبق مما وقعت فيه الحكومة السعودية هو من الكفر البواح الصريح.
قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة التوبة/31].
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنّه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمِروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون} [التوبة: 31]، فقال: (إنّا لسنا نعبدهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟ فقال: بلى، فقال صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم). رواه الترمذيّ وحسّنه
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتّفاق الفقهاء".
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: (فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمّد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر) .
 وقال الشيخ محمّد حامد الفقي: (الذي يُستخلص من كلام السلف..: أنّ الطاغوت كلّ ما صرف العبد وصدّه عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجنّ الشياطين والإنس والأشجار والأحجار وغيرها، ويدخل في ذلك بلا شكّ: الحكم بالقوانين الأجنبيّة عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كلّ ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله، من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك ممّا أخذت هذه القوانين تحلّلها وتحميها بنفوذها ومنفّذيها، والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروّجوها طواغيت)  .
وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله: (ومن أصدر تشريعاً عامّاً ملزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يخرج من الملّة كافراً) .
ويقول الشيخ أحمد شاكر: (إنّ الأمر في هذه القوانين الوضعيّة واضحٌ وضوحَ الشمس، هي كفرٌ بواحٌ لا خفاء فيه ولا مداراة، ولا عذرَ لأحدٍ ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤٌ لنفسه، وكلّ امرئ حسيب نفسه)  .
وقال الشيخ حمود العقلا: (فتبين من الآية الكريمة من حديث عدي بن حاتم أن التحليل والتحريم والتشريع من خصائصه سبحانه وتعالى، فمن حلّل أو حرّم أو شرع ما يخالف شرع الله فهو شريكٌ لله في خصائصه.
ومما تقدم من الآيات الكريمة وتعليقنا عليها يتبين أنّ مَنْ حكم بغير ما أنزل الله وأعرضَ عن شرعِ الله وحكمِه أنه كافرٌ بالله العظيم خارجٌ من الإسلام، وكذلك مثلُه مَنْ وضع للناس تشريعاتٍ وضعيةً، لأنه لولم يرض بها لما حكم بها، فإن الواقع يكذبه، فالكثير من الحكّام لديه من الصلاحيات في تأجيل الحكم، وتغيير الدستور والحذف وغيرها.
وإن تنزلنا وقلنا إنهم لم يضعوها ويشرعوها لشعوبهم فمن الذي ألزم الرعية بالعمل بها ومعاقبة من خالفها؟
 وما حالهم وحال التتار الذي نقل ابنُ تيمية وابنُ كثير رحمهما الله الإجماعَ على كفرهم ببعيد، فإن التتار لم يضعوا ولم يشرعوا (الياسق)، بل الذي وضعه أحد حكامهم الأوائل ويسمى (جنكز خان)، فصورة هؤلاء كحال أولئك) .
 
الناقض الثاني
الحكم بغير ما أنزل الله
في السّعودية اليوم... محاكم شرعية يخادعون بها العمي والصم... وأخرى مدنية يسيّرون بها سياساتهم وأحوالهم وشؤونهم المخالفة للشريعة... ولكن كالعادة وتمشياً مع سياسة التلبيس... يلبسونها أثواباً وأسمالاً شتى لا تصادمهم مع الناس ولا تحرج مشايخهم الذين هم أكبر وأعظم أعمدة السّلطة، تماماً كما يفعلون مع القوانين الوضعية فيسمّونها (أنظمة) و (مراسيم) وغير ذلك... ويتجنبون قدر الإمكان أسماء (قانون) و (قوانين) فكذلك الحال في هذا الباب... ففي مجال المحاكمات العسكرية قد جعلوا لها ديواناً خاصاً آخر سمّوه (ديوان المحاكمات العسكرية) يتم فيه التحاكم إلى قانون وضعي سمّوه (نظام الجيش العربي السّعودي) الصادر بتاريخ 11/11/1366هـ، وتحال إلى هذا الدّيوان قضايا ومحاكمات العسكريين بما فيهم المتقاعدين. ونظام الجيش أو قانونه هذا خليطٌ من قوانين وضعية شرعوها هم، وأحكام أخرى شرعية تردع الخارجين على عروشهم وحكوماتهم كحدّ الحرابة وأمثاله...
وإليك أمثلة من قوانينهم الوضعية فيه:
حدّ السّرقة الذي يزعمون إقامته وتطبيقه في دولتهم... طبعاً لن نكرر تفاصيل تلاعبهم في هذا الحد وإقامتهم له على الضّعيف وتعطيله عن الشّريف... فالقوم قد تعدّوا هذا المستوى منذ أمد طويل... وقد ولجوا وبكل فخرٍ أبواباً شتى من الكفر والزندقة والمحادة لله بتشريع ما لم يأذن به الله والتّحاكم إليه...
فمن المعلوم في الشريعة أن السارق تُقْطع يده عسكرياً كان أم مدنياً... أمّا في دولة أمير المؤمنين؟ فلا يمشي هذا عندهم... لذلك شرّعوا قوانين خاصّة للسّرقة بين العسكريين.. تستبدل حدّ السّرقة بالسّجن تماماً كما هو حاصلٌ في الدّول الأخرى التي تجاهر وتعلن بتحكيم القوانين..
جاء في القانون المذكور في (الفصل الثامن) مادة رقم (112): (ضابط الصّف والجنود الذين يسرقون شيئاً من أشياء الضّباط ونقودهم ومن هم مختلطون بهم وقاطنون معهم في محل واحد أيّاً كان ذلك المحل فإذا كان من المستهلكات يكلف بدفع قيمتها المستحقّة إن سبق في عينها التّلف ويسجن من شهر ونصف إلى ثلاثة أشهر...".
تأمّل التّلاعب في دين الله، بينما إذا سرق شيئاً من الأهالي مع استعمال العنف فإنّه يحال إلى المحاكم الشرعية! كما في المادة (116) من القانون نفسه.
فهناك إذاً جهتان حاكمتان (جهة ٌتحكم بالقوانين الوضعية...، وجهةٌ بزعمهم تحكم بأحكام شرعية...). وكيف يتم التوزيع... والتّلاعب؟ ومن الذي يوزع الاختصاصات؟ يتم ذلك بالطبع عن طريقهم هم، فالمادة رقم (20) و (22) من الفصل الثالث من القانون نفسه وتحت عنوان (توزيع الاختصاص) تبين أنّ هناك من الجرائم ما تختص به المحاكم الشرعية وهناك منها ما يختص به (ديوان المحاكمات)، وتنص المادة (21) من القانون نفسه على أنّه: "إذا ظهر لكل من جهتي الاختصاص عدم أحقيتها فيما تحال إليها من محاكمات أو المرافعات التي تكون خارج اختصاصها فعليها إعادتها إلى الجهة التي وردت منها مع بيان أسباب ذلك... وكلُّ حكمٍ يصدر من الجهتين خارجاً عن حدود اختصاصها يُعْتبرُ مَلْغِياً ويعاد النظر فيه ثانياً من الجهات المختصة" أهـ.
تأمّل هذه الزّندقة المكشوفة...
وهذا يعني... أنّه لو سرق جنديٌ من الجنود أموالَ ضابطٍ من الضّباط وأن ذلك الضاّبط استيقظ ضميره! وهداه الله وكَفَرَ بقوانين دولته الوضعية ورفض التّحاكم إلى (قانون الجيش السّعودي) وذهب إلى محكمةٍ شرعيةٍ وأقام البيّنة والشّهود على السّارق وحكمت له المحكمة بالحكم الشرعي وبالحد على السارق فإن للحكومة وللجيش ولذلك الجندي أن يلغي هذا الحكم الشّرعي ويعطّل حد الله سبحانه وتعالى في السرقة في ظل حماية هذه المادة الكفرية الخبيثة... ويحق له أن يعيد النظر في قضيته ويحوّلها إلى (ديوان المحاكمات العسكرية) رغماً عن أنف ذلك الضّابط ورغماً عن أنوف أولئك المشايخ والقضاة الشّرعيين... ويحكم له طبقاً للمادة (112) من القانون الهزيل المتقدم الذّكر... وينتهي الموضوع ليعود مرة أخرى بعدها لممارسة السّرقة وغيرها!
أرأيتم يا دعاة التوحيد إلى دولة التوحيد المزعوم! أرأيتم التلاعب الصريح في دين الله تعالى... والتشريع معه... مالم يأذن به سبحانه وتعالى؟
وجاء في مذكرة النصيحة : (نبين مشاهدات عن الواقع القضائي... يتلخص أهمها في ما يأتي:
1) وجود ازدواجية في القضاء باختلاف الجهات المنوط بها صلاحية الحكم أو فصل النزاع أو التعزير، حيث يوجد في أجهزة الدولة بالإضافة إلى المحاكم الشرعية ما يزيد على ثلاثين لجنة ذات اختصاص قضائي تستند في أحكامها إلى الأنظمة التي تشكلت بموجبها تلك اللجان...
2) نصّت معظم الأنظمة القائمة على تشكيل لجانٍ وهيئاتٍ لها صلاحيات القضاء وملزمة وفق أحكام ومواد النظام، حيث يوجد ذلك على سبيل المثال في نظام العمل والعمال، ونظام الأوراق التجارية، ونظام المحكمة التجارية، ونظام الشركات، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام العقوبات العسكري، ونظام محاكمة الوزراء، ونظام مكافحة الرشوة، إلى غير ذلك من أنظمة، كما جعلت بعض الأنظمة أعضاء هذه اللجان من القانونيين، كما في نظام التعدين والذي نص على أن أحكامه مُخَصّصٌ لها هيئةٌ من القانونيين العالميين، وكلّ هذا مخالفٌ للشرع نظراً لأنه جعل القضاء وفق أحكام النظام وأدى إلى عزل القضاء الشرعي عن النظر في هذه الجوانب من حياة الناس، هذا فضلاً عن التضارب بين أحكام القضاء وتلك الأنظمة) اهـ.
هذا هو الواقع وأما الشرع فيقرر أن فاعلَ هذا الذنبِ كافرٌ بالله العظيم قال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سورة المائدة/45].
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضةً ومعاندة لقول الله عز وجل {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء/59])  
قال الشيخ حمود العقلا رحمه الله: فهذه الآية الكريمة نصٌّ في كُفْرِ من عَدَل عن حكم الله ورسوله إلى غيره.
وقد حاول الجهلةُ من مرجئةِ العصر أن يصرفوا دلالة هذه الآية عن كفر الحاكم بغير ما أنزل الله فقالوا: الآية نزلت في اليهود، فلا يشملنا حكمها وهذا يدل على مدى جهلهم بالقواعد الأصولية التي وضعها علماء التفسير والحديث وأصول الفقه، وهي أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا نزل حكمٌ على سببٍ معينٍ فإنه لا يقتصر على سببه، بل يتعداه، فيشمل كل من يدخل تحت اللفظ، و (مَنْ) في الآية صيغة عموم، فلا يكون الحكم مقصورا على سببه إلا إذا اقترن به نص من الشرع يقصر الحكم على سببه، كقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أحد الصحابة رضي الله عنه: يا رسول الله إنه كانت لي عناقٌ أحب إليّ من شاة فضحيت بها فهل تجزئني؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك.
 وقالوا أيضا (أي المرجئة) قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن تفسير هذه الآية {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة/45] فقال ابن عباس: كفرٌ دون كفر، وفي رواية: ليس الكفر الذي يذهبون إليه.
والجواب عن هذا أن نقول: هشام بن حجير راوي هذا الأثر عن طاووس عن ابن عباس متكلمٌ فيه من قبل أئمة الحديث كالإمام أحمد و يحي بن معين وغيرهما، وقد خالفه في هذه الرواية عن طاووس من هو أوثق منه وهو عبدالله بن طاووس، وقد روى عن أبيه أن ابن عباس لما سئل عن تفسير هذه الآية قال: هي به كفر)  
 
الناقض الثالث
التحاكم إلى الطاغوت
فهذه الدولة تتحاكم إلى طواغيتٍ متعددة عربيةٍ وغيرِ عربيةٍ وتلتزم قوانينَها ومواثيقَها الطاغوتية فهي تحتكم إلى محكمة العدل الدولية، ومحكمة العدل الدولية كما نصت المادة (92) من ميثاق الأمم المتحدة هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتقوم هذه المحكمة باختصاصاتها وفقاً لنظام أساسي يعتبر جزءاً من ميثاق الأمم المتحدة الذي تؤمن وتسلّم به وتحترمه وتقرّه كلّ دولة تنضم إلى الهيئة، والسعودية في مقدمة هذا الركب الكفري، ومن البديهي أن نقول أن قضاتها المنتخبين ليسوا قضاة شرعيين مسلمين، وإنما هم - كما نصت (المادة الثانية) من (نظام المحكمة) (من المُشَرِّعين المشهود لهم بالكفاية في القانون الدولي!) والحكمُ والفصلُ في النزاع يكون بهوى ورأيِ أغلبيةِ هؤلاء المشرّعين الكفرة، كما في (المادة 55): "تفصل المحكمة في جميع المسائل برأي الأغلبية من القضاة الحاضرين وإذا تساوت الأصوات رجح جانب الرئيس"... وستعرف فيما يأتي أنّ في مواد هذا الميثاق ما ينصّ على أن للجمعية العامة في الأمم المتحدة أن تفصِل كل من انتهك مبادئ الميثاق، وأن لكل دولة منتمية لعضوية الأمم المتحدة حقّ اللجوء والتحاكم إلى محكمة العدل الدولية... بل قد تعهدت كل دولة من الدول الأعضاء - ومن ضمنها السعودية بالطبع - بأن تخضع لأحكام المحكمة في أية قضية تكون طرفاً فيها( )، كما هو نص (المادة الرابعة والتسعون) من ميثاق الأمم المتحدة: (يتعهد كل عضو من أعضاء "الأمم المتحدة" أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أي قضية يكون طرفاً فيها) ونص (المادة الثالثة والتسعون): (يعتبر جميع أعضاء "الأمم المتحدة" بحكم عضويتهم أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية).
فهذه الدولة التي تتستر خلف توحيدٍ مشوّهٍ ممسوخ مع جميع دول العالم الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة يتحاكمون إلى هذه المحكمة ونظامها الأساسي الكفري ويعتبرون أطرافاً فيه والذي هو جزء من الميثاق الذي لا يتم انضمام أي عضوِ للأمم المتحدة إلا بالتصديق عليه والتعهد بالتزام بنوده... ويتحاكمون إلى قُضَاتها الكفرة الذين تقوم بانتخابهم - كما نصت (المادة الثامنة) - الجمعيةُ العامةُ في الأمم المتحدة ومجلس الأمن كل على حدة...( ).
بقي أن يتعرّف الموحّد ويتعرف مشايخ السعودية على هذا النظام الأساسي الذي تحكم هذه المحكمة بمقتضاه وعلى أي القوانين يعتمد ويرتكز ويقوم... وإلى أيها يحتكم ويرجع...
ترى هل هو شرع الله؟ حكم الله؟ حدود الله؟ أم ماذا؟ تجيبنا على هذا وبكل وضوح وصراحة المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية... فَتُبَيِّنُ وتُعَدِّدُ مصادر القانون التي تطبقها هذه المحكمة الدولية الطاغوتية وهذا نصّها:
مادة (38): "1) وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاًً لأحكام القانون الدولي العام، وهي تطبق في هذا الشأن( ):
أ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دلّ عليه تواتر الاستعمال.
ج) مبادئ القانون العامة التي أقرّتها الأمم المتمدنة.
د) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام من مختلف الأمم".
أرأيتم ... يا دعاة التوحيد...
التحاكم يكون إذن عند النزاع إلى:الاتفاقيات الدولية - والعادات الدولية - ومبادئ القانون العامة وأحكام المحاكم ومذاهب كبار القانونيين - هذا هو القانون والشرع الذي تتحاكم إليه الدول كل الدول - في هذه المحكمة، ومن ضمن هذه الدول طبعاً حكومة خادم الحرمين!.. وهكذا يا مشايخُ يهدم التوحيد المزعوم... أليس هذا هو الإيمان بالطاغوت والتحاكم إليه.. ألم يقل سُبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء/60].
فكذّب الله عز وجل في هذه الآيات إيمانَ وتوحيدَ هذه الدولة وأمثالها مادامت تتحاكم إلى أيّ طاغوتٍ من طواغيت العالم... يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي السابق للدولة السعودية نفسها في فتواه حول تحكيم القوانين: "كذَّب الله إيمانهم بقوله (يزعمون) فكل من تحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد آمن بالطاغوت الإيمانَ المُوجِبَ لكفره بالله" أهـ.
كما تحتكم هذه الحكومة إلى هيئة تسوية المنازعات في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإليك مثالاً واحداً من (نظامها الأساسي) (قانونها) يُعَرِّفْكَ على الطّاغوت الذي تتحاكم إليه دول المجلس مجتمعةً عند النزاع ومن بينها بل وفي مقدّمتها (دولة المَقَرِّ)( ) أعني (السعودية).
(المادة التاسعة): (تصدر الهيئة توصياتها وفتاويها وفقاً:
 - لأحكام النظام الأساسي لمجلس التعاون.
 - والقانون الدولي.
 - والعرف الدولي.
 - ومبادئ الشريعة الإسلامية على أن ترفع تقاريرها بشأن الحالة المطروحة عليها إلى المجلس الأعلى لاتخاذ ما يراه مناسباً) أهـ.
أرأيتم يا دعاة التوحيد! أرأيتم يا هيئة كبار العلماء! هذه هي دولتكم، دولة التوحيد المزعوم.. لا تختلف أبداً عن غيرها من طواغيت الخليج... شريعة الله التي تتمسح بها أمامكم لِتُسْكِتَكُم ولِتُضَلِّلَكُم وتَلْبِسَ عليكم دينكم، توضع في آخر القائمة.. يسبقها في التحاكم وفصل النزاع: قانون المجلس (النظام الأساسي) ثم القانون الدولي الكفري ثم العرف الدولي الفاسد وأخيراً الشريعة الإسلامية.
الله جل ذكره يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء/59].
وطغاة الخليج بما فيهم حكام السعودية يقولون في تشريعاتهم: "إن تنازعتم في شيء فردّوه إلى نظام المجلس والقانون الدولي والعرف الدولي وأخيراً الشريعة الإسلامية) {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل/62]. {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ( ) [سورة الأنبياء/67].
فما تقولون يا دعاة التوحيد ويا علماء السنة! ويا حماة العقيدة؟! أمعصيةٌ هذا أم شركٌ أكبرٌ مخرج من الملّة؟
إن مثل هذا والله لا يخفى على صغار طلبة العلم فضلاً عمّن ينتسب إلى العلم والعلماء.
ومع هذا، فثقوا يا إخواني أنهم لم يضعوا (الشريعة الإسلامية) ولم يذكروها إلا للتلبيس والتدليس، تلبيساً لا يخفى والله إلا على عُمْي البصائر وغُلْف القلوب... وإلا فهل يَقبلُ أن يساويَ شريعةَ جبارِ السماوات والأرض، بشرائعِ وقوانينِ زبالات عقول اليهود والنّصارى، إنسانٌ في قلبه ذرّةُ تعظيمٍ وتوقيرٍ لدين الله ولشرعه فضلاً عن أن يجعلها في مؤخرة الركب ويقدّم عليها تلك القوانين الفاجرة والأعراف الفاسدة...
ثم هب أنّهم لم يقصدوا الترتيب في هذه المادة( ) فإن ذلك أيضاً لم يخرج من دائرة الشرك أرأيتم كفار قريش، ألم يكونوا يعتبرون الله هو رب الأرباب الأخرى فيعظمونه أكثر من تلكم الآلهة المزعومة؟.. ولكنّهم يشركونها معه كقول قائلهم في التلبية:
* لبيك لا شريك لك  إلا شريكاً هو لك  تملكه وما ملك *
فكذلك أتباعهم هؤلاء، فإنّهم وإن لم يقصدوا الترتيب والتقديم والتأخير في هذه المادة...بل لو قدّموا الشريعة الإسلامية وجعلوها في أوّل ما يتحاكم إليه ولكن أبقوا معها قانون المجلس والقانون الدولي والعرف الدولي... فإن هذا لم يخرج من دائرة الشرك أيضاً (شرك الطاعة في التشريع).
{أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}؟ [يوسف/39]
فحتى لو صدقوا في تحكيم بعض الشريعة، واستسلموا لها مع تلك القوانين والأعراف.. فإن هذا هو الشرك بعينه...
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتاويه: "وهذا الدين هو دين الإسلام، لا يقبل الله ديناً غيره، فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته، والمشرك والمستكبر عن عبادته كافران" اهـ  .
قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ}[سورة المائدة/72].
وقال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [سورة المائدة/48].
وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [سورة النساء/60].
قال الشيخ حمود العقلا رحمه الله : (هذه الآية الكريمة نصٌ في أنّ من يتحاكم إلى الطاغوت أو يُحَكِّمُه فقد انتفى عنه الإيمان بدليل قوله تعالى: {يزعمون أنهم آمنوا} إذ لو كانوا مؤمنين حقا لما عبّر عن ادعائهم الإيمان بالزعم، فلما عبر بالزعم دلّ على انتفاء حقيقة الإيمان بالله، كما أنّ في قوله تعالى {وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} دليلٌ أيضا على انتفاء حقيقة الإيمان عنهم، ويتضح كفرُ من تحاكم إلى الطاغوت أو حكّمه بمعرفة سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر المفسرون أن سبب نزول الآية أنها كانت بين رجلٍ من اليهود وآخرَ من غير اليهود خصومةٌ، فقال اليهودي: نترافع إلى رسول الله، وقال الآخر: بل نترافع إلى كعب بن الأشرف اليهودي، فنزلت هذه الآية، وقال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نترافع إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة، ويتحاكما إليه، فنزلت {ألم تر إلى الذين يزعمون... الآية}، وهذا الأثر المروي عن الشعبي وإن كان فيه ضعف إلا أن له شواهدَ متعددةً تعضده وتقوّيه، ووجه الاستشهاد بسبب نزول هذه الآية على كفر وردة من ذكروا فيها: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل الرجل الذي لم يرض بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، فلو لم يكن مرتدا لما قتله.
كما روي عن عروة بن الزبير أنه قال: اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فقضى لأحدهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر رضي الله عنه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم انطلقوا إلى عمر، فانطلقا، فلما أتيا عمر، قال الذي قضى له: يا ابن الخطاب: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى لي، وإن هذا قال: ردنا إلى عمر فردنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أكذلك؟ للذي قضى عليه فقال نعم، فقال عمر: مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخرج مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله.
وهذا الاختلاف الحاصل في سياق القصة لا يقدح في ثبوتها لاحتمال التعدد، كما أن في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء/61] دلالة على أن من صد عن حكم الله ورسوله وأعرض عنه فحكّم غيره أنه منافق، والمنافق كافر) اهـ.

الناقض الرابع
موالاةُ الكفار ومحبتُهم ونصرتُهم على المسلمين
فقد ثبت بما لايدع مجالاً للشك تولي طواغيت هذه الحكومة للكفار ومحبتهم وأخوتهم فهم يصرحون بذلك ليل نهار، ويجهرون به في إعلامهم وبياناتهم وخطاباتهم ويؤكدون عليه لمناسبة ولغير مناسبة، فهم يسمون دول الكفر بالدول الصديقة، ولا يتحرجون من إعلان عمق العلاقات الودية بينهم ويؤكدون أنها من الرسوخ بمكانٍ لا يستطيع أحدٌ أن يزحزحه أو يؤثر فيه، وهذا أمرٌ يعايشه الناس كلّ يومٍ فإعلامُهم لا يكاد يَنْفَكُّ عن ترديد هذه المعاني ونشرها بين الناس ومن أمثلة ذلك رسالة خائن الحرمين التي يهنئء بها الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بفوزه في الانتخابات التي بها تستمر رئاسته للدولة المحاربة للإسلام، في الوقت الذي كانت فيه الحرب بين المسلمين الشيشان وبين الروس على أشدّها فتأمل هذه الرسالة وما فيها من الوضوح والصراحة في موادة الكافرين:
(فخامة الرئيس فلادييمير بوتين؛
تلقينا نبأ فوزكم في الانتخابات برئاسة جمهورية روسيا الاتحادية، ونحن إذ نهنئكم على ثقة شعب روسيا بشخصكم وبقيادتكم لنرجو لكم ولشعبكم الصديق مزيدَ التقدم والازدهار وإننا لنأمل أن تكون قيادتكم عاملاً لاستقرار الأمن والسلام الدوليين كما نتطلع في الوقت ذاته إلى تطور ونمو العلاقات بين بلدينا وشعبينا.
راجين لفخامتكم التوفيق والسداد) .
ومظاهرةُ هؤلاء الطواغيت من حكام الدولة السعودية للكفار على المسلمين مما لا يخفى إلا على الحمقى والبله فقد كانت الطائرات الصليبية الأمريكية تنطلق من قواعدهم في جزيرة العرب لتضرب المسلمين في أفغانستان والعراق بأنواع الأسلحة والصواريخ والقنابل المدمرة لتقتل وتجرح وتهدم وتفتك وتعذب، وقد كان أهل التوحيد يتُهمون بأنهم يختلقون هذا الأمر ويفترونه على دولة التوحيد - زعموا - فأنطق الله ألسنة هؤلاء الطواغيت بما يقطع الطريق على المعتذرين لهم من المنافقين وعلماء السوء فأصدرت سفارتهم في دولة الصليبيين أمريكا البيان الذي أشرتُ إليه في المقدمة وسأورده كاملا ملحقا بآخر هذا الكتاب ومما جاء فيه:
 (ومنذ 11 سبتمبر، اتخذت حكومة المملكة العربية السعودية عدة إجراءات لمحاربة الإرهاب العالمي. وفيما يلي أمثلة مادية على هذه الإجراءات مأخوذة من تصريحات للقادة السعوديين، ومسؤولين في الإدارة الأمريكية، ومقالات صحفية وإصدارات إعلامية رسمية، تؤكد جميعها على الجهود في الحرب على الإرهاب التي بذلتها حكومة المملكة العربية السعودية. ويشمل التقرير الملخص ما يلي:
1) التعاون الدولي.
2) الاعتقال والتحقيق مع المشتبه بهم.
3) إجراءات تم اتخاذها بخصوص الجمعيات الخيرية.
4) تجميد الممتلكات للمشتبه بارتباطهم بالإرهاب.
5) إجراءات قانونية وتنظيمية لمكافحة الإرهاب.
6) مبادرات أخرى مرتبطة بمكافحة الإرهاب).
وورد في مذكرة النصيحة قول كاتبيها : (إن المتأمل في علاقاتنا الخارجية يلاحظ ما يأتي:
1) تقديم الدعم المادي والمعنوي للدول التي تحارب الدعاة وتمنع نشر الدعوة إلى الله على بصيرة مثل سوريا والسلطة الجديدة في الجزائر، أو لجهاتٍ أخرى لا تربطها مصالح ظاهرة بالمملكة.
2) الحرص على ألا تتعارض سياسة المملكة مع مصالح الأنظمة الغربية التي تقود العداء للإسلام، ويتضح ذلك في مجاراة الولايات المتحدة الأمريكية في غالب المواقف والعلاقات والقرارات مثل الاندفاع نحو عملية السلام مع اليهود).
وبمثل هذا ثبت وقوع الحكومة السعودية في هذا الذنب الذي يخرج به العبد من الإسلام
 قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة/51]، وقال سبحانه: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة/22]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [سورة الأنفال/73].
قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: (فإنّ من تولاّهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملّتهم، فإنّه لا يتولّى متولٍ أحداً إلاّ وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمُه حكمَه) .
 قال ابن حزمٍ رحمه الله : "صح أن قوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إنما هو على ظاهره بأنه كافرٌ من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين".
قال ابن كثير رحمه الله : "ومعنى قوله تعالى {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين و إلا وقعت فتنةٌ في الناس؛ وهو التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين فيقع بين الناس فسادٌ منتشرٌ".
وذكر الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله نواقض الإسلام فقال : (اعلم أنّ من أعظم نواقض الإسلام عشرة:... الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة/51]).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله : "فذكر تعالى أن موالاة الكفار منافيةٌ للإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه، ثم أخبر أن سببَ ذلك كونُ كثيرٍ منهم فاسقين، ولم يفرّق بين من خاف الدائرة ومن لم يخف، وهكذا حال كثيرٍ من هؤلاء المرتدين قبل ردتهم كثير منهم فاسقون، فجّر ذلك إلى موالاة الكفار والردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك".
وقال الشيخ أحمد شاكر:" ألا فليعلم كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض: أنه إذ تعاون مع أعداء الإسلام مستعبدي المسلمين , من الإنجليز والفرنسيين وأحلافهم وأشباههم , بأي نوع من أنواع التعاون , أو سالمهم فلم يحاربهم بما استطاع، فضلاً عن أن ينصرهم بالقول أو العمل على إخوانهم في الدين , إنه إن فعل شيئاً من ذلك ثم صلى فصلاته باطلة , أو تطهر بوضوءٍ أو غسلٍ أو تيممٍ فطهوره باطل , أو صام فرضاً أو نفلاً فصومه باطل , أو حجّ فحجّه باطلٌ , أو أدى زكاةً مفروضةً , أو أخرج صدقةً تطوعاً فزكاته باطلةٌ مردودةٌ عليه , أو تعبد لربه بأي عبادةٍ فعبادته باطلةٌ مردودةٌ عليه، ليس له في شيءٍ من ذلك أجرٌ بل عليه فيه الإثم والوزر.
ألا فليعلم كل مسلم:
 أنه إذا ركب هذا المركب الدنيء حبط عمله , من كل عبادةٍ تعبد بها لربه قبل أن يرتكس في حمأة هذه الرِدِّة التي رضي لنفسه , ومعاذ الله أن يرضى بها مسلمٌ حقيق بهذا الوصف العظيم يؤمن بالله وبرسوله؛ ذلك بأن الإيمانَ شرطٌ في صحة كل عبادة وفي قبولها , كما هو بديهي معلومٌ من الدين بالضرورة، لا يخالف فيه أحدٌ من المسلمين) .
 وقال الشيخ عبد الله بن حميد : "فيجب ويتعين على كل مسلمٍ ناصحٍ لنفسه أن يعرف ما قرره العلماء رحمهم الله، من الفرق بين التولي والموالاة.
قالوا رحمهم الله: الموالاة مثل لين الكلام، وإظهار شيء من البشاشة، أو لياثة الدواة، وما أشبه ذلك من الأمور اليسيرة، مع إظهار البراءة منهم ومن دينهم، وعلمهم بذلك منه، فهذا مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وهو على خطر.
وأما التولي: فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهراً، فهذا ردة من فاعله، يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المقتدى بهم".
 
الخلاصة
خلاصة الأمر فيما تقدّم كلّه، أن يعرف الموحد أن هذه الحكومةَ الخبيثةَ الكافرةَ... التي تتمسّح بالإسلام وشريعته... كاذبةٌ في ذلك، إذ هي قد خرجت من دين الإسلام ومن وملّة التوحيد من أبوابٍ شتى من أهمها ما يلي:
- الأول: تشريعُ وتحكيمُ القوانين والتحاكم إليها.
- الثاني: موالاةُ أعداءِ الله من الكفار الشرقيين والغربيين، سواءً الخليجيين أم العرب الباقين أم على مستوى الأمم المتحدة كلّها والتعاون معهم عن طريق توثيق روابط الأخوة والمودة والحب والصداقة معهم وتوليهم بالتأييد والنصرة.
تقدم كل ذلك بأدلة من قوانينهم وقوانين أوليائهم ومن معاهداتهم واتفاقياتهم ونصوصهم وأقوالهم وتصريحاتهم وكتب أنصارهم وأحبابهم التي ألفت على سبيل المدح والثناء وغير ذلك مما تقدم.
تصريحات وقوانين واتفاقيات وأقوال صريحة واضحة لا تحتمل التأويل وعن علمٍ كاملٍ بكفر من عادى التوحيد وحاربه ونقضه إذ هم لا يرضون أن يقال عنهم: جهّال بالتوحيد، كيف وهم يعلنون ويفتخرون دوماً بأنّهم أهل التوحيد ودولة التوحيد وحماة التوحيد! وبلا إكراهٍ حقيقي..
وكيف يقال أنّهم مكرهون وهم يصرّحون ويعلنون ويفتخرون بأنفسهم، أنّهم غير خاضعين لدولة من دول العالم، وأن دولتهم دولةٌ مستقلةٌ وأن حكومتهم لا تؤثر أو تسيطر عليها حكومةٌ من حكومات العالم وإنما علاقاتها مع أمريكا وأمثالها هي علاقاتُ صداقةٍ وتعاونٍ مشتركٍ لأجل مصالح كلا البلدين، وأنهم ليسوا تابعين لأحدٍ ولا تحت سيطرةِ ونفوذِ وإكراهِ أحدٍ لا أمريكا ولا غيرها( ).
فهذا كفرٌ بواحٌ...
- تشريعٌ مع الله...
- وتحاكمٌ للطواغيت القانونية...
- وتولٍّ ونصرةٌ ومودةٌ لأوليائها من أعداء الدين الشرقيين والغربيين...
كلّ هذا بلا تأويلٍ... وبلا جهلٍ ... وبلا إكراهٍ.



المخرج من الفتنة
إذن... فما الموقف من هذه الدولة الخبيثة وأمثالها من الحكومات المرتدة... شرقية كانت أم غربية؟
قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم} [سورة البقرة/218].
إنه: (الهجرة والجهاد)... {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}.
فالله عز وجل لم يتركنا هملاً، بل بيّن لنا الموقف أحسنَ بيان، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بايع أصحابه على السمع والطاعة لولاة الأمور المسلمين... وجاء في هذه البيعة التي يرويها عبادة بن الصامت رضي الله عنه كما في البخاري ومسلم وغيرهما: "وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان".
وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}[سورة الأنفال/39]، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لآل سعود قاتلناهم حتى يكون الدين كله لله.
وإذا كان بعض الدين لله وبعضه لنظام مجلس التعاون أو لميثاق الجامعة أو لميثاق هيئة الأمم أو لمحكمة العدل! الدولية أو للقانون الدولي أو غير ذلك من الطواغيت قاتلناهم حتى يكون الدين كله لله..
وهكذا فغاية هذا القتال وهدفُه تحقيقُ توحيد الله الذي خلق من أجله الخلق وبعث من أجله الرسل والأنبياء تحقيقاً شاملاً كاملاً.
إذ (لا إله إلا الله) تعني البراءة من كل دينٍ وطاغوتٍ ومنهجٍ وقانونٍ ومعبودٍ غير اللهِ سبحانه وشرعهِ ودينِِِِِِِِِه... وعداوة أهل الشرك وموالاة أهل الإيمان.
وأعلى مراتب هذه البراءة والعداوة هي ذروة سنام الإسلام (الجهاد في سبيل الله) وأدناها التي لا يصير الإنسان مسلماً بدونها هي اجتناب الطاغوت، وعدم عبادته وتوليه أو نصرته أو تأييده... قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [سورة النحل/36].
وروى مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله".
فليس كل من ادّعى التوحيد أو انتسب إليه ولو اسماً - كهذه الدولة الخبيثة - يحرم ماله ودمه ويكون من الموحدين... بل لا يكون كذلك حتى يَكْفُر بكل ما يعبد من دون الله ويتبرأ منه سواء عبادةَ سجودٍ أو ذبحٍ أو دعاءٍ... أم عبادةَ تشريعٍ واستسلامٍ وتحاكمٍ.. فالإشراك بالله في حكمه من الإشراك به في عبادته.
وقد قال إمام الدعوة النجدية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى معلّقاً على حديث مسلم هذا: "وهذا من أعظم ما يبين معنى "لا إله إلا الله" فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للمال والدم، بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده حتى يُضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله، فإن شك أو تردّد لم يحرم ماله ودمه" أهـ.
فيا علماء الإسلام! والتوحيد! ما قولكم بعد هذا كلّه؟ هل يحرم دمُ ومالُ مَنْ آمن بالقوانين الدولية، وشارك في تشريعها وتابَعَها وصادقَ عليها، ولم يكفر بها ولا تبرأ منها ومن أوليائها ولا اجتنبها؟ بل جالس أهلها ونصرهم وظاهرهم بالنفس والمال وتحاكم إلى محاكمهم وقضاتهم وردّ النزاع والخلاف إليهم ليفصلوا فيه بقوانينهم وتشريعاتهم الباطلة؟
هل يحرمُ دمُ أو مالُ مَنْ آمن بقوانين مجلس التعاون الخليجي وعقد مع طواغيت الخليج معاهداتِ نصرةٍ أمنيةً واقتصاديةً وأواصرَ مودّةٍ ومحبّةٍ وإخاءٍ... وحمايةٍ لهم ولأنظمتهم وقوانينهم ولم يتبرّأ منها أو يكفر بها؟
هل يحرمُ دمُ أو مالُ مَنْ دخل في دين ميثاق الجامعة العربية ووالى طواغيتها ودافع عن أنظمتهم وقوانينهم ونصرهم بالنفس والمال؟
إن الامر والله بعدما تقدم كله، قد أمسى واضحاً كوضوح الشّمس في رابعة النهار... ولم يعد يخفى (والله) إلا على عميان البصائر ومن هم كالأنعام بل أضلّ..
وأخيراً فقد نصّ العلماء على أن الحاكم إذا أظهر الكفر البواح فيجب القيام عليه وعزله وتبديله وتغييره لإقامة شرع الله وتحقيق توحيده كاملاً( ) فمن قوي على ذلك فله الأجر والمثوبة، ومن داهن فعليه الإثم والعقوبة، ومن ضعف عنه وجبت عليه الهجرة، وعدم الركون للكفر وحكوماته، بل تحديث النفس بجهادهم دوماً، وتربية الذراري على ذلك وغرسه في نفوسهم، فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات ولم يغزُ ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من النفاق". رواه مسلم.
 وتحديث النفس بالجهاد ليس مجرّدَ أحلامٍ في المنام، بل هو دافع للإعداد والتدريب، فقد ذمّ الله المقصرين في الإعداد ولم يعذرهم لقعودهم عن الجهاد، قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [سورة التوبة/46].
 
الهجرة الواجبة على الموحد في كل زمان
واعلم رحمك الله أن من أعظم أنواع الهجرة الواجبة في كل زمان هجرةُ كلّ وظيفةٍ وعملٍ فيه نصرةٌ وإعانةٌ لهؤلاء الطواغيت أو نوعُ تثبيتٍ وتطبيقٍ أو حمايةٍ وحفظٍ لقوانينهم... كيف لا.. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه الإمام أحمد وغيره: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"...
وقد قال تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [سورة هود/113].
قال بعض أهل العلم: (فانظر ما ذكره المفسّرون حتى أدخل بعضهم لياقة الدواة وبري القلم في الرّكون، وذلك لأن ذنب الشرك أعظم ذنب عُصي الله به على اختلاف رتبه، فكيف إذا انضاف إليه ما هو أفحش، من الاستهزاء بآيات الله وعزل أحكامه وأوامره وتسمية ما ضاده وخالفه بالعدالة والله يعلم أنّها الكفر والجهل والضّلالة، ومن له أدنى أنفة، وفي قلبه نصيب من الحياة يغار لله ولرسوله وكتابه ودينه، ويشتد إنكاره وبراءته في كل محفلٍ ومجلسٍ، وهذا من الجهاد الذي لا يحصل جهاد العدو إلاّ به، فاغتنم إظهار دين الله والمذاكرة به وذم ما خالفه والبراءة منه ومن أهله، وتأمّل الوسائل المفضية إلى هذه المفسدة الكبرى وتأمّل نصوص الشارع في قطع الوسائل والذرائع، وأكثر الناس ولو تبرّأ من هذا ومن أهله فهو جند لمن تولاّهم وأنس بهم وأقام بحماهم والله المستعان) أهـ. من الدرر السنية في الأجوبة النجدية.
وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء" قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردوا عليّ حوضي..." رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إني أوشك أن أدعى فأجيب فيليكم عمالٌ بعدي يقولون ما يعلمون ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهراً، ثم يليكم عمالٌ من بعدهم يقولون مالا يعلمون ويعملون مالا يعرفون، فمن ناصحهم ووازرهم وشدّ على أعضاءهم فأولئك قد هلكوا وأهلكوا، خَالِطوهمْ بأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم... الحديث" رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الزّهد الكبير.
واعلم أن هذه الأحاديث متنزلّة على الأمراء الذين يحكمون بشرع الله ودينه إذا ما ظهر عليهم بعض الظلم والجور... فكيف بملوك وأمراء الكفر والقانون؟
إذا عرفت هذا ... فاعلم رحمك الله:
إنّه لا يصح لمسلمٍ شمَّ رائحةَ التوحيد وعرف الشرك وذرائعه وأبوابه أن يكون ظهيراً أو معيناً أو نصيراً لهذه الدّولة وأمثالها من الدول المرتدة الكافرة.. فلا يجوز له بحالٍ أن يعمل في عساكرها ولا حرسها الوطني ولا جيشها أو شرطتها... ولا مخابراتها أو أمنها ومباحثها وجواسيسها، فإن هذا كلّه من تولّيها ونصرتها وإعانتها على المؤمنين الموحّدين المتبرئين منها الكافرين بها.. فهو بذلك لا يقف عند حدود المعصية بل يتعداه إلى الكفر والردة، بحسب ولوغ صاحبه وارتكاسه فيه... {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ} [سورة القصص/86].
وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن مثل هذه الأعمال عند أمراء الظلم والجور ونهى عن إعانتهم على الموحّدين والمؤمنين في مظلمةٍ أو جورٍ أو قتالٍ( ) فكيف بإعانة الكفار والمرتدين من مشركي القوانين ونصرتهم على الموحدين؟
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منهم فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولا جابيا ولا خازناً"( ). وهؤلاء الطّغاة قد قربوا شرار الناس بل كفار الناس ومرتديهم وكرّموهم وعززّوهم وولّوهم وسوّدوهم على المسلمين... وأخّروا أحكام الشريعة وعطّلوا أوامرها ونواهيها فكيف يحلّ لمسلمٍ أن يكون لهم شرطياً أو عريفاً؟( ).
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن مثل هذه الوظائف عند أمراء الجور الظلمة خشيةَ إعانتهم على الظّلم فكيف الحال مع الأمراءِ الكفرةِ وإعانتهم على تثبيت أنظمتهم وقوانينهم الكافرة.
وقد قدمنا لك عند حديث أبي مالك الأشجعي كلامَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حول عصمة الدّم والمال وأنّها متوقفةٌ على البراءة من الشّرك والكفر به...
وقد دلّ على هذا قتلُ النبي صلى الله عليه وسلم لجواسيس المشركين ومخابراتهم وعيونهم( ) فيستوي بذلك مشركو الأصنام ومشركو القانون والأحكام.
ومن أدلة هذا أيضاً أن الله تعالى حين أهلك فرعون لم يهلكه وحده، بل أهلك معه الجيش والجنود، فقال: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص/40].
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أنّه: لا ينضم إلى جيش التتار المحكّمين لقوانين الياسق ولا يلحق بمعسكرهم مختاراً من المظهرين للإسلام إلا منافق أو زنديق أو فاسق فاجر( ) وأن حكم المعاون لهم كحكمهم، إذ حكم المعاون كحكم المباشر( ) ويقول: (وإذا كان السلف قد سمّوا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين؟) .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كفر).
ويقول رحمه الله تعالى : (وكذلك نُكَفِّر مَنْ حَسَّنَ الشرك للناس وأقام الشبهة الباطلة على إباحته وكذلك من قام بسيفه دون مشاهد الشرك، وقاتل بسيفه دونها وأنكر وقاتل من يسعى في إزالتها)، فكل من قاتل دون مشاهد ودول القانون الشركي الكفري وأنكر وقاتل الموحّدين الساعين إلى إزالتها وتحكيم شرع الله وتحقيق التوحيد كاملاً.. فهو داخل في هذا أيضاً... إذ الإشراك بالله في حكمه من الإشراك به في عبادته.
ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ فيمن عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين فأخرجوه معهم يكثر سوادهم أن حكمه حكمهم في القتل وأخذ المال لا في الكفر، ثم قال: (وأما من خرج معهم لقتال المسلمين طوعاً واختياراً وأعانهم ببدنه وماله فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر) أهـ.
هذا ومعلومٌ مشهورٌ تكفيرُ الشيخ حمد بن عتيق في كتابه (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك) وكذا الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه (حكم موالاة أهل الإشراك) لبعض أمراءِ آل سعود الذين نصروا واستنصروا بجيش (محمد علي باشا) - الذي كان يحكم بالدستور والقانون في الدولة المصرية إضافة إلى إقراره لشركيات القبور - ولأجل ذلك ألف كلاهما كتابه( ).
فإياك أخي الموحّد أن تكون ظهيراً أو معيناً للكافرين والمجرمين... فتبوء بذنبك وتكون من الخاسرين النادمين.. ولا تكن من جندهم وعساكرهم وجيوشهم الشركية الطاغوتية الذين قال تعالى فيهم: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ} [سورة ص/11]، وقال تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [سورة الصافات/94 - 95].
ولكن كن من جند التوحيد وجيوش العقيدة وعساكر الإيمان الذين قال فيهم المولى عز وجل {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [سورة الصافات/731].
هذا في حكم موالاتهم ونصرتهم والعمل في جندهم وعساكرهم ومباحثهم، واعلم أنّه يحرم عليك إضافةً إلى ذلك أن تعينهم على ظلم أو باطل أو جور، من أكل أموال الناس بالباطل بإعانتهم على جباية الضرائب والمكوس والجمارك وما إلى ذلك من الغرامات والمخالفات الباطلة، كما في حديث أبي هريرة المتقدم في النهي عن العمل جابيا وخازناً ونحوه عند أئمة الجور فكيف بهؤلاء؟.. أو أن تعمل في بنك من بنوكهم الربوية أو أي وظيفة تعينهم على باطلهم فهذا لا يحل لمسلم. إذ قد قال تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة/2] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لا يقتطع رجلٌ حقَّ امريءٍ مسلمٍ بيمينه إلا حرّم الله عليه الجنة وأوجب له النار" فقال رجلٌ: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: "وإن كان سواكاً من أراك" رواه ابن ماجة عن أبي أمامة الحارثي.
والضابط في هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح عن أهل العلم أنّهم كرهوا العمل عند أهل الشرك إلا لضرورة بشروط:
أحدها: أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله.
والثاني: أن لا يعينهم على ما يعود ضرره على المسلمين.
والثالث: أن لا يكون في العمل إذلالٌ للمسلم( ).
والأفضل للموحد أن يضيف إلى براءته الكلية من هذه الحكومات اجتنابَ العمل بأي وظيفةٍ حكوميةٍ من وظائفها، كي يتحرر منهم ومن تحكمهم واستعبادهم تماماً... فإن كان لابد فاعلاً فلينظر في وظيفته فإن كان فيها شيءٌ من هذا... فلا يحلّ له تولّيها... وليهجرها فإن الله يتولاه وينصره ويرزقه... إنّه سبحانه هو الرزّاق ذو القوة المتين... نعم المولى ونعم النصير.
هذا واعلم أن السّلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، كانوا يفرّون من أبواب السلاطين ومن مناصبهم كالقضاء وغيره، في أزمنة الخلافة والفتوحات، فمنهم من يُسجن ويُضرب لأجل تولي المنصب فيأبى، وكانوا يقولون: (من ولي القضاء فقد ذبح نفسه بغير ما سكين) فكيف في أزمنة عملاء أمريكا وبريطانيا من عباد القوانين والطواغيت المحلية والخليجية والعربية والدولية وأوليائها؟
فعلى من انتسب إلى السلف وانتمى إلى طريقتهم رضوان الله عليهم أن يسلك مسلكهم. وعلى من كان مستناً بدعوة السلف فليستنّ بمن مات وتقدم منهم... وأن لا يغتر بالمتأخرين وترقيعاتهم والأحياء وتلبيساتهم، فإن الحي والله لا تؤمن عليه الفتنة... وعليه ألا يستوحش من قلّة السالكين لهذه الطريق أو يغتر بكثرة الهالكين المتساقطين، أو يتضرّر بكثرة المخالفين وألقابهم وأسمائهم، فما بالرجال ولا بالكثرة يعرف الحق ولكن بالحق تعرف الرجال ويميز الناس...
وقد صح عن النبيّ صلى الله عليه في الحديث المتواتر " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس"( ).
فتأمّل قول الصادق المصدوق: "لا يضرّهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله" فإن فيها تثبيتاً للموحد الغريب... ثبتنا الله وإخواننا الموحدين على صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
إلى الله نشكو غربة الدين والهدى             وفقدانه من بين من راح أو غدا
فعاد غريباً مثل ما كان قد بدا         على الدين فليبك ذوو العلم والهدى
فقد طمست أعلامه بين العوالم


وقد صار إقبال الورى واحتيالهم              على هذه الدنيا وجمع الدراهم
يظنون أن الدين لبيك في الفلا            وفعل صلاة والسكوت عن الملا
وسالم وخالط من لذا الدين قد قلا          وما الدين إلا الحب والبغض والولا
كذاك البرا من كل غاو وآثم

وقد بريء المعصوم من كل مسلم                يقيم بدار الكفر غير مصارم
(فراعوا) أخا الدنيا فذاك هو الأخ            ولو كان في كل المعاصي ملطخ
ألسنا بأوضار الخطأ نتضمخ                 ألسنا إذا ما جاءنا متضمخ
بأوضار أهل الشرك من كل ظالم

نبش إليهم بالتحية والثنا                         ونسعى في إكرامهم بالولائم
ولا منكر أقوالهم يا ذوي الهدى          ولا مبغض أفعال من ضلّ واعتدى
ولا آمر بالعرف من بينهم غدا           ولا مظهر للدين بين ذوي الردى
فهل كان منا هجر أهل الجرائم

فلسنا نرى ما حلّ بالدين وانمحت           به الملّة السمحاء إحدى القواصم
وهل كان في ذات المهيمن ودّنا            وهل نحن قاتلنا الذي عنه صدّنا
وهل نحن أبعدنا غدا والذي دنا                ولكنما العقل المعيشي عندنا
مسالمة العاصين من كل آثم

فيا محنة الإسلام من كل جاهل               ويا قلة الأنصار من كل عالم

 
الملحق الأول
بيان السفارة السعودية
حول جهود الحكومة السعودية في مكافحة الإرهاب
 أصدرت السفارة السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية البيان الآتي :
بعد أحداث 11 سبتمبر المروعة، تم تشكيل تحالف يضم أكثر من 100 دولة لمكافحة الإرهاب. المملكة العربية السعودية شريك كامل في هذا التحالف، وقد أصدر مكتب منسق مكافحة الإرهاب تقريراً في 21 مايو 2002م بعنوان "أشكال الإرهاب العالمي" نصّ على أن: "المملكة العربية السعودية أعادت تأكيد التزامها بمكافحة الإرهاب وتجاوبت بشكل إيجابي مع مطالب بإجراءات فعلية لدعم جهود التحالف ضد تنظيم القاعدة وطالبان، وقد أدان الملك، وولي العهد والزعماء الدينيون المعينون من قبل الحكومة ووسائل الإعلام الرسمية علناً وبصورة مستمرة الإرهاب".
ومنذ 11 سبتمبر، اتخذت حكومة المملكة العربية السعودية عدة إجراءات لمحاربة الإرهاب العالمي. وفيما يلي أمثلة مادية على هذه الإجراءات مأخوذة من تصريحات للقادة السعوديين، ومسؤولين في الإدارة الأمريكية، ومقالات صحفية وإصدارات إعلامية رسمية، تؤكد جميعها على الجهود في الحرب على الإرهاب التي بذلتها حكومة المملكة العربية السعودية. ويشمل التقرير الملخص ما يلي:
1) التعاون الدولي.
2) الاعتقال والتحقيق مع المشتبه بهم.
3)  إجراءات تم اتخاذها بخصوص الجمعيات الخيرية.
4) تجميد الممتلكات للمشتبه بارتباطهم بالإرهاب.
5) إجراءات قانونية وتنظيمية لمكافحة الإرهاب.
6) مبادرات أخرى مرتبطة بمكافحة الإرهاب.

 
1) التعاون الدولي:
إن التعاون مع جهات متعددة أساسي للانتصار على الإرهاب. وقد دعمت السعودية جهوداً دولية وإقليمية متعددة من خلال اتفاقيات بين أطراف متعددة وثنائية في الحرب على الإرهاب، وهي ملتزمة بالتعاون مع حكومات الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا ومع الأمم المتحدة لضمان تبادل المعلومات بسرعة وفعالية قدر الإمكان. إجراءات محددة:
- تحتفظ السعودية والولايات المتحدة بلجنة لمكافحة الإرهاب تتألف من عناصر في الاستخبارات والجهات الأمنية الأخرى، ويلتقي هؤلاء بشكل منتظم لتبادل المعلومات والمصادر ووضع خطط عمل للقضاء على الشبكات الإرهابية. وتسعى المملكة العربية السعودية إلى تقوية التعاون بين المملكة والولايات المتحدة من خلال الزيارات المتبادلة.
- الجهات الحكومية السعودية والبنوك السعودية مطالبة بالمشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية حول مكافحة الإرهاب ومكافحة تمويله. وقد استضافت المملكة العربية السعودية عدداً من هذه المؤتمرات والندوات التي تناقش مكافحة الإرهاب. والسعودية أيضاً عضو في وحدة العمل المالي (FATF) التي أنشأتها الدول السبع الكبرى (G - 7) عام 1988م.
- صادقت المملكة العربية السعودية على وأكملت وسلمت استبيان التقويم الذاتي المتعلق بال 40 توصية لمجموعة (FATF) حول منع غسيل الأموال. وقد صادقت السعودية على وسلمت استبيان التقويم الذاتي المتعلق بالتوصيات الثماني الخاصة لمجموعة (FATF) حول تمويل الإرهاب.
- تتبادل مؤسسة النقد السعودية المعلومات حول غسيل الأموال ونشاطات تمويل الإرهاب مع الجهات الأخرى المشرفة على البنوك ومع الجهات الأمنية. كما أنشأت مؤسسة النقد السعودية لجنة للقيام بالتقييم الذاتي حول الالتزام بتوصيات (FATF)، وقد تم تسليم استبيانات التقويم الذاتي هذه، وقد دعت المملكة العربية السعودية (FATF) لإجراء تقييم متبادل في أبريل 2003م.


2) اعتقال المشتبه بهم والتحقيق معهم:
تعمل أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية السعودية عن قرب مع الولايات المتحدة والإنتربول والدول الأخرى من أجل الكشف والتحقيق مع المشتبه بهم، وتوقيفهم إذا لزم الأمر. إجراءات محددة:
- حققت المملكة العربية السعودية مع أكثر من 2000 شخص. وقد شارك عدد من هؤلاء في الحرب في أفغانستان خلال الغزو السوفيتي، وكذلك في البوسنة والشيشان.
- هناك عدد من المشتبه بهم قيد الاعتقال حالياً للتحقيق معهم.
- قامت الاستخبارات السعودية والجهات الأمنية الأخرى بكشف واعتقال خلية تتألف من سبعة أشخاص مرتبطة بتنظيم القاعدة، وكان عناصر الخلية يخططون للقيام بهجمات إرهابية على منشآت حيوية في المملكة. وقد تم ترحيل رئيس الخلية من السودان، وكانت هذه الخلية مسؤولة عن محاولة إسقاط طائرات حربية أمريكية في قاعدة الأمير سلطان باستخدام صواريخ أرض جو يتم إطلاقها من فوق الكتف.
- تفاوضت المملكة العربية السعودية بنجاح مع إيران لترحيل 16 مشتبهاً بانتمائهم للقاعدة.
- طلبت السعودية من الإنتربول توقيف 750 شخصاً، عدد منهم يشتبه بقيامهم بغسيل الأموال وتجارة المخدرات ونشاطات متعلقة بالإرهاب. ويتضمن هذا الرقم 214 سعودياً تظهر أسماؤهم في قائمة معلومات الإنتربول وأجانب هربوا من المملكة العربية السعودية.
3) إجراءات تم اتخاذها بخصوص الجمعيات الخيرية:
الصدقة جزء هام من الإسلام وهناك آلاف الجمعيات الخيرية القانونية في الشرق الأوسط. ومنذ 11 سبتمبر، تقوم السعودية بإجراء مراجعة شاملة لجمعياتها الخيرية وقامت بإجراء عدد من التغييرات المحددة، إجراءات محددة:
- في مارس 2002م، قامت وزارة الخزانة الأمريكية والسعودية بتجميد حسابات فروع الصومال والبوسنة لمؤسسة الحرمين الإسلامية التي مركزها في السعودية. وبينما يكرس المركز الرئيسي لهذه الجمعية الخيرية الخاصة نشاطاته لمساعدة المحتاجين، ارتأت السعودية والولايات المتحدة أن فروعها في الصومال والبوسنة تدعم نشاطات إرهابية ومنظمات إرهابية مثل القاعدة والاتحاد الإسلامي وغيرهما.
- وفي عمل مشترك آخر لمكافحة الإرهاب، اتخذت السعودية والولايات المتحدة خطوات لتجميد ممتلكات أحد كبار مساعدي بن لادن وهو وائل حمزة جليدان، وهو سعودي فار من العدالة يعتقد أنه قام بتسريب أموال لتنظيم القاعدة. وقد عمل جليدان مديراً لاتحاد الرابطة ومنظمات أخرى.
- أسست السعودية هيئة عليا للرقابة على جميع الجمعيات الخيرية، والتبرعات والمساهمات وهي في المراحل النهائية لإعداد الإجراءات العملية لإدارة المساهمات والتبرعات إلى ومن الجمعيات الخيرية، بما في ذلك أعمالها في الخارج.
- منذ 11 سبتمبر هناك رقابة وثيقة على المجموعات الخيرية وتم إجراء تدقيق إضافي للتأكد من أنه ليس هناك ارتباط مع مجموعات مشبوهة.
- هناك إرشادات وأنظمة جديدة تم وضعها للتأكد من أن المنظمات الإرهابية لا تستطيع الاستفادة من هذه الجمعيات الخيرية في المستقبل، وتتضمن هذه آليات ضبط مالية.
- النشاطات الخيرية خارج السعودية يجب أن يتم تنسيقها مع وزارة الخارجية.
4) تجميد ممتلكات الإرهابيين ومحاربة غسيل الأموال:
بعد أحداث 11 سبتمبر، اتخذت السعودية إجراءات عاجلة في 26 سبتمبر 2001م وطالبت البنوك السعودية بتجميد جميع الأموال والممتلكات للمشتبه بكونهم إرهابيين وللجهات المشبوهة حسب اللائحة التي أصدرتها حكومة الولايات المتحدة في 23 سبتمبر 2001م. ولم تقم البنوك السعودية بالالتزام وبتجميد الأموال فقط، بل بادرت بإجراء تحقيقات حول تحويلات مالية قد يكون المشتبه بانتمائهم للقاعدة أجروها في الماضي، إجراءات محددة:
- كانت السعودية من أوائل الدول التي اتخذت إجراءات عام 1994م وجمدت ممتلكات أسامة بن لادن.
- حققت السعودية بعدة حسابات مصرفية يشتبه بارتباطها بالإرهاب. وقد جمدت السعودية 33 حساباً يعود إلى 3 أشخاص ويبلغ مجموعها 5.574.196 دولاراً.
- بالعمل مع الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية ساعدت السعودية في كشف شبكة من أكثر من 50 شركة استخدمها أسامة بن لادن لتحريك الأموال حول العالم. وكانت الشركات موجودة في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وجزر الكاريبي. وقد تم اكتشاف شبكة مالية معقدة منتشرة في 25 دولة وقد تم إغلاق هذه الشبكة فعلياً.
- صادقت السعودية، كونها عضواً في مجموعة (G – 20) على خطة عمل مشددة تهدف إلى القضاء على وتجميد، الممتلكات الإرهابية في جميع أنحاء العالم والسعودية فخورة بكونها رائدة في وضع هذه الخطة وتطبيقها وأهدافها الرئيسية لسياسات الولايات المتحدة والسياسات الدولية للتعامل مع الإرهاب حالياً وفي المستقبل.
- أصدرت مؤسسة النقد السعودي تعليمات إلى البنوك السعودية لإنشاء لجنة إشراف بشكل عاجل للقيام بمراقبة التهديدات التي يشكلها الإرهاب ولتنسيق كل الجهود لتجميد الممتلكات للأشخاص والجهات التي يتم تحديدها. وتتألف اللجنة من مسؤولين كبار في البنوك مسؤولين عن السيطرة على المخاطرة، والتدقيق، وغسيل الأموال، والعمليات القانونية. وتلتقي اللجنة بشكل منتظم بحضور مسؤولين في مؤسسة النقد السعودي.
- وضعت البنوك السعودية قيد التطبيق على مستوى كبار مسؤوليها التنفيذيين، وكذلك على مستوى اللجنة المشرفة، آليات للرد على جميع التحقيقات ذات الصلة على الصعيد المحلي والدولي، ولضمان التنسيق الجيد والاستجابة الفعالة، تقوم جميع البنوك السعودية بإرسال إجاباتها والمعلومات ذات الصلة عن طريق مؤسسة النقد السعودي. تم تشكيل لجنة خاصة من مسؤولين في وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية،ووكالة الاستخبارات ومؤسسة النقد السعودي للتعامل مع طلبات الجهات الدولية والدول حول محاربة تمويل الإرهاب.
- في سبتمبر 2002م، قامت وزارة الخزانة الأمريكية والسعودية بعلمهما المشترك الثاني الذي استهدف وائل حمزة جليدان، أحد مساعدي بن لادن الذي قدّم له مساعدات مالية ولوجستية، وقامتا بتجميد أمواله وممتلكاته علناً.
- حتى قبل 11 سبتمبر، كانت السعودية قد اتخذت إجراءات لضمان أن نظامها المالي لا يستخدم لنشاطات غير قانونية. وقد وقعت المملكة وانضمت إلى ميثاق الأمم المتحدة ضد تهريب المخدرات عام 1988م. وفي عام 1995م، شكلت السعودية وحداتٍ لمكافحة غسيل الأموال في وزارة الداخلية ومؤسسة النقد السعودي والبنوك التجارية.
5) الإجراءات القانونية والتنظيمية لمكافحة الإرهاب:
لدى المملكة إطار قانوني صارم وإطار تنظيمي وإشرافي قوي للبنوك والخدمات المالية. وتَضْمَنُ هذه البُنْيةُ التحتية أن البنوك وباقي الجهات التي تقدم الخدمات المالية تبقى حَذرة، وكذلك تحتفظ بضوابط داخلية، وإجراءات داخلية تسمح لها ليس فقط بالتعرف على شخصية زبائنها ولكن أيضاً لتعي نشاطاتهم وتحويلاتهم. غسيلُ الأموال وباقي النشاطات المشبوهة يتم استهدافها وكل النشاطات التي تنتهك القوانين والأنظمة تتعرض لعقوباتٍ شديدةٍ وللسجن، جرائمُ غسيلِ الأموال تعتبر جرائمَ كبيرةً، وجميعُ القضايا المتعلقة بها يتم تحويلها إلى محكمةٍ عليا، إجراءات محددة:
- أصدرت مؤسسة النقد السعودي ووزارة التجارة تعليماتٍ وإرشاداتٍ للقطاعين المالي والتجاري في المملكة لمحاربة غسيل الأموال ولتقوية وتطبيق الأنظمة الحالية بشكلٍ أفضل، أصدرت وزارة التجارة القانون رقم 1312 الذي يهدف إلى منع ومحاربة غسيل الأموال في القطاع غير المالي. وتستهدف هذه الأنظمة قطاعي التجارة والتصنيع وتغطي أيضاً الخدمات المهنية مثل المحاسبة والخدمات القانونية والاستشارية.
- اتخذت الحكومة السعودية أيضاً خطوات فعلية لإنشاء إطار مؤسساتي لمحاربة غسيل الأموال. ويتضمن هذا إقامة وحدات لمحاربة غسيل الأموال، والتي تضم عناصر مدربة ومتخصصة، وتعمل هذه الوحدات مع مؤسسة النقد السعودي، والجهات الأمنية السعودية، وشجعت الحكومة أيضاً البنوك على إحالة جميع خبراتها المتعلقة بغسيل الأموال إلى اللجان البنكية والمصرفية المتعددة (رؤساء العمليات، المديرين العامين، لجنة التزوير، إلخ) وذلك لتبادل المعلومات والعمليات المشتركة.
- المبادرة المؤسساتية الرئيسية الأخرى هي تشكيل وحدة استخبارات مالية متخصصة (FIU) في قسم الأمن ومكافحة المخدرات في وزارة الداخلية. هذه الوحدة مكلفة خصوصاً بقضايا غسيل الأموال، وقد تم فتح قناة اتصال بين وزارة الداخلية ومؤسسة النقد السعودي حول قضايا تتعلق بنشاطات تمويل الإرهاب.
- في عام 1995م، أصدرت مؤسسة النقد السعودي قواعد "تنظيم فتح الحسابات المصرفية" و"إرشادات عملية عامة" لكي تحمي البنوك من نشاطات غسيل الأموال. مثلاً، لا يسمح للبنوك السعودية بفتح حسابات لأشخاصٍ غير مقيمين دون الموافقة المحددة من مؤسسة النقد والبنوك مطالبة بتطبيق قواعد مشددة لمعرفة عملائها، وأي نشاط يقوم به غير العملاء يجب أن يتم توثيقه بشكل كامل.
- تقوم السعودية بإجراء تفتيش دوري على البنوك للتأكد من التزامها بالأنظمة والقوانين. أيُّ انتهاكٍ أو عدمِ تطبيقٍ للقوانين يستدعي إجراءاتٍ صارمةً وتتم إحالته إلى الإدارة العليا ومجلس الإدارة في البنك. وزيادةً على ذلك أنشأت الحكومة لجنةً دائمةً لمسؤولي التزام البنك تقوم بمراجعة الأنظمة والإرشادات وتقدم توصيات لإجراء تعديلات، وللتأكد من أن جميع قضايا التطبيق يتمُّ حَلُّها.
- قامت السلطات السعودية بجهود بارزة لتدريب عناصرَ في المؤسسات المالية وأقسام الأمن والتحقيق في وزارة الداخلية وآخرين لهم علاقة بالقانون وتطبيق القانون.
- تم تطوير برامج تدريب خاصة للقائمين على البنوك والمدعين العامين والقضاة وضباط الجمارك ومسؤولين آخرين في الأقسام والوكالات الحكومية. وزيادةً على ذلك يتم إجراء دورات تدريبية من قبل أكاديمية الأمير نايف الأمنية، وكلية الملك فهد الأمنية، ومدينة التدريب الأمني العامة، ومؤسسة النقد السعودي.
- أنشأت الحكومة السعودية لجنة دائمة لممثلين عن سبع وزارات ووكالات حكومية لإدارة جميع القضايا القانونية وغيرها المتعلقة بنشاطات غسيل الأموال.
- تم عقد أول مؤتمر لـ (FATF) خارج الدول السبع الكبار (G7) في الرياض في معهد مؤسسة النقد السعودي للأعمال البنكية عام 1994م.
- في الفترة بين 28 30 يناير 2002م، نظمت مؤسسة النقد السعودي بالتعاون مع الجهات الأمنية والمؤسسات المالية المصرفية وفرع الإنتربول في الرياض مؤتمرا مع الإنتربول لأول اجتماع إقليمي آسيوي.
- في الفترة بين 13 14 مايو 2002م، أقام مجلس غرف التجارة والصناعة السعودي، بالتعاون مع مؤسسة النقد السعودي مؤتمرا دوليا حول منع وكشف الغش والجرائم الاقتصادية وغسيل الأموال.
- قامت البنوك السعودية ومؤسسة النقد السعودي بتطبيق نظام تقرير على شبكة الإنترنت لتحديد توجهات غسيل الأموال للمساعدة في صنع السياسات والمبادرات الأخرى.
6) مبادرات أخرى متعلقة بمحاربة الإرهاب:
دعمت المملكة العربية السعودية علنا وقدمت التعاون مع الجهود الدولية المختلفة لمكافحة الإرهاب. ومن ذلك:
- وقعت السعودية على اتفاقية تحت رعاية جامعة الدول العربية لمكافحة الإرهاب.
- تشارك السعودية بشكل منتظم ومؤثر في اجتماعات دول (G20) وقد وقعت المملكة على عدة اتفاقيات ثنائية مع دول غير عربية.
- تقوم المملكة كل 90 يوما بتحضير وتسليم تقرير عن المبادرات والإجراءات التي اتخذتها المملكة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب إلى لجان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفقاً لطلب هذه اللجان.
- أنشأت المملكة نقاط اتصال بين وزارة الخارجية والممثل الدائم للأمم المتحدة.
- دعمت المملكة المتطلبات التالية لعدة قرارات للأمم المتحدة تتعلق بمكافحة الإرهاب:
1) تجميد أموال وممتلكات أخرى لنظام طالبان وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1267.
2) تجميد أموال أشخاص تم ذكر أسمائهم في قائمة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1333.
3) التوقيع على الميثاق الدولي لمكافحة وتمويل الإرهاب وفقا لقرار مجلس الأمن 1373حول تقديم تقرير إلى لجنة مجلس الأمن حول تطبيق أنظمة وتعليمات القرار 1373.
4) تقديم تقرير إلى مجلس الأمن حول تطبيق القرار 1390.
- تدعم السعودية أيضا وتطبق القرار الأخير 1368 تاريخ 12 سبتمبر 2001م والمتعلق بتمويل النشاطات الإرهابية.














الملحق الثاني
بيان في استنكار التحاكم إلى محكمة الإعلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:
المشايخ الفضلاء وفقهم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد صدر تعميم إلى القضاة برقم 13/ت/2071 في 5/9/1423 هـ المرفق صورته، باعتماد موجب عدم نظر المحاكم الشرعية في الشكاوى التي تتعلق بما ينشر في الصحف والمجلات المحلية وإحالتها إلى وزارة الإعلام، وأيضا ما نُشر في الصحف كما في صحيفة الاقتصادية عدد 3331 في 18/رمضان/1423 هـ توجيه من وزير العدل إلى قضاة المحاكم بضرورة الالتزام بنص المادة 37 من نظام المطبوعات والنشر وتنص على: أن قضايا النشر في الصحف من اختصاص وزارة الإعلام وليس للمحاكم الشرعية، وتنظر في المخالفات الخاصة بالنظام ذاته لجنة يتم تشكيلها بقرار من وزير الإعلام ويرأسها وكيل الوزارة المختص، ولا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة يكون أحدهم مستشارا قانونيا، وتصدر اللجنة قراراتها بالأغلبية بعد دعوة المخالف أو من يمثله وسماع أقواله ويجوز لها دعوة من ترى الاستماع إلى أقواله كما يجوز لها الاستعانة بمن تراه، ولا تصبح قرارات اللجنة معتمدة إلا بعد موافقة الوزير عليها اهـ فما قولكم في ذلك؟ والله يحفظكم.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الحكم إليه والتحاكم إلى شرعه فقط لا غير، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [سورة الأنعام/57]، وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاه ُ} [سورة يوسف/40]، وقال تعالى:{وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [سورة الكهف/26]، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة/45]، وقال تعالى: {والله يحكم لا معقب لحكمه}، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [سورة النساء/65]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء/60]، وقال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [سورة الأنعام/62]، وقال تعالى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة القصص/70]، وقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء/59]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سورة النساء/50]، وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [سورة التين/8]، وقال لنبيه {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ} [سورة النساء/105]، وقال أيضا ً: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} [سورة المائدة/49].
وعن أبي شريح " أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكَم، وإليه الحُكْمُ" رواه أبو داود والنسائي.
وغيرها من الآيات والأحاديث القاضية بأنه لا يرجع في الحكم إلا لله لا إلى المحاكم القانونية الوضعية في أي وزارة أو دائرةٍ كانت.
وما زال العلماء يقاومون مثل هذا التوجه، فقد قاوم العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مثل ذلك، فقد جاء في فتاويه [12/265 برقم 4048] بعنوان؛ تعميمٌ للقضاة في النظر في كل القضايا ونَصُّ تَعْميمِه  رحمه الله  : (فقد بلغنا أن بعض القضاة يردّ بعض القضايا إلى مكتب العمل والعمال أو غيرها من الدوائر بحجة أن ذلك من اختصاص جهة معينة، وغير خافٍ أن الشريعة الإسلامية كفيلةٌ بإصلاح أحوال البشرية في كل المجالات وجميع النواحي المادية وغيرها، وفي الإحالة إلى تلك الجهات إقرارٌ للقوانين الوضعية، وموافقةٌ على الأنظمة المخالفة لقواعد الشريعة المطهرة وإظهارٌ للمحاكم بمظهر العجز والكسل وإعلانٌ عن التنصل عن الواجبات والتهرب من المسؤوليات، فاعتمدوا النظر في كل ما يرد إليكم والحكم فيه بما يقتضيه الشرع الشريف). انتهى المقصود.
وقال في رد مماثل [12/251]: (فتحققنا بذلك أنه حيث كانت تلك الغرفة التجارية هي المرجع عند التنازع أنه سيكون فيها محكمة، وأن الحكام غير شرعيين بل نظاميون قانونيون، ولا ريب أنّ هذا مصادمةٌ لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرع الذي هو وحده المتعين للحكم به بين الناس، واعتبارُ شيءٍ من القوانين للحكم بها ولو قليلٍ لا شك أنّه عدم رضاً بحكم الله ورسوله، ونسبةُ حكمِ الله ورسوله إلى النقص). انتهى المقصود.
وأمثال ذلك كثير في فتاويه رحمه الله، وفي فتاوى إخوانه من العلماء الربانيين رحمهم الله.
فمن المحاكم القانونية التي رفضها الشيخ محمد بن إبراهيم وإخوانه من العلماء وحاربوها أمثال: المحكمة التجارية , ومحاكم فضّ المنازعات التجارية، ومحاكم العمال، واللجان ذات الصلاحيات القضائية , والمحاكم الصحّية , والمحاكم العسكرية , ومحكمة وزارة الإعلام.... وغير ذلك مما فيه منازعةٌ لشرع الله ومضادةٌ له وخروجٌ عن الملة، نسأل الله العافية والسلامة (راجع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله 12/247 300).
أما دعوى أن الأنظمة التي تحكم بها هذه المحاكم أنها لا تخالف الشرع أو أنها مستنبطةٌ منه أو أن الحكم فيها لقضاة شرعيين:
فدعوىً عاريةٌ عن الدليل والبرهان، ينقضها خطواتُ وضعِ هذه القوانين المسماة بالأنظمة أواللوائح أو المراسيم التي لا يرجع فيها إلى الشرع وضعاً ولا تقويما، كما ينقضها نوعية أعضائها الذين لا يمتون للشرع بصلة، وإن وجد بعض الشرعيين فهم لا يستقلون بقرارات هذه اللجان، لأنها تتخذ بالأغلبية، كما أنه لا يسمح بالخروج عن مواد النظام.
وقد ذكر وكيل وزارة العدل السابق في كتابه التنظيم القضائي ص 461 في المبحث الثالث: اللجان والهيئات القضائية الأخرى قال: (إن كثيرا من القضايا والمنازعات خرجت من ولاية المحاكم العامة وتوزّعتها هيئاتٌ ولجانٌ قضائيةٌ أخرى تابعةٌ لجهاتٍ متعددة، ومنها المحكمة التجارية (سابقا) هيئة حسم المنازعات التجارية (حالياً) تتبع في تشكيلها ومخابراتها وزارة التجارة، ولجان القضايا العمالية تتبع وزارة العمل والشئون الاجتماعية، واللجان الجمركية تشكل بأمر من وزير المالية.... وهكذا مما قلّص سلطة القضاء وأفقده وظيفته في حلّ جميع الخلافات والمنازعات حتى لا يكاد يصدر نظام إلا وينصّ فيه على تشكيل لجنةٍ لتطبيق عقوبات مخالفاته) اهـ
ثم سرد المحاكم القانونية الموجودة باسم لجان فذكر أكثر من عشرين محكمة قانونية تُسمى لجنة أو هيئة (التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية من ص 461 إلى 515 تأليف وكيل وزارة العدل سابقا للشئون القضائية).
ولا يمكن أن يُستثنى أحد كائنا من كان من الشريعة فلا يُحكم عليه من خلال المحاكم الشرعية لا الصحفيون ولا السياسيون ولا العسكريون ولا الموظفون ولا غيرهم، ولا الفصل أيضا بين الدين والصحافة أو السياسة وغيرها.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية... الحديث)، رواه البخاري.
وفي الصحيحين عن عائشة: أن أسامة كلّم النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة فقال: (إنما هلك من كان قبلكم،أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع ويتركون الشريف والذي نفسي بيده لو أن فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها) بوّب عليه البخاري إقامة الحدود على الشريف والوضيع.
قال ابن حجر (فيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان والداً أو قريباً أو كبير القدر والتشديد في ذلك والإنكار على من رخّص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه) اهـ
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [4/318]: (من اعتقد أن في أولياء الله من لا يجب عليه اتباع المرسلين وطاعتهم فهو كافرٌ يستتاب فإن تاب وإلا قتل، مثل من يعتقد أن في أمة محمد من يستغني عن متابعته كما استغنى الخضر عن متابعة موسى) اهـ.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الناقض التاسع: (من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر) اهـ
فالواجب على العلماء والقضاة والدعاة وأهل الخير القيام بما يجب عليهم في صدّ هذا المنكر العظيم، والاحتساب في مقاومته ومجاهدته، فإنه يتعلق بالتوحيد والإيمان والكفر، والعدولُ عن الحكم بالشريعة إلى القوانين البشرية كفرٌ بالله العظيم وخروجٌ عن الملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار رحمه الله: (إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيلَ القانونِ اللعين منزلةَ ما نزل به الروحُ الأمينُ على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسانٍ عربيٍ مبينٍ في الحكم بين العالمين، والردُّ إليه عند تنازع المتنازعين مناقضةٌ ومعاندةٌ لقول الله عز وجل {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء/59]) [الفتاوى 12/284].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الموقعون:
1) محمد بن فهد العلي الرشودي. 2) علي بن خضير الخضير.  3) حمد بن ريس الريس.  4) محمد بن سليمان الصقعبي. 5) ناصر بن حمد الفهد.  6) عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد. 7) حمد بن عبد الله الحميدي. 8) أحمد بن صالح السناني. 9) أحمد بن حمود الخالدي. 10) عبد العزيز بن سالم العمر.