سياسة وأمن » دراسات أمنية

الجيش العربي السعودي ..العقيدة والقيادة – المسار التاريخي وحرب اليمن

في 2015/06/12

مدونة حسن العمري

 

شيء ما أفصحت عنه تلك الحرب الشديدة والقاسية التي أطلقتها الحكومة السعودية  مؤخراً ضد اليمن الشقيق ، لقد أثارت أسئلة كثيرة هذه الحرب ولكن فهماً أعمق عن عقيدة الجيش العربي السعودي وعن قيادته يبدو غائباً عن الكثير !!؟
كثير من الشائعات تدور حول هذا الجيش ، حول عقيدته ومبادئه وسمعته القتالية ، خصوصاً بعد عدة حروب في منطقة تعتبرمن أسخن مناطق العالم على الإطلاق .
لمن لايعرف الجيش العربي السعودي الحديث يمكننا القول أنه يضم كثيراً من الكوادر الشابة والمؤهلة في عدة قطاعات مختلفة منه ، من أبناء القبائل وأبناء الحواضر العريقة في طول البلاد وعرضها.
لقد تعلم الكثير منهم في أفضل المعاهد العسكرية في العالم ، بالإضافة الي الكليات العسكرية الجيدة في عدة مناطق بالمملكة، كما أن دورات تدريبية وبعثات عسكرية حققت تقدماً ملحوظاً في مدى إكتسابه للخبرات .
لا تنقص كثير من أفراد الجيش والقوات المسلحة الشجاعة والمهارات بشكل عام  ، فهم كما ذكرنا ينحدرون من أصول طيبة حاضرة وبادية ، ذات تاريخ في القوة والشجاعة والبأس في مختلف العصور ، ولاشك أن هذه الإعتبارات حاضرة في أذهان كثير من العسكريين الذين يفتخرون بهذه المعاني المغروسة في نفوسهم .
ولكن ترد هنا عدة تساؤلات حول هذا الجيش ، ومثله بقية القطاعات العسكرية بإستثناء الداخلية كونها خارج نطاق بحثنا، من مثل ماهي العوامل التي أثرت في تشكيل الجيش ، ماهي طبيعة بنية قيادته ، ماهي مصادر تسليحه وأثرها على قدرته وإنعكاساتها على القرارات السياسية لقيادته ،  السؤال الأهم ، ماهي عقيدة الجيش السعودي وكيف تشكلت؟
العقيدة العسكرية للجيش هي ببساطة “الفكرة الأساسية للجيش” وذلك حسب تعريف العسكري البريطاني غاري شيفيلد.
لن نكشف هنا  أسراراً عسكرية ً مما يتحفظ عليها عادة ً أصحابها ، ولكن نصف المخرجات والمشاهدات التي يمكن ملاحظتها على المؤسسة العسكرية السعودية إن جاز التعبير .
الجيش السعودي الحديث “سرد تاريخي”
خلال مسيرة هذا الجيش كان هناك عدة محطات يمكن تقسيمها الي مرحلتين : المرحلة الأولي أواخر فترة المؤسس الملك عبدالعزيز ومن ثم الملك سعود حيث كانت القضايا اكثر وضوحاً فلم تكن إلا قضية العدو الصهيوني وإحتلاله للأراضي العربية في تلك الفترة !!! ، وبعيداً عن أي فكر او سيناريوهات المؤامرة والخيانة لبعض القوات العربية وقياداتها أو التخاذل وسؤ الإدارة في أحسن الأحوال في مسألة الحرب مع العدو الإسرائيلي فإن القوات السعودية التى مازالت وليدة آنذاك  شاركت بقوة  عسكرية رمزية في حرب فلسطين عام 1948م حيث استشهد من ضباطه وافراده العديد .
المرحلة الثانية بدأت منذ تولي الملك فيصل الحكم وحتى الآن  كانت هناك  مشاركات محدودة للجيش العربي السعودي حيث تمثلت في مرابطة اثنين من ألويته في سوريا والاردن اثناء عدوان اسرائيل عام1967م وقعت فيها  حـرب حزيران أو مايسمى بالنكسة وللأسف إنتهت باستيلاء إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجـولان  ، عادت بعدها بعشر سنوات تلك القوات المرابطة في الإردن الي السعودية، فضلاً عن مشاركة بعض القوات في حرب 73 على الجبهة السورية .
بقيت غالبية المشاركات موجهة لمماحكات – عربية عربية – بدءاً من مشاركة بعض وحداته ضمن قوات الجامعة العربية التي رابطت في الكويت عندما حاول عبد الكريم قاسم عام 1962م غزوها .
من ضمن تلك الماحكات وليست الحروب بالمعنى الشامل والتي شارك فيها الجيش العربي السعودي  كانت “حرب الوديعة”  وبإختصار كانت عملية إسترداد مركز الوديعة الحدودي من  الوحدات العسكرية اليمنية التي تموضعت فيه.
كان  ضمن تلك الحروب – العربية العربية – المشاركة في تحالف لصد الإجتياح العراقي للكويت ، ورغم أن ذلك الحدث كشف عن مدى ضعف القوات السعودية وتردد قيادتها مع بداية الحرب وعدم جهوزيتها ، وصولاً الي قرار الإستعانة بالقوات الأجنبية حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة التحالف وضرب العراق في حربها الأولى ضده ،  تلاها حصار إقتصادي لعقد من الزمان ، قبل أن يقوم العدوان الأمريكي بإحتلال العراق عام 2003 وبتسهيلات عربية شاركت فيها المملكة العربية السعودية سياسياً ولوجستياً .
بعدها بسنوات قامت وحدات من قوات “درع الجزيرة” والمكونه من بعض التشكيلات السعودية بالمشاركة في ضرب الحراك الشعبي في مملكة البحرين على إثر موجة الربيع العربي الذي ساد ومازالت موجاته تسرى في المنطقة العربية .
هذا السرد التاريخي الواقعي الخالي من التجميل والذي يصف حالة المشاركات السعودية في تلك المرحلتين ، ورغم أننا هنا لانعيب بعض تلك المشاركات القديمة بخلاف الحديثة  فقد صاحبت نشؤ وتكوين الجيش العربي السعودي ، كما أن نتائجها المتواضعة كانت نتاج الوضع العربي البائس وقتها ، حيث لم يكن هناك تنسيق ووضوح في الرؤية بين كافة الدول العربية المحاربة لإسرائيل، بل بالعكس فإن التخوين والتهديد والعمل العدائي بين الدول العربية أخذ أشكالاً كثيرة ، ومنها وقوف الملكية السعودية بقيادة الملك فيصل ضد المشروع القومي العربي بقيادة جمال عبدالناصر مما نتج عنه خسارة الحرب مع إسرائيل في كل مراحلها ، وسقوط المشروع القومي العربي الناصري ، فضلاً عن إخفاق التضامن الإسلامي الذي دعى اليه فيصل والذى أراده  سداً أمام المشروع الناصري وبالتالي تكريس هيمنة الملكية السعودية التي وجهت طاقتها لإفشال المحاولات الوحدوية في المنطقة مع الخوف من بناء جيش قوي قد يقوض سلطة العائلة المالكة  أو ينقلب عليها.
هذه المقدمة والسرد التاريخي بالإضافة لبعض النقاط الأخرى التي سنوردها هنا  ضرورية جداً لعرض لمحة مختصرة عن تاريخ الجيش العربي السعودي ومصادر تسلحه  والعوامل التي أثرت في تشكيله ، وصولاً لمعرفة عقيده هذا الجيش، والخلفيات الفكرية لقيادته !
القيادة .. العائلة المالكة والجيش  
لم تزل أصداء محاولة الإنقلاب العسكري التي خطط لها بعض العسكريين السعوديين إبان المد القومي الناصري حاضرة في ذهن كبار مسئولي العائلة المالكة ، لقد أصبح هاجس تقوية الجيش مصاحب لهاجس الخوف من الإنقلاب ، لكن العائلة المالكة حاولت الإمساك بالمفاصل الحساسة في الجيش عبر إدخال كثير من أبناء العائلة المالكة  في الأجهزة الإستخباراتية المتفرقة داخل الجيش لتكون قريبة من أي تغيرات قد تطرأ  داخل الجيش ، لذا فلا عجب أن تعرف حجم وسرية ونفوذ الإستخبارات العسكرية في الجيش ، ومراقبتها لأي بوادر تتعلق بأي توجهات فكرية أو نشاطات إسلامية  حركية لبعض منسوبي الجيش ، كما حافظت العائلة المالكة على تفوق نوعي للقوات الجوية وسهلت عده مناصب ومواقع  لكثير من أبناء العائلة في قيادة المراكز الهامة داخل هذا السلاح .
ورغم إدارة العائلة بحذرمسألة تعيين ابناء الأسرة في مناصب قيادة الأركان فإنها تحرص على إستبعاد أبناء العائلة أيضاً من مثل بعض المناصب الحساسة ربما خوفاً من تكريس قوة إضافية لبعض الأجنحة في العائلة .
لقد إشتد التنافس داخل العائلة على المناصب العليا في وزارة الدفاع بعد وفاة وزير الدفاع الأسبق الأمير سلطان ، حيث تم إزاحة أكثر من خمسة أمراء في اقل من سنة واحده ، وهذا يوضح بجلاء إن العائلة تتعامل بحذر مع الجيش ، مما يؤثر على كافة تركيبة الجيش وتوزيع القيادات.
لدى العائلة المالكة حساسية خاصة تجاه مسألة الطيران الحربي فهو محتكر في دائرة ضيقة متحكم بها في سلاح الجو الملكي السعودي ولم يسمح للحرس الوطني أو اي قوات أخرى من تأسيس قوتها الجوية ، حتى الطيران المدني كان ولفترة طويلة تابعاً لوزارة الدفاع وما زال مسيطراً عليه حتى بعد إستقلاله في هيئة مستقلة . بل والعجيب أن نوادي الطيران المدني أو الرياضي مازالت ممنوعة ومضيقاً عليها بشكل يوضح حجم الخوف من أي تحركات جوية في سماء المملكة .
عقيدة الجيش .. التوجيه الديني في المؤسسة العسكرية
تعتبر العقائد والأفكار والأيديولوجيات عاملاً مهما في تشكيل الوعي وايضاً في تشكيل العقيدة العسكرية عند أي جيش أو قوة مسلحة ، ومن المعروف أن قرار الحرب والسلم في المملكة ليس بيد برلمان منتخب من  الأمة ، لذا فالقرار عادة يكون بيد العائلة المالكة إجمالاً وحصرياً بيد الملك أو من يحكم بإسم الملك .
وهنا يجب أن نعرف أن العائلة المالكة خاضت حروبها السابقة في أطوارها الأولى والثانية بإعتبارها مرتكزة على الزخم الديني المتمثل في التيار السلفي الوهابي التكفيري المتشدد ، والذي عبرهذه العقيدة خاض جميع حروبه سواءاً ضد الشيعة في العراق (غزوة كربلاء في عام 1216ه‍ من قبل سعود بن عبدالعزيز ) أو مع غيرهم في بقية المناطق في أنحاء  الجزيرة العربية مثل الإحساء ، وأيضاً الحروب المتعددة مع الأشراف في الحجاز وما حصل في غزوات مكة والمدينة والطائف وتربة وغيرها من المعارك التي وقعت تحت تأثير الإيديولوجيا الوهابية التي كانت ترى في تلك الحروب إنها حروب إيمان وكفر ، موحدون ومشركون ، كما أن عداء هذه المجموعات المقاتلة في الطورين السعوديين الأولين كان موجهاً ضد جيشين من أعرق الجيوش في المنطقة وهما الجيش العثماني التركي ، والجيش المصري ، ويشهد لذلك الحروب المتعددة للجيش المصري الذي كان يشرف على الحجاز ، والذي قاتل الوهابيين ودخل الدرعية وأرسل أمراءها من العائلة المالكة الي الباب العالى ليحاكموا ويقتلوا بإعتبارهم خوارج على الدولة العثمانية .
لانريد أن نسترسل حول حروب الدولتين السعوديتين الأولى والثانية مع العثمانيين والمصريين والأشراف أو غيرهم من أمراء وشيوخ المنطقة ولكن كان لابد من هذا السرد المختصر لمعرفة جذور التوجهات الفكرية للعائلة المالكة والتي هي مازالت في مكان الصدارة والقيادة للمؤسسة العسكرية النظامية الجديدة في طورها الثالث ، هذا الإرث الوهابي الذي شكل العقيدة القتالية للجيوش السعودية في طوريها الأولين  لم يعد بهذا الشكل في الطور الثالث حيث تم إنشاء جيش نظامي من ابناء عده قبائل وحواضر المملكة على خلفية إستقرار الوضع العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ونشؤ هيئة الأمم المتحدة وإنضمام المملكة لها ، إلا أن رواسب هذا الفكر الوهابي المتشدد قد تسربت عبر التوجيه الديني الذي تبنته الدولة إجمالاً في كافة مؤسساتها الدينية بل والتعليمية والقضاء ، وطال كذلك الجيش فمارسته فعليا إدارة الشئون الدينية في القوات المسلحة بطريقة أو بأخرى.
الأغاني والأهازيج و(الشيلات) التي يتبناها ويرعاها الإعلام الرسمي كلها تستنهض وتستدعي حمّية دينية ، غالباً يراد لها إستدرار العاطفة الدينية لتكون محفزاً لبذل الروح دفاعاً عن الوطن وترابه وحدوده  ، وغالباً يتم ذلك تجاه قضية أو حرب يأمل القادة في تعبئة الجيش وأفراده من أجلها  ، ولكن أين هي مثل هذه القضايا التي يجب إستنهاض الموروث الديني الجهادي لأجلها.
عادة ما تظهر مثل هذه الاهازيج في الأزمات وعند رفع حالة الطوارئ في المملكة ، ليقوم بعدها دعاة ومشائخ رسميون وشبه رسميون  بلبس الزي العسكري والإنطلاق للجبهات الملتهبة مع الجيران وخصوصاً في المناطق الحدودية مع اليمن ليقوموا بنشر الحماس الديني في القوات المرابطة على الحدود ، مع إلتقاط صور مع أولئك الجنود  .
مؤخراً وفي هذه الحرب الأخيرة ضد اليمن إرتفع ولأول مرة خطاب تحريضي وإستنهاضي لحماية بلاد الحرمين والمقدسات على وجه التحديد !!!! وهذا يطرح عدة أسئلة حول مدى معقولية وجود خطر على مكة والمدينة لتقوم الحكومة بحرب على اليمن !!!
في قلب المؤسسة العسكرية هناك الإدارة العامة للشئون الدينية ، وغالباً ما يتولى قيادتها شيخ عسكري سلفي التوجه ، وقد كان أحد افراد آل الشيخ رئيساً لهذه الإدارة لسنين طويلة ، تقوم هذه الإدارة عبر فروعها في كافة قطاعات الجيش بأعمال التوجيه المعنوي والحرص على تنمية العقيدة السليمة والصحيحة بحسب المفهوم السلفي الوهابي ، كثير من المطبوعات والمحاضرات تعتمد نفس أسلوب الدعاه المدنيين في خارج المؤسسة العسكرية ، نفس الأفكار نفس المواقف من بعض الطوائف الإسلامية والتي تقوم هذه المؤسسة بالتحذير منها .
يقوم بالتدريس في الكليات العسكرية مشائخ سلفيين من الخط الوهابي المتشدد ، وهم يؤكدون على أن عقيدة الجيش هي ذاتها العقيدة التي غرسها الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابة !! ، فهذا عضو هيئة التدريس بكلية الملك خالد العسكرية بالرياض، الدكتور سعد الدريهم،  يقول إن “الجيوش بعقائدها لا بأسلحتها”، مشيرًا إلى أن “العقيدة التي يتربى عليها الجيش السعودي هي ذات العقيدة التي تربى عليها الصحب الكرام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم”. كما يؤكد على ذلك أحد ضباطها والذي يتحدث عن عقيدة الجيش قائلاً: (لقد ارتبطت العقيدة العسكرية للمملكة ونبعت من العقيدة الإسلامية، فجيشنا المسلم لا يمكن أن يحارب من أجل أهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية لا تنبع من العقيدة الإسلامية، فعقيدتنا العسكرية نابعة من الكتاب والسنة، لذا فهي المصدر الأول لإرادة القتال لقواتنا المسلحة وهي الموجهة للسياسة العسكرية للمملكة العربية السعودية لنصرة الحق ورد المعتدين) ، لكن بتتبع مجريات الأحداث والسرد التاريخي السابق يتضح المنحى الطائفي في بعض تلك الحروب ، وتسخيرها مع إصطفافات العائلة المالكة وخياراتها ، فضلاً عن خفوت حدة ونبرة العداء تجاه العدو الإسرائيلي !!!
الجيش السعودي وحرب اليمن
تشكل الجبهة الجنوبية للملكة مع اليمن أهمية خاصة ، حيث توجد حدود طويلة تمتد لأكثر من ألف واربعمائة كيلومتر ، كما يقع خلف تلك الحدود العريضة مكون سكاني هو الأكبر في الجزيرة العربية ، وتعتبر هذه الحدود من المناطق ذات الأحداث الساخنة حيث شهدت معارك وحروب كثيرة سواءاً مع تأسيس المملكة مرورا بمساندة المملكة للملكيين في صنعاء ضد الجمهوريين المدعومين من عبدالناصر ، مما جعل أبها وخميس مشيط في مرمى الطائرات المصرية حينها ، مرورا بما يسمى حرب الوديعة ، قبل أن ينشب خلاف مع الحوثيين عام 2009 وإستيلاءهم على جبل دخان الحدودي وما أعقبه من عمليات عسكرية قتل فيها المئات من الحوثيين ، وارتفعت الخسائر البشرية  في الجانب السعودي الي مايقارب الثمانين عسكرياً ، فضلاً عن عمليات الإخلاء القسري لعشرات القرى والآف السكان السعوديين من المناطق الفقيرة المتاخمة للحدود ، تطورت الأمور بشكل متسارع بعد ذلك لتدخل المملكة في حرب مباشرة وقاسية على اليمن دون سابق إنذار ، وبشكل هستيري وقصف جوي حانق إستمر لأكثر من شهرين وحتى كتابة هذا المقال ، كل ذلك كان بدون غطاء شرعي أو قانوني سواءاً كان عربياً أم دولياً ، ورغم عدم قانونية هذه الحرب فإن الجانب الأخلاقي هو ما يعنينا هنا حيث أنه بالإضافة الي الجانب القانوني المنعدم فإن ذلك فتح الباب لتساؤلات كثيرة وخطيرة حول عقيدة الجيش العربي السعودي وتورطها في قتال لأشقاء بسبب عناوين مذهبية مترسبه في ذهن قيادته والمجموعات التحريضية اللصيقة بالعائلة من التيار السلفي الوهابي المتشدد.!!!
للأسف فإن التدخل العسكري السعودي في اليمن يعتبر في مفهوم  القانون الدولي (عدواناً)  وذلك بحسب ما ورد في المادة الخامسة من اتفاقية روما لعام 1998 الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية وتخالف احكام وقواعد حسن الجوار بين الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية الواردة في ميثاق الامم المتحدة ، كما لايوجد تفويض عربي من الجامعة العربية ، وكذلك من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة .
كما هو معروف أن من أهم الدوافع المعنوية لأي جيش هو إنسجام حروبه أو أعماله القتالية مع عقيدة الجيش أساساً ومع التوجه الديني والأخلاقي لذات الحرب وعدالتها ، كما أن ذلك يعتبرقاعدة شرعية تنطلق من قوله تعالى : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ).
وبعيداً عن مزايدات الإعلام الرسمي فإن كافة شرفاء العالم إستغربوا هذا الصلف وهذا العدوان على الشعب اليمني الأكثر فقراً وبؤساً والذي كان يحتاج الي رعاية وعقل لمعالجة أزمته السياسية وليس الي حرب،  لقد ظهر الجيش السعودي بمظهر الجيش الذي يقوده أشخاص متعصبون يريدون الثأر ، وهذا ما صرح به الناطق الرسمي للقوات المسلحة والأمن اليمني  العميد الركن شرف لقمان حسب ما أوردته وكالة سبأ  حيث قال : (عقيدة الجيش السعودي القتالية عدائية ثأرية أعادتنا إلى عصور الجاهلية الأولى وحروب الثارات الانتقامية).
حالياً وفي ظل قرار الحرب على اليمن فإن من أهم ما يقدح في معنويات الجيش  هو رعونة وعدم نضج قيادته ، وحيث أنها بيد أفراد من العائلة فإن المأزق الأكبر هو عدم الموثوقية والشك في حكمة  القرار وحكمة متخذيه  .
كيف يمكن تنمية الروح القتالية والمعنوية في جيش لاتثق قيادته بقدرات أفراده  فتذهب للبحث عن إستئجار جيوش أو مرتزقة ، حتما هذه المساعي ستحضى  بالفشل حيث أن هذه أشياء لاتشترى ، تماماً كما لايمكن شراء النصر بالمال وحده .
نحو جيش وطني
في عام 1980 إندلعت حرب طويله بين العراق وإيران إستمرت ثمان سنوات وخلفت مليون قتيل وخسائر قدرت بنصف ترليون دولار ، وقد كانت بتحريض ودعم من أغلب دول الخليج والسعودية كانت في المقدمة ، وبعيداً عن الأسباب السياسية لهذه الحرب فإن مايعنينا هنا ، التخبط الذي عانته دول المنطقة والمملكة على وجه التحديد ، حيث تم شيطنة إيران عوضاً عن كسبها لصف التضامن الإسلامي ودخلت المنطقة في حروب مستمرة وعبثية الي أن تم إستدعاء الموروث الطائفي من قبل جميع الأطراف لتصل المنطقة الي شفير الهاوية .
تسرب إلى العقيدة العسكرية السعودية الحالية – إن مضمراً أو معلناً- أن قتال إيران والشيعة هو قتال مقدس وضروري لأمن المنطقة !! يغذي هذا التوجه الخطير مؤسسة دينية طائفية ، وهروب من إستحقاقات ربيع الشعوب الذي يجتاح المنطقة ، كما أنه يقدم خدمات مجانية للأعداء الحقيقين في المنطقة من الصهاينة ومن يدعمهم عالمياً.
هذا التجييش الطائفي الذي أصبح مرتكزاً عقائديا للمؤسسة العسكرية يعتبر أمراً خطيراً خصوصاً أن المملكة كدولة حديثة يفترض أن تقوم على اساس مفهوم المواطنة لجميع ساكنيها والذي يحتوي علي مكونات شيعية موجودة في الإحساء والقطيف و نجران ، بالإضافة الي تيارات ومدراس دينية تختلف عن التيار السلفي الوهابي الرسمي في مناطق واسعة من البلاد.
لابد أن يكون الجيش وطنياً وبعيداً من التأثير الطائفي أو الصبغة السلفية الوهابية الضيقة والمتشددة  ، لذا يجب  حوكمة عمليات التوجيه المعنوي والإرشاد الديني لتنقيتها من نافخي الكير من الطائفيين وغيرهم من المتشددين  .
لابد من ترسيخ معنى أن يكون الجيش وطنياً بعيداً عن تطييفه أو أدلجته خارج إطار المفاهيم الإسلامية العادلة والسمحة والمتحررة من ضيق المذاهب والطائفية البغيضة والقاتلة.
لابد أن يكون الجيش وطنياً وقريباً من الشعب الذي هو المكون الأساس فيه وذلك  بوعى عناصره بأهمية ربط قراراته العليا والمصيرية (تسليحاً وتشكيلا ً) و(حرباً وسلماً)  بمجلس أمة منتخب يمثل الوطن ، وبالتالي الحد من تحكمات العائلة والتي مهما كان على رأسها من عقلاء فإن إحتمالية حدوث تغييرات فيها تدفع بمتطرفين أوعديمي الخبرة الي سدة الحكم واردة ، بل ومشاهدة ، وبالتالي تكون قرارات الحرب كارثية لايمكن تدارك أخطارها وأثارها ولنا في مليون قتيل في الحرب العراقية الإيرانية خير مثال ، وفي قرار الحرب الكارثي  الاخير في اليمن خير مثال .
لابد أن يكون الجيش وطنياً وأن لايكون أسير مصادر محددة للتسليح فما بالك اذا كانت هذه المصادر من دول تقف ضد كل مصالحنا القومية العربية والإسلامية وتستنزف مواردنا بسلاح لايعمل الا بشروطها .
لابد أن يكون الجيش وطنياً فهو المسئول عن حماية الوطن لذا فلايجب أن تترك حماية الوطن لتحالف سري مشبوه مع الولايات المتحدة الأمريكية ، بدأت هي نفسها بالتخلص من تبعاته كما يظهر في تحالفاتها وترتيباتها في المنطقة .
لابد أن يكون الجيش وطنياً وأن لايكون أداة لتمرير صفقات الفساد والإثراء غير المشروع والذي جرت عليه العادة من قبل كبار العائلة المالكة ، وما فضيحة صفقة اليمامة ببعيد عن أذهاننا .
كيف ترتفع الروح المعنوية وتثبت وتترسخ العقيدة القتالية في جيش يتم بشكل مثير للشفقة  إستدرار حمية  الدول الإسلامية – عبر بعض الجماعات السلفية في تلك الدول – بحجة حماية المقدسات !!
هل سيرسل المواطنون أبنائهم للجيش ليقوم بتحريكة قادة مستبدون من العائلة وبتحريض من طائفيين مؤدلجين أو لكي تستفيد من حروبه قوى العدو الصهيوني ، أو تجار السلاح !!!!
أين عقيدة الجيش العربي المسلم  الواعي بقضايا وتحديات منطقتة  ووحدته ، أين عقيدة الجيش المسلم الذي لاتستطيع افكار طائفية ومكاسب آنية ضيقة للقيادة  أن تزج به في حروب مع أشقاءه ممن يفترض أن يتضامن معهم بحكم الجوار والتاريخ والدين والمصالح والمصيرالمشترك.