دعوة » مواقف

أيدلوجية التحريض!!

في 2015/11/17

عاصم حمدان- المدينة السعودية-

لا يمكن للعقل أن يفكّر بطريقة موضوعية إذا ما تلبّسته الأيدلوجية، ودفعت به إلى سلوكيات التشدّد والتطرّف، وهذا ما ينطبق تمامًا على الذين يتعرّضون لعمليات غسل دماغ من المحرّضين لهم على ارتكاب جرائم سفك دماء الأبرياء في المجتمعات العربية، والمسلمة، والغربية على حدٍّ سواء، حتى بلغ الأمر بتلك المراجع الشيطانية بألاّ تراعي حرمة لبيوت الله فتحرّض على قتل المصلّين، وهم يحملون كتاب الله بين أيديهم، ويستجيب لتلك الطروحات التكفيرية صغار السن، والذين يشكّلون وقودًا لتلك الجماعات، وفي مقدمتها: طالبان، والقاعدة، والنصرة، وداعش، والتي يرمز لها عادة في الإعلام الغربي بـ»ISIL».. وإن كانت هذه الحركات قد خرجت من عباءة تيارات الإسلام السياسي، وأدبياته. ويأتي في هذا السياق جماعة التكفير والهجرة، والتي برزت في السبعينيات الميلادية، وصلتها بتلك التيارات، ومتّكئة في طروحاتها على ما عُرف -آنذاك- بمقولات جاهلية المجتمع، والقادمة من شبه الجزيرة الهندية، والمستقرّة في أحضان بعض البلاد العربية، ولم يسلم من شظاياها، وأوارها، وعواقبها السيئة أحدٌ، وإن حذّر بعض العقلاء -آنذاك- من دعاوى مبدأ الحاكمية، ولكن لم يلتفت أحد لذلك. وكان فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف -رحمه الله- من أوائل مَن حذَّر من عواقب التشدّد الديني، وفعل كذلك غيره من علماء هذه البلاد، وفي مقدمتهم سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الذي حذَّر بلغة واضحة من الخروج إلى أماكن الصراع، التي لا يُعرف خيرها من شرها.  «المدينة، السبت، 2 صفر 1437هـ».

إلاَّ أنَّ موجة التطرّف كانت عاتية، وقوية، وجاء زمن أهوج يحمل أفكارًا مؤدَّاها أن مَن لا يسير على خُطى صاحب «المعالم»! فهو قدْ شذَّ عن الطريق السويِّ، وأن عاقبته سيّئة، وكأنهم بتلك البيانات قد نصَّبوا أنفسهم حرَّاسًا على شرع الله، وقوَّامًا على أحكامه، وكأنَّهم لم يسمعوا بوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى جنده، وهي: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم، فإنّكم لا تدرون ما يحكم الله فيهم، ولكن أنزلوهم على حكمهم، واقضوا فيهم بعدُ ما شئتم».

وكان بعض شبابنا ببساطته المتناهية، إضافة إلى عدم تهيّؤ ذهنياتهم لما يمكن أن يدخل في فهم المسائل الفقهية الدقيقة، وقدرة أولئك المحرِّضين على استغلال تلك الطيبة الفطرية والدينية، فكانوا -للأسف- مع آخرين وقودًا لتلك الحركات المتشدّدة، والمتطرفة في أفغانستان في الثمانينيات الميلادية، وبينما كان المنظِّرون يختبئون في الكهوف حرصًا على الحياة، وتمسكًا بها وكثير منهم لا يدفعون بأبنائهم إلى أتون الحرب، وكلّ ما يفعله أولئك المحرّضون، والمنظِّرون -بعد أن ينهي الشاب حياته انتحارًا، وحياة العشرات، أو المئات من الأبرياء- هو أن يكشفوا عن اسمه، تاركين أسرته بعد ذلك متحمّلة وحدها تبعات سلوك فلذة كبدها.

تذكرتُ هذا المشهد التصنيفي، والحزبي الذي مضى على بعض أحداثه ما يقرب من نصف قرن من الزمن، عند سماعي خبر قيام كل من أمريكا وبريطانيا باستهداف من أطلقت عليه الصحافة الغربية الجهادي «جون»، وهو من جذور عربية واستقرت أسرته في بريطانيا، ثم أسند إليه المحرّضون عملاً بربريًّا، استنكفوا من القيام به أنفسهم لفظاعته، ووحشيته، وهو جزّ الرؤوس، والتلذذ بمرأى الدماء المسفوكة لأنفس بريئة، بعضها مسلم، وبعضها مَن حفظ لهم الإسلام حقوقهم في الحياة من أتباع الديانات الأخرى.

الأعمال الإرهابية الأخرى، وخصوصًا التفجيرات الدموية التي شهدتها العاصمة الفرنسية أخيرًا سوف ترتد للأسف الشديد بعواقب سيئة على الجاليات المسلمة في الغرب، وهذا ما حذَّر منه الوزير الوحيد المسلم في الحكومة البريطانية، بعد مقتل السيَّاح الإنجليز في تونس وهو Sajid-Javid، مستنكرًا موقف بعض أئمة المساجد في بريطانيا من عدم شجب الأعمال الإرهابية، وربما لا يعلم هذا الوزير، الذي رفع صوته مستنكرًا؛ حرصًا على سلامة الجاليات المسلمة المستقرة في الغرب.. لا يعلم، أو لم يدر بخلده أن وعّاظًا، وأئمة في بعض البلاد العربية يرفضون مثل تلك الإدانة، وهذا لا يمكن تفسيره إلاّ بتعاطف هذه الشخصيات مع ما يقوم به هذا النفر من سلوكيات لا يفيد منها إلاَّ أعداء هذا الدّين الخاتم الذي تقوم تعاليمه على الحب، والعفو، والرحمة، والتسامح، ولا تلتقي مطلقًا مع ما تدعو إليه هذه الجماعات المتطرّفة من وحشية، وقتل، وتدمير.