صحة » مخدرات

جرائم القتل.. المتهم مريض نفسي أو مدمن!

في 2015/12/08

الرياض السعودية-

فتّش عن المريض النفسي أو مدمن المخدرات عند حدوث جريمة القتل، هذه العبارة بات يرددها البعض بشكل علني عندما يُكشف الستار عن جريمة قتل في المجتمع، وقد يدعي القاتل أنَّه مريض نفسي أحياناً للإفلات من العقوبة، ويُعدُّ ترك المريض النفسي يسرح ويمرح في الشوارع دون أن يتمَّ حجزه في المستشفيات أو دون الاعتراف بمرضه مشكلة بحد ذاتها يجب التنبه لها، لأنَّ خطر هؤلاء يطال المجتمع ككل وليس أسرة المريض فحسب، ولعل السؤال الذي لابُدَّ من طرحه في هذا المقام يدور حول الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة في حال كان أحد الأبناء مريضا نفسيا قبل أن تحل الكارثة، وما الذي يجب على المجتمع فعله تجاه تلك الجرائم، وما الذي يجب على الأسرة فعله تجاه أبنائها غير الأسوياء قبل أن يصلوا إلى مرحلة ارتكاب جريمة بحق المجتمع أو حتى بحق الأب أو الأم أو أحد أفراد الأسرة نفسها، حيث تمَّ تسجيل العديد من حالات القتل ضحاياها هم أب أو أم أو أخ أو أخت أو أحد الأقارب، والمشكلة هي أنَّ من يرتكبها مريض نفسي أو مدمن مخدرات.

اضطرابات وجدانية

وقال د. أسامة النعيمي -استشاري أول أمراض نفسية وعلاج إدمان بمركز الجامعة الطبي-: "تُشير الإحصاءات بعدم وجود تزايد في حوداث العنف مع وجود المرض النفسي بشكل عام، بمعني لا يُظن أنَّ المريض النفسي أكثر عنفاً من غيره، لكن المريض النفسي المنتكس قد تطرأ على باله هلوسة أو ظنون أو شكوك على أساسه يعتقد أنَّ الآخرين يتآمرون عليه أو يكيدوا له المكائد"، موضحاً أنَّ هناك خلطا قد يستغله البعض للتهرّب من المسؤولية.

وأشار إلى أنَّ الأمراض النفسية بحد ذاتها بشكل عام لا تزيد من احتمالية عنف المرضى، إذ أنَّ بعض المرضى يُساء علاجهم أو لا يتمّ علاجهم أصلاً، وبالتالي فإنَّ طبيعة الأمراض التي لديهم تجعلهم أكثر ميلاً للعنف، استجابة لبعض الظنون التى تمر بهم، مُضيفاً أنَّه كان هناك في السابق خلط بين الذكاء والجنون، بينما أصبح هذا الخلط حالياً بين المريض النفسي والعنف، مُبيِّناً أنَّ المريض النفسي ليس عنيفاً، كما أنَّ الغالبية العظمى من المرضى النفسيين ليسوا عنيفين.

وأضاف أنَّ المرضى النفسيين يكونون متعايشين مع واقعهم إذا كانوا تحت إشراف أو إذا كانت أمراضهم ليست مزمنة أو خطيرة بشكلٍ يؤثر على تفكيرهم وحكمهم على الأمور، موضحاً أنَّ من بين هذه الأمراض الأمراض الذهانية، وأشهرها مرض الفصام ومرض الاضطرابات الوجدانية، وهذه الأمراض قابلة للتعديل والنصح ويأتي معها في الجانب الآخر الاضطرابات، وأشهرها الاضطرابات الشخصية المضادة ضد المجتمع، التى من الصعب توجيه النصح والإرشاد لهم، بل إنَّهم بحاجة إلى إشراف طبي مباشر، ومن هؤلاء الإرهابيون والقتلة.

دور الأسرة

وحول أسباب ربط المرض النفسي بجرائم القتل، قال د. النعيمي: "يجب أن نعي جيداً أنَّ المرضى النفسيين ليسوا مجرمين، وهذا الربط سببه الوعي بهذه الصورة، ومن خلال العلم الاستشرافي عندما كنا نشاهد مثل هذه الأشياء العنيفة نفسرها بالغيبيات والحسد، ثمَّ أصبحنا نرجعه للمرض النفسي، لكن لسوء الحظ ليس أن يكون مريضا نفسيا ويرتكب الجريمة، بل ألاَّ يكون مريضا ويقتل، وعندما يسأل عن المسببات يؤكد أنَّه مريض نفسي كتبرير لفعلته".

ودعا إلى عدم إلقاء اللوم على الأسرة لوحدها، مُضيفاً أنَّ دورها يُعدّ من أهم الأدوار فيما يتعلَّق باكتشاف المرض النفسي لدى أحد أفرادها وإقناعه بمراجعة العيادات النفسية، موضحاً أنَّ هؤلاء المرضى من نسيج المجتمع، لذلك يجب أن يكون علاجهم ومتابعتهم والإشراف عليهم موضوع مجتمعي، مُشيراً إلى أنَّ من الأسباب التى تجعل الأسرة في الغالب هي الضحية الأولى للمريض النفسي هي أنَّ الأفكار الذهنية تكون متمركزة لدى الأشخاص القريبين من حياة المريض. وبيَّن أنَّ المرضى المصابين بالاضطرابات الشخصية يكون العنف لديهم موجه تجاه المجتمع بأكمله، لذلك يوصف المريض هنا بأنَّه ذو شخصية مضادة للمجتمع، ونظراً لأنَّ الأشخاص الضعفاء من حوله هم أمه وزوجته وأخوه والسائق والخادمة، فإنَّه ينفس عن عنفه تجاههم، لاعتقاده أنَّ هؤلاء الأشخاص مشتركون في مؤامرة ضده، وفي حال لم يجد تنفيسا خارج الأسرة فإنَّ حوادث القتل عندما تحدث تكون بشعة جداً، كأن يقتل الابن أمه أو أباه، وبشاعتها تكمن في وجود علاقة أسرية بينهم، وليس من أجل محتوى الجريمة.

وأكَّد على أنَّ معظم العنف الذي يحدث من قبل مرضى الإدمان يكون خارج وعيهم، وذلك نظراً للمواد التى يتناولونها، حيث تجعلهم مضطربين، وبالتالي فإنَّ المريض لا يُفرق بين الواقع الحقيقي والواقع الذي يتخيله، ولذلك فإنَّه عندما يتوقف عن التعاطي بعد البرامج العلاجية يتفاجأ وينكر ما كان يفعله من مشكلات غالباً ما تدور في فلك الخيانة من الزوجة، مُشيراً إلى أنَّ المرأة متساوية مع الرجل في الأمراض النفسية، ما عدا الاضطرابات الشخصية، التي تزيد فيها الشخصية الهستيرية عند المرأة بشكل أكبر مقارنة بالشخصية المضادة ضد المجتمع عند الرجل، إلاَّ أنَّ التعبير عن الأمراض مختلف فيما بينهما.

صورة سلبية

ولفتت د. سميرة الغامدي -رئيس وحدة الإعلام والتوعية بإدارة الصحة النفسية والاجتماعية بصحة جدة- إلى أنَّ الصورة المجتمعية السلبية عن الأمراض والمرضى والأطباء النفسين تمَّ تكريسها من قبل السينما والإعلام والموروث الاجتماعي، مُضيفةً أنَّ الثقافة المجتمعية العربية ترى أنَّ المرض النفسي ضرب من الجنون والسحر وأنَّ الطبيب النفسي شخصية كوميدية، فكيف نطلب من المجتمع أن يكون تفكيره إيجابي تجاه المريض النفسي.

وأوضحت أنَّ الدولة والمستشفيات ليست مسؤولة بمفردها عن المريض النفسي، مُضيفةً أنَّها تتبنى علاج المريض وتدعمه وترعاه، لكنَّ المؤسف أنَّه حينما يغادر إلى بيت أسرته فإنَّها قد تخرجه إلى الشارع، متسائلة: ماذا يفعل هذا المريض عندما يرفض المجتمع وجوده، خصوصاً أنَّ حالته ربَّما كانت تستدعي تناول أدوية معينة، في حين يتمَّ عدم توظيفه أو زواجه، كما أنَّ ذلك قد ينطبق أيضاً على باقي أفراد أسرته ويصبحون أفراداً منبوذين.

وأشارت إلى أنَّ المريض النفسي قد يؤذي نفسه قبل الآخرين، خصوصاً عندما لا يجد من يحتويه أو يساعده أو يقدم له العلاج، مُضيفةً أنَّ سبب مشاهدة هؤلاء في الشوارع هو الإهمال من قبل الأسرة والمجتمع، موضحةً أنَّه من غير الملائم تبرير كل حادثة قتل أو جريمة أو عنف بالمرض النفسي، مُبيّنةً أنَّ الأمراض النفسية مصنَّفة طبياً ضمن مجموعة الأمراض الباطنية، مُضيفةً: "أنا أتحفظ على اتهام المريض النفسي بأنَّه مجرم ولديه استعداد للقتل، أو أنَّ المُعنِّف مريض نفسي ومدمن".

ارتباطات عقلية

وأكَّد د. سعيد وهاس -أستاذ مشارك واستشاري بقسم الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الدمام- على أنَّ المريض النفسي لا يشكل خطراً على الآخرين، كما أنَّه ليس بالضرورة أنَّ كل مريض نفسي وعقلي له ارتباط مباشر بالعنف، مُضيفاً أنَّ سلوك العنف مرتبط بالارتباطات العقلية وليست النفسية، فالمريض العقلي قد يكون منه خطر إذا كانت لديه أعراض الهلوسة أو الدلالات، فقد يستجيب لتتبع ضلالات معينة أو يستجيب لأمر من الأصوات التى يسمعها ويؤذي الآخرين، أمَّا السواد الأعظم من المرضى فليسوا مصدر أذى للآخرين أو لأنفسهم.

وقال: "يجب أن نفرق بين المرض النفسي والعقلي، فالمريض النفسي يتعالج بين الناس وليس منه خطورة، إنَّما الأمراض العقلية هي التى يجب الحذر منها، فالاتجاه العالمي تجاه المرض العقلي هو إغلاق جميع المستشفيات والمصحات النفسية؛ لأنَّ علاجهم يكون من خلال المجتمع، فقد أثبتت الدراسات والبحوث في العالم أنَّ بقاء المريض فترة طويلة في المستشفى تفقده مهارات التعايش، ممَّا ينتج عنه زيادة الضغوط عليه وعودة المرض، ومن ثمَّ حدوث انتكاسة له، ولا ينام في المستشفى إلاَّ المريض الذي على قدرٍ عالٍ من الخطورة على نفسه وعلى الآخرين".

وبيَّن أنَّ للأسرة دور فاعل في الإصابة بالمرض النفسي والعقلي، كما أنَّ لها دورا في شفاء المريض والمتابعة والمحافظة عليه، مُضيفاً أنَّ الدراسات والبحوث أثبتت أنَّ البيئة الضاغطة تتسبب في انتكاسة المريض، إذ أنَّ الأمراض العقلية قابلة للعلاج أكثر من قابليتها للشفاء، إلاَّ أنَّ المريض منبوذ اجتماعياً لا تجدي معه العلاجات، لذلك يجب على المجمع أن يتسامح مع المرضى العقليين، إلى جانب الفصل التام بين الأمراض العقلية والتلبّس بالجن.

تصرفات غير عقلانية

وأوضح أحمد السعد -اختصاصي اجتماعي- أنَّ هناك فكرا مجتمعيا متفق عليه يشير إلى أنَّ جرائم القتل غالباً ما تكون مرتبطة بالمرض النفسي أو الإدمان، مُضيفاً أنَّ هذا الارتباط أصبح معلناً في كثير من الأحيان، مُشيراً إلى أنَّ من أهم أسباب هذا الارتباط أنَّ الشخص السوي العاقل لا يمكن أن يتصرف تصرفات غير عقلانية بقتل شخص دون مبررات، وذلك لكون المريض النفسي أو المدمن يعد شخصاً غير سويّ ولا يمكن التنبؤ بما سيفعل، مُبيِّناً أنَّ بعض أطباء النفس يؤكدون على أنَّ القتل لا يصدر من قبل المريض النفسي، بل من قبل المعتل عقلياً، وهو الشخص الذي يعاني من اضطرابات تؤثر على تفكيره واستيعابه.

ولفت إلى أنَّه يقع على عاتق المجتمع حمل كبير تجاه المرضى النفسيين والمدمنين، خصوصاً أنَّهم قد يكونون قنابل موقوتة من الممكن أن تتسبب في الكثير من الأمور السلبية وارتكاب الجرائم، التي لا يمكن التنبؤ بها، مُشدداً على أهمية منح المريض العناية والرعاية الخاصة بهذه الفئة وتقديم أفضل أساليب العلاج العضوي والنفسي والاجتماعي، إلى جانب متابعتهم ومراقبة تصرفاتهم، وكذلك تخصيص أماكن لعلاجهم ورعايتهم تحت إشراف متخصصين قادرين على التعامل معهم، إضافةً إلى توفير جميع السبل لذويهم بالحصول على الاستشارة والتوجيه. وشدَّد على أهمية دور الأسرة في الاكتشاف المبكر لمثل هذه الحالات، إلى جانب الجلوس مع الابن أو الابنة حينما تكون تصرفاتهم غير عقلانية، وكذلك مراقبتهم وعرضهم على المتخصصين عند الحاجة، خصوصاً أنَّ الكثير من الحالات يسهل علاجها والسيطرة عليها إذا كانت في البداية، إضافةً إلى توعية الأبناء تجاه الأعراض ومتابعتهم وتوجيههم منذ الصغر، لافتاً إلى أنَّ المرضى النفسيين والمدمنين قد تطاردهم وصمة العار في المجتمع بشكل يؤثر سلباً على حياتهم الزوجية والنفسية مستقبلاً، حيث يتعرضون للنبذ من المجتمع، نتيجة الفكرة السائدة في المجتمع عن المريض النفسي بأنَّه شخص معتوه مشرد يتكلم مع نفسه ويعيش في عزلة طويلة ويفكر بالانتحار والقتل، داعياً إلى تغيير هذه النظرة السلبية ومحاولة دعمهم ومساعدتهم، مؤكِّداً على أنَّ نصف العلاج يكمن في احتوائهم ومشاركتهم مشاكلهم وتصحيح الأفكار السلبية لديهم شيئاً فشيئاً.