ملفات » انفجار مسجد الرضا بالسعودية

أي المنابر أخطر؟!

في 2016/02/05

شمسة البلوشي- اليوم السعودية-

ذهب الكثيرون إلى أن التعليم بمدارسه ومعاهده وجامعاته هو الموجه والقائد لأفكار الناس وتوجهاتهم وقناعاتهم، وأنَّ مقاعد الدراسة التي يجلس عليها طالب العلم ليتلقى من أستاذه منهج الحياة وعلومها هي ما يُغذي عقله بالخير والشر على حدٍ سواء! اتُهم التعليم باتهامات عدة هو منها براء، فإن كان هناك عدد أقل من القليل ممن زرعوا بذور الشر في نفوس الطلبة والطالبات إلا أنَّ هناك الكثيرين ممن استقام سلوكهم المنحرف من وراء هذه المقاعد والفصول الدراسية، وتشهد بذلك إدارات التوجيه والإرشاد فهي خير شاهد على ذلك، ويبقى التعليم له مناهجه بضوابطه المعلنة، والمدارس بنظامها الحازم تحت رقابة المسئولين وولاة الأمور.

وإذا كان هذا حال منبر «التعليم» فماذا عن المنبر الديني المتشدد؟، ماذا عن ذاك التأثير الذي يتركه الخطيب في نفوس المصلين (أيَّاً كان هذا المنبر ولأي طائفةٍ ومذهب ينتمون)؟!!

ماذا عن التشدد الديني الذي أعطى الخطيب لنفسه الحق في تصنيف المسلمين من أهل القبلة الواحدة: (هذا من أهل الجنة وذاك حطب جهنم فلا يجوز الترحم عليه ولا حتى أخذ التعزية فيه)!! متناسياً أنَّ الله هو «من يعذِّب من يشاء ويغفر لمن يشاء» وليس لأحدٍ من البشر الحق في تقرير مصير هذا وذاك طالما أن قبلةً واحدة تجمعهم.

وإذا كان منبرا التعليم والدعوة لهما صوتهما المسموع المؤثر فإنَّ هناك منابر أخرى طالعتنا في السنوات الأخيرة وهي لعمري أشد تأثيراً من الأولى والثانية، فهذان وإن حاد أحدهما عن الصواب إلا أنهما يبقيان محكومين تحت الرقابة والمسئولية، ويمكن متابعتهما وتصحيح المعوَّج فيهما، ولكن ماذا عن مواقع «التواصل الاجتماعي» التي ساهمت إلى حدٍ كبير في زرع بذور الشر في النفوس، لقد أظهرت هذه المواقع أسرار البيوت وأسرار النفوس، وصارت مسرحاً ومرتعاً خصباً لتبادل الاتهامات وتشكيك «الكل» في دينه وعقيدته بل وفي ولائه لوطنه!!

الكل صار يتبارى في كشف عورات الآخرين وسرائرهم، فما كان خافياً ومستتراً منذ أعوام طوال أصبح الآن حديث المجالس، الكل يُفتي، والمعظم يتجرأ، والأغلبية تُجاهر، ومن هنا صار الشباب بعقولهم الصغيرة وخبراتهم الطفولية التي تفتقر إلى النضج والرشد يتلقون دروس التاريخ المشوَّهة من هذه المواقع وهم يرسمون رسماً واضحاً لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الناس في الوطن الواحد.

كيف لنا أن نطالبهم بتوخي الحذر والحيطة في درء الشبهات والمفاسد وهم يرون المباريات الساخنة جداً بين المغرِّدين والشعراء والكُتَّاب وأهل الرأي والمثقفين وحتى العقلاء ثم نطلب من الجهلاء أن يُميِّزوا «الغث من السمين» وأن لا يكونوا «كحاطب ليل» كيف ذاك ونحن الذين دفعناهم دفعاً لقراءة الكثير من المغالطات والتصديق بها كمُسلَّمات غير قابلة للتحاور والنقاش الهادئ.

يقول الكاتب المصري أسامة غريب في إحدى مقالاته: كتبتُ ذات مرةٍ على تويتر: أنَّ صفار البيض أكثر فائدة من بياضه بمقدار خمسمائة مرة طبقاً لعلماء من سكان كوكب «الزهرة»!! ففوجئت بعد عشر دقائق بمائة وخمسين ريتويت أي (إعادة تغريد) للكلام الفارغ الذي كتبته في لحظة ملل عبثية! شعرتُ بعدها بالفزع، وأشفقتُ على نفسي مما أصبحتُ فيه، لقد صار هناك من يتبعني ويردد مقولاتي آلياً متصوراً أنني لا أنطق إلا بالحكمة المقطرة، وربما كان إعجاب البعض بشذرات مما أكتب هو سبب تصورهم أن ما يسطره قلمي لا بد وأن يكون عميقاً حتى لو لم يفهموه أو يعرفوا مناسبته، صحيح أن هناك من القراء الواعين من يتماهى مع تخاريف من هذا النوع ويُعلَّق عليها بظرف وهو يعرف حقيقتها، ولكن الخوف هنا من الجادين البسطاء الذين يظنون الحياة كلها قضايا كبرى نذر الكاتب نفسه لها بعد أن رسم على جبينه تقطيبةً عريضةً دليل الجدية والاهتمام!!

في الختام:

رفقاً بأنفسنا، وبأبنائنا، وبمستقبل وطننا الغالي.