دعوة » خطب

الإسلام يدعو للبناء ويذم التخريب والإفساد في الأرض

في 2016/02/06

الراية القطرية-

قال فضيلة د. محمد حسن المريخي إن البناء والإعمار شيء محبوب ومشكور عند الناس، مشيراً إلى أن البناء الحقيقي هو ما كان موافقاً للشرع والسنن والعقيدة الإسلامية الصحيحة.

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد عثمان بن عفان بالخور، إن الدين الإسلامي حثّ أهله وأتباعه على البناء والإعمار وأمر بالسعي في الأرض وإعمارها وتشييد أركانها، وأثنى على من سعى في الأرض من أجل الإعمار، مستشهداً بقوله سبحانه وتعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)، وقال سبحانه عن عبده الخضر وموسى عليهما السلام (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه)، وبقوله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). كما استشهد بقوله صلى الله عليه وسلم (من بنى مسجداً لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة)، وفي رواية (بنى الله له في الجنة مثله) رواه البخاري ومسلم. وبقوله (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل)، رواه الضياء في الأحاديث المختارة. كما أثنى سبحانه على من يبني البناء الطيب المبارك، كما هو شأن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فقال (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم).

وأكّد د. المريخي أن الشخص البنّاء هو شخص مذكور بالخير والمعروف سواء كان هذا البناء حقيقياً حسياً كالبناء المعروف أو كان معنوياً كالبناء الأخلاقي والأدبي والمشاريع التعليمية والدعوية.

وعرف فضيلته البناء الحقيقي بأنه هو الشيء النافع الذي ينفع صاحبه ولا يضره، يحفظه من البرد والحر ويستره ويجمله ويزينه عند الله والناس، لافتاً إلى أنه البناء الذي يؤسس على تقوى من الله ورضوان يبنى على قاعدة من القوّة بالله والمتانة، والمعرفة بالله وسننه.

وشدّد الخطيب بأن البيوت والمساكن لا تبنى إلا من الحلال الطاهر والدراهم النقية حتى يبارك الله تعالى في تلك البيوت، وقال، كما تبنى معنوياً بذكر الله وطاعته وتشيّد على نشر الفضيلة وتخريج الذرية الصالحة، البيوت التي تطهر من أرجاس الأغاني وأدوات اللهو، يقول صلى الله عليه وسلم (مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحيّ والميت)، رواه مسلم. ويقول (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم.

بناء الأبدان

وعن طبيعة بناء الأبدان قال فضيلته، إنه لا تبنى إلا من الحلال الخالص وتطهر من الحرام، مستشهداً بقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد سأله أن يدعو له ليكون مجاب الدعوة (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به)، لافتاً إلى أن النفوس والقلوب تبنى بذكر الله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وتؤسّس على الأخلاق الفاضلة والآداب الإسلامية والشيم، فالبناء والإعمار لكل شيء يكون على ما يحبه الله ويرتضيه.

وقال خطيب مسجد عثمان بن عفان بالخور إن البناء إذا بني وأسس على أساس متين وقواعد صلبة كانت نتيجته الصمود والبقاء والمقاومة لعوامل الأزمان واستمرّت فائدته ومنفعته إلى ما شاء الله تعالى.

وقال للمصلين إن الأزمان التي نعيشها والقادمة تحتاج إلى بناء قوي متين من الدين الحنيف والأخلاق الكريمة والشيم الإسلامية، لأن فظائع الأزمان وعظائم الأيام وتقلبات القلوب والأنفس وتغير الأحوال شيء كبير، وقوى تجرف سيوله الكثير من الأخلاق والمثبتات والآداب وتهدم من بيوت العز والشرف ما لا يعلمه إلا الله.

وطالب المصلين بأن يعدوا لهذا الأيام عدتها من البنيان القوي الأخلاقي المؤسس على شرائع الإسلام، محذراً من البناء الهشّ الخفيف، حيث وصفه بأنه لا يصمد طويلاً أمام قوة دفع السيول، فلقد تضرر من لم يبنِ بنيانه على منهج الإسلام الحق ولم يؤسسه على سنن مولاه عز وجل ولم ينشئه على نصح محمد رسول الله، فكان البناء هشاً وضعيفاً كانوا يحسبونه قوياً متيناً وهو مُبنى على طمع الدنيا ومتاعها وشهواتها وملذاتها، فلما جرت السيول إذا بنيانهم ينهار عليهم ويخر السقف على رؤوسهم، ولما جاءت الأزمات والمحن إذا هم ينهارون ولما نزلت الابتلاءات إذا هم يفرون ويهربون، إنهم الضعاف الهزيلون الذين لم تكن لهم عناية بالعقائد الإسلامية المتينة والمناهج النبوية الكريمة (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم).

واستطرد د. المريخي قائلاً، وإذا كان الإسلام يدعو للبناء ويحث عليه فإنه ذم الهدم والتخريب والإفساد في الأرض، يقول تعالى (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)، وقال (وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب)، ووصف اليهود بأنهم أداة الفساد في الأرض فهم أهله ومنبعه، فقال (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين).

ونوّه بأن الهدم والإفساد هو التخريب والتدمير سواء كان حقيقياً كتدمير الأعداء للبلدان أو هدم الأخلاق والآداب بنشر الرذائل والأفكار والمعتقدات الفاسدة والجرأة على الله تعالى وتعدي حدوده وعدم الالتفات إلى مناهجه الربانية والنبوية وتقليد الكافر وانتهاج منهجه ونشر البدعة والضلالة والخرافة وتهميش السنّة والاجتهاد في مناهج الضلال والمفسدين والمخربين، كل ذلك وغيره من الهدم والإفساد في الأرض.

ووصف فضيلته الهدم بأنه شيء مبغوض ومكروه خاصة إذا كان في الجانب المعنوي كهدم الأخلاق والآداب والسنّة وهذا أخطر وأشد تدميراً وإيلاماً من الهدم للبنيان والقرى، لأن الناس بأخلاقهم وآدابهم ومتابعتهم لمنهج ربهم ونبيهم عليه الصلاة والسلام فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

وتابع، لقد بادت أمم وانتهت قرون بسبب انسلاخهم عن منهج ربهم وأنبيائهم (أو لم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لأية لقوم يسمعون)، (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين)، فكفى خسة بالمرء أن يكون هداماً مخرباً مفسداً؛ لأنه تشبه في ذلك بأخس المخاليق إبليس واليهود وإخوانهم من المنافقين، يقول الله تعالى (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون).

وأشار إلى أن أحوال هذه الأزمان قد اختلطت وتغيرت، حيث إن دعاة البناء كثير حتى المخرب يزعم أنه يبني وأن كان يقدم أو يعرض فساداً لا يتحرج من تسميته بناء وتعميراً، فمن الناس من يبني خبثاً ويؤسس فسقاً ويسميه بأسماء القبول والرضا والبعض باسم الإسلام يهدم ويخرب ويسمي صنيعه بناءً، وذلك عندما يدعو عباد الله إلى تبني المعتقدات المضللة والأفكار المنحرفة عن منهج النبي عليه الصلاة والسلام، عندما يدعو إلى البدعة وينشر الخرافة ويزينها للناس، وهذا أيضاً من أخطر الهدم حين يهدم السنن الربانية والنبوية وينشر ما يشوش على السنة المطهرة والهدى المستقيم.

ونبّه د. المريخي إلى أن من يسعى لنشر ما يخالف ما جاء به رسول الله يعد فساداً وتخريباً توعد الله تعالى فاعله، فيقول تعالى ذماً لبعض الأقوام على لسان شعيب عليه السلام (فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين). فالخير كله فيما جاءت به الرسل ومن سعى ليغير منهج المرسلين فهو من المفسدين حقيقة، والمؤمن حقاً لا يرضى بهذا أبداً ويرى الخير كله فيما جاء به رسول الله من عند ربه.

وحذّر فضيلته مَن يهدم ويخرب ويدمر ثم يدعي بأنه يبني، قائلاً إن الله يعلم ما يفعل هؤلاء، وذلك كما في قوله (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب)، فيا ويلهم يقولون نبني وهم يكرهون العباد على هجر السنن وتركها بتسمية السنة بالأسماء المنفرة كالتشدد والتزمت ويذمون أهل السنة.. يا ويلهم يسمون الهدم بناءً حتى يقبله الناس ويرضوه ويحسبوا أنهم مهتدون.

وقال في ختام الخطبة إن من بنى بناءً حقيقياً فإنما يبني لنفسه ومن هدم وخرب فإنما يهدم على نفسه ويخرب عليها ويعرقل طريقه إلى الآخرة (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون)، (فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً).

وطالب المرء بأن يكون بنّاءً حقيقياً، كما أراد الله تعالى، يبني الدور بطاعة الله ويبني المساجد وبيوت الخير ويبني الأبدان والأنفس بالأخلاق الإسلامية والآداب والشيم والسمعة الطيبة والذكر الحسن ويتسبب في دعوة الناس له، ويحذر كل الحذر من أن يتسبب في دعاء الناس عليه بسن السنن المنحرفة والمشاريع المدمرة والمناهج الفاسدة والطرق المتعرجة المضللة، ففي الحديث (يخرج في أخر الزمان رجال يَخْتِلُونَ الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول تعالى: أبيَ يغترون أم عليَّ يجترئون فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيراناً).