اقتصاد » صفقات

5 صفقات جديدة.. السعودية وفيتنام توسعان آفاق التعاون

في 2025/10/22

طه العاني - الخليج أونلاين

تفتح التحركات الاقتصادية السعودية في آسيا آفاقاً جديدة للشراكات الاستثمارية، بعدما مضت المملكة وفيتنام في توقيع صفقات استراتيجية تعكس اتجاهاً متسارعاً نحو بناء جسور تعاون عابر للقطاعات.

وتأتي هذه الخطوة في ظل مساعٍ متبادلة لتعزيز الروابط الاقتصادية، حيث تسعى المملكة إلى توسيع حضورها في الأسواق الآسيوية سريعة النمو، فيما تتطلع فيتنام إلى جذب شركاء موثوقين لدعم طموحاتها في البنية التحتية والصناعة والسياحة.

ومع تزايد أهمية التكامل الاقتصادي بين الخليج وآسيا، تكتسب هذه الصفقات دلالات أوسع من مجرد أطر تعاون ثنائية، لتتحول إلى مؤشر على تحول استراتيجي في مسار العلاقات بين البلدين.

اتفاقيات استثمارية

وفي هذا الإطار يمثّل توقيع الصفقات الخمس، في 30 سبتمبر 2025، نقطة تحول في مسار العلاقات السعودية–الفيتنامية، إذ شملت مجالات متنوعة تمتد من البناء والتشييد والبنية التحتية، إلى الصناعات المتطورة للأثاث، إضافة إلى برامج تدريب وتأهيل الكوادر البشرية وقطاع السياحة.

ويعكس هذا التنوع رغبة الجانبين في جعل التعاون الاستثماري أكثر شمولاً واستدامة، بما يتجاوز نطاق المشاريع التقليدية إلى استراتيجيات طويلة الأمد.

وخلال الملتقى الذي استضافته غرفة التجارة والصناعة الفيتنامية بالتعاون مع اتحاد الغرف السعودية، أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف، متانة العلاقات الاقتصادية، مشدداً على أن مجلس الأعمال السعودي–الفيتنامي يؤدي دوراً محورياً في تمكين القطاع الخاص واستغلال الفرص المتاحة.

كما أوضح الخريف بتصريحات نشرتها وكالة الأنباء السعودية أن المملكة تعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية النوعية عبر منظومة متكاملة من الحوافز، تشمل الحلول التمويلية المقدمة من صندوق التنمية الصناعية السعودي وبنك التصدير والاستيراد، ما يمنح المستثمرين ثقة أكبر في الانخراط بمشاريع استراتيجية.

وأشار الخريف إلى أن سياسات المحتوى المحلي تعزز تنافسية الصناعات الوطنية وتدعم خطط التوطين، فيما يشكل قطاع التعدين إحدى الركائز الأساسية في مسار رؤية 2030.

ونوّه بأن إطلاق الاستراتيجية الشاملة للتعدين وبرنامج المسح الجيولوجي العام أسهما في رفع قيمة الثروات المعدنية المكتشفة في المملكة من نحو 1.3 إلى 2.5 تريليون دولار، ما يجعل السعودية وجهة واعدة في الاستثمار التعديني.

وتأتي هذه المشاركة ضمن زيارة رسمية للوزير إلى فيتنام، وتهدف إلى استكشاف فرص تعاون صناعي وتعديني أوسع، بما يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030 في تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز الشراكات العالمية.

انفتاح خليجي آسيوي

ويرى أستاذ العلوم السياسية د. أسعد كاظم شبيب أن توقيع الاتفاقيات التشاركية بين السعودية وفيتنام يمكن أن يسهم في تبادل الخبرات الاستراتيجية بينهما، مشيراً إلى أهمية الأفق الاستراتيجي للبلدين الذين يطمحان إلى دور تنموي أكبر في المنطقة.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن كل دولة تمتلك نقاط قوة يمكن أن تسهم في رفد الجانب التنموي للدولة الأخرى، ويمكن لهذه الاتفاقيات أن تنقل علاقات السعودية وفيتنام من الطور التقليدي إلى طور صعودي غير تقليدي، قائم على التشارك والتنمية المتقدمة.

وأوضح شبيب أن فيتنام تُعد من الدول الآسيوية التي حققت صعوداً كبيراً في السنوات الأخيرة بمجالات التنمية المتقدمة، مستفيدة من موقعها الجغرافي وقربها من دول متطورة، كما أن السعودية لديها طموح للعمل بالحوكمة وفي مختلف مجالات التقنية.

ويعتقد شبيب أن هذا المستوى من العلاقات التشاركية التنموية يمكن أن يوظف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة تنموية كبيرة في السعودية.

كما أشار إلى أن الجانب الفيتنامي يمكن أن يستفيد بالمقابل من الثروات والقدرات المالية الكبيرة في السعودية، ويضيف أن هذا التعاون سيُستخدم في تحسين الاقتصاد الفيتنامي وتشغيل مئات الآلاف من الأيدي العاملة، إضافة إلى تطوير مختلف القطاعات عبر الاستفادة من التقنيات التكنولوجية.

ويؤكد شبيب أن تنامي حجم التبادل التجاري، خلال السنوات الماضية، يعكس تحولاً مهماً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مشيراً إلى أن العلاقات التشاركية والتعاونية الموقعة مؤخراً هي ترجمة عملية لهذا التعاون المتنامي.

ويتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى آفاق أوسع مما سبق، مما سيحقق قفزة تنموية كبيرة ويسهم في رفد مختلف القطاعات التنموية والتجارية والاستثمارية في كلا البلدين، حيث يوظف كل طرف مقومات الآخر لخدمة قطاعاته.

ويرى أن هذه الشراكات تفتح بالتأكيد باباً أوسع للتعاون الخليجي الآسيوي في القطاعات الصناعية والتعليمية، لافتاً إلى أن "السعودية، ومعها دول الخليج، انفتحت في العقود الأخيرة باتجاه دول آسيوية صاعدة مثل الصين وسنغافورة وماليزيا وفيتنام".

ويختتم شبيب بتأكيد أن هذا التوجه "يدل دلالة واضحة على حجم استثمار كبير وبنية متطورة، إضافة إلى الاستفادة المتبادلة من قوة كل طرف في تحقيق نهضة تنموية واسعة".

شراكة متنامية

وتبلورت ملامح التعاون الصناعي والتعديني بين السعودية وفيتنام خلال الزيارة الرسمية التي أجراها وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف إلى هانوي، ما بين 28 و30 سبتمبر 2025، حيث عُقدت اجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين في الحكومة الفيتنامية.

وشهدت الزيارة اجتماع الوزير الخريف مع نائب رئيس الوزراء الفيتنامي بوي ثانه سون، إضافة إلى لقاءات مباشرة مع شركات كبرى مثل "VINFAST وVinafood وLILAMA Corporation".

وقد عكست هذه التحركات رغبة متبادلة في الانتقال من مرحلة التشاور إلى شراكات عملية تستهدف الصناعة والتعدين والقطاعات ذات الأولوية.

وجرى خلال المحادثات الرسمية تأكيد أهمية تمكين القطاع الخاص من استغلال الفرص الاستثمارية وتعزيز دور مجلس الأعمال السعودي–الفيتنامي في تنمية الاستثمارات المشتركة.

وركّز الجانبان على سبل تبادل الخبرات واستقطاب الاستثمارات ونقل التقنية في الصناعات الغذائية ومنتجات الحلال، وكذلك في البحث والابتكار والتصنيع المتقدم بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.

ووفق ما أوردته صحيفة "عكاظ"، في 29 سبتمبر، فإن الاستثمارات السعودية في فيتنام تجاوزت 1.92 مليار دولار، موزعة على قطاعات الطاقة والصناعة والتقنية، ما يجعل هانوي وجهة مؤثرة في خريطة الحضور السعودي في آسيا.

كما استعرض الجانب السعودي المزايا التنافسية لبيئة الاستثمار الصناعي في المملكة، بما في ذلك الحوافز والتسهيلات الحكومية، والموقع الجغرافي الرابط بين ثلاث قارات، ووفرة الموارد الطبيعية، وأسعار الطاقة التنافسية، إلى جانب البنية التحتية المتطورة والمدن الصناعية المتقدمة.

وبحسب تقرير صحيفة "الاقتصادية" السعودية، في 28 سبتمبر الماضي، ركزت الزيارة أيضاً على تطوير سلاسل إمداد صناعة السيارات، وتعزيز إنتاج الأغذية الحلال، وتطوير المدن الصناعية، إضافة إلى اعتماد ممارسات التصنيع المتقدم.

وتعكس هذه الأولويات تقارباً استراتيجياً بين توجهات الاقتصاد الصناعي في فيتنام ورؤية السعودية 2030 التي تركز على تنويع القاعدة الاقتصادية وتبني تقنيات صناعية عالية القيمة.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع من 9.58 مليارات ريال سعودي (2.55 مليار دولار) في 2016 إلى 14.11 مليار ريال (3.76 مليارات دولار) في 2024.

ومنذ إنشاء اللجنة السعودية–الفيتنامية المشتركة عام 2006، وُضعت أسس تعاون متصاعد وصل اليوم إلى توافق في الرؤى الاقتصادية، حيث يلتقي التحول الصناعي لفيتنام مع مسار التحول الاقتصادي السعودي، في مجالات التعدين والطاقة المتجددة والتصنيع المتقدم.

ويفتح هذا التوافق الباب أمام فرص نوعية لتوسيع الشراكات الثنائية إلى مستويات إقليمية أوسع، بما يجعل العلاقات السعودية–الفيتنامية مرشحة لأن تتحول إلى نموذج للتعاون الآسيوي–الخليجي في الصناعات الاستراتيجية.