اقتصاد » تطوير بنى

كيف أصبحت قطر وجهة مثالية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي؟

في 2024/12/21

طه العاني - الخليج أونلاين

شهدت قطر في العقد الأخير تحولاً نوعياً نحو تعزيز مكانتها كوجهة مثالية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من بنيتها التحتية الرقمية القوية، ورؤيتها الوطنية الطموحة 2030 التي تركز على بناء اقتصاد قائم على المعرفة.

وتسعى الدوحة إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً وعالمياً في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال استثماراتها في التعليم، والبيانات، والبنية التحتية التكنولوجية.

وفي هذا الإطار وفّرت الدولة بيئة مواتية لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، حيث أطلقت برامج حكومية ضخمة ومبادرات خاصة تدعم ريادة الأعمال والابتكار في هذا القطاع الحيوي.

الاستثمار بالذكاء الاصطناعي

أصدرت وكالة ترويج الاستثمار، في 10 ديسمبر الجاري، تقريراً مشتركاً مع شركة "أكسنتشر" حول التأثير المحوري للبيانات والذكاء الاصطناعي في صياغة مستقبل الاقتصاد القطري وتعزيز موقع الدولة كقوة رائدة في التحول الرقمي إقليمياً.

ويأتي التقرير الذي حمل عنوان "البيانات والذكاء الاصطناعي: إعادة تحديد آفاق النمو في قطر"، والصادر بالتزامن مع فعاليات الدورة الأولى من "القمة العالمية للذكاء الاصطناعي 2024" في قطر، ليسلط الضوء على النمو الهائل للفرص عبر القطاعات التي تنعش استثمارات الذكاء الاصطناعي.

وأوضح التقرير أن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية التكنولوجية، والمبادرات الحكومية الداعمة للابتكار، والشراكات المتنامية بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية تسهم في بناء نظام بيئي متكامل يعتمد على البيانات والذكاء الاصطناعي.

وأشار إلى أن قطر تتمتع بمزايا تنافسية تشمل قوى عاملة مؤهلة، وفرص وصول ميسرة إلى رأس المال، والتزام قوي بتبني التكنولوجيا الحديثة، مما يجعلها وجهة مثالية للاستثمارات في هذا المجال.

وتوقّع التقرير أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنحو 19.9 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي، مع تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعدل 3.5% بحلول عام 2030.

كما نوّه بأن 98% من قادة الأعمال يعتبرون الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في حجم التمويل الموجه لهذا القطاع، تأكيداً للقيمة الاستراتيجية التي تمنحها الشركات للابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي.

وفي تعليقه أكد الرئيس التنفيذي لوكالة ترويج الاستثمار، الشيخ علي بن الوليد آل ثاني، أن البيانات والذكاء الاصطناعي لم يعودا مجرد أدوات لتحسين القطاعات، بل أصبحا عوامل رئيسية تعيد تعريف مستقبل الاقتصاد، مشدداً على أهمية الاستفادة من إمكاناتهما لدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة قطر عالمياً.

ومن جانبه أشار المدير العام لشركة أكسنتشر في قطر مجدي الخاطر، إلى أن البلاد تمر بمرحلة تحولية تعكس التزامها بأجندتها الرقمية الوطنية لعام 2030، والتي تسعى لدمج الذكاء الاصطناعي بشكل استراتيجي ومسؤول في مختلف القطاعات، مما يعزز التنمية المستدامة من خلال التركيز على التكنولوجيا وتطوير المهارات البشرية.

وتُمثل أجندة قطر الرقمية 2030، التي أُعلنت مطلع هذا العام، خطوة كبيرة نحو تحقيق تحول رقمي شامل يعزز التنمية الاقتصادية ويواكب التغيرات العالمية في مجال الابتكار والتكنولوجيا.

نجاحات وتحديات

ويقول الباحث الرقمي نبيل العبيدي إن دولة قطر من الدول التي سارعت بالتحول إلى بيئة استثمارية جاذبة، بفضل دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية المختلفة، لرفع الشأن بالقطاعات المختلفة، منها دعم التنوع الاقتصادي ومشاريع الاستدامة البيئية والإدارة الفعالة والاستخدام الأمثل للموارد وتحويل وتأسيس الحوكمة الرقمية بالقطاع العام.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن الذكاء الاصطناعي ساهم بشكل مباشر في تحسين كفاءة العمليات الصناعية والخدمية، مما جذب المستثمرين الباحثين عن الابتكار والإنتاجية العالية بأقل التكاليف.

ويبين العبيدي أن قطر استثمرت في البنية التحتية الرقمية؛ مثل مراكز البيانات الضخمة، وهذا جعلها مركزاً إقليمياً لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتدريباته؛ بسبب حجم البيانات التي تسهم بصقل المنتج الخاص بالذكاء الاصطناعي واستعماله كأداة فعالة للحفاظ على البنية التحتية وتطويرها.

ويرى أن السياسات الحكومية القطرية أدت دوراً محورياً في دفع عجلة الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال إطلاق استراتيجيات وطنية، وتمويل ودعم الشركات الناشئة.

ويردف أن الحكومة تقدم حوافز مالية عالية وضريبة مخفضة لتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على دخول هذا القطاع لتحقيق الرؤية المستقبلية للدولة ووضع قطر في مصاف الدول المتقدمة تكنولوجيا ودعم الإبداع والابتكار بأنواعه.

ويلفت العبيدي إلى أهمية الشراكات الدولية، حيث تعاونت قطر مع جامعات وشركات عالمية لإنشاء مراكز أبحاث متخصصة، كما عملت على تعزيز الابتكار التعليمي، والاستثمار في برامج تعليمية ومبادرات تدريبية متخصصة لضمان توفر الكفاءات المحلية اللازمة للارتقاء بتلك الصنعة وتحقيق الوفرة المهارية والعلمية بين الشباب القطري.

وحول أبرز التحديات التي تواجه الاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي بقطر، يوضح أن العالم أجمعه يدخل في تحديات في هذا المجال؛ بسبب السرعة التي يتم التطوير بها، والفرص التي بدأت تظهر نحو تعزيز الصناعات التكنولوجية.

ويشير العبيدي إلى أبرز هذه التحديات؛ منها نقص الكفاءات الوطنية المتخصصة، والتكاليف المرتفعة، والحاجة إلى تطوير بعض الأطر القانونية لتسهيل الابتكار مع حماية البيانات، إضافة إلى التنافس الإقليمي في المجال.

تحول رقمي

كشفت قطر عن أجندتها الرقمية 2030 كجزء من جهودها لتعزيز التحول الرقمي الشامل، حيث تقدم الأجندة رؤية متكاملة تهدف إلى تحقيق أهداف محددة، من بينها خلق 26 ألف فرصة عمل بحلول نهاية العقد الحالي، وتعزيز ترتيب الدولة ضمن أفضل 10 مراكز على مؤشر التنافسية الرقمية.

ولتحقيق هذه الطموحات خصصت قطر استثمارات بقيمة 2.5 مليار دولار لتحفيز الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وترسيخ مكانتها كقوة رائدة في الاقتصاد الرقمي العالمي، وذلك وفق ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال منتدى قطر الاقتصادي الذي بدأ فعالياته في 14 مايو الماضي بالدوحة.

وتواكب قطر دول الخليج الأخرى في تكثيف استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، ففي المملكة العربية السعودية، تخطط الحكومة لإطلاق صندوق بقيمة 40 مليار دولار مخصص لهذا المجال، وفقاً لتقارير صحيفة نيويورك تايمز.

كما تتصدر الإمارات جهودها في هذا السياق من خلال شركة "G42"، التي أطلقت إصداراً مطوراً من نموذج الذكاء الاصطناعي "فالكون"، الذي أُعلن أنه يتفوق على نظرائه.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل أبوظبي على تأسيس شركة استثمارية تكنولوجية تركز على الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، مع توقعات بأن تصل قيمة أصولها المدارة إلى أكثر من 100 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، بحسب تقارير بلومبيرغ.

وفي قطر أعلن رئيس الوزراء، في 14 ديسمبر الجاري، مشروع "فنار" للذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي عالمياً، من خلال جمع بيانات عالية الجودة لدعم البرامج اللغوية وتعزيز استخدام اللغة العربية في التطبيقات التقنية.

وجرى تطوير مشروع فنار بالتعاون بين معهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ويعتمد المشروع على قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على أكثر من 300 مليار كلمة وأكثر من تريليون مقطع لفظي عربي، مما يمنحه قدرة استثنائية على معالجة اللغة الطبيعية بدقة متناهية.

وتماشياً مع هذه الجهود يخطط جهاز قطر للاستثمار لتوسيع استثماراته في صناعة الرقائق، وهي مجال حيوي للذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن يصبح مستثمراً رئيسياً في صندوق "أرديان" الأوروبي، الذي يدعم تطوير صناعة أشباه الموصلات.

وأكد جهاز قطر للاستثمار أن هذه الخطوة تأتي من قناعته بأهمية أشباه الموصلات في دعم التحولات الرقمية والبيئية على مستوى العالم.

كما وسع الصندوق استثماراته في قطاع التكنولوجيا، من ذلك استثماره السابق في شركة "كوكوساي إلكتريك" المتخصصة في صناعة الرقائق.