طه العاني - الخليج أونلاين
يعد افتتاح مشروع تحديث مصفاة "بابكو" للتكرير في مملكة البحرين خطوة استراتيجية في تطوير قطاع النفط والغاز وتعزيز قدرة البلاد الإنتاجية.
وتتمثل أهمية المشروع الاقتصادية من خلال زيادة الصادرات، وجذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة، فضلاً عن تعزيز مكانة البحرين كمركز إقليمي للطاقة والتكرير.
أكبر مشروع استراتيجي
دشن ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، في 19 ديسمبر الجاري، مشروع تحديث مصفاة "بابكو"، الذي يُعد الأكبر في تاريخ المملكة بمجال الطاقة، ويهدف إلى رفع القدرة الإنتاجية للمصفاة إلى 400 ألف برميل يومياً، بزيادة تبلغ 42%، مما يعكس أهميته الاستراتيجية.
وصف العاهل البحريني المشروع بأنه نقلة نوعية في مسيرة التنمية الاقتصادية، مشيراً إلى أنه سيُسهم في توفير فرص عمل مميزة للكوادر الوطنية، وتعزيز الاستثمارات المستقبلية في القطاع النفطي، الذي يعد ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
من جانبه صرّح الرئيس التنفيذي لشركة "بابكو"، عبد الرحمن جواهري، بأن المشروع يُعد أضخم استثمار في تاريخ البحرين، حيث اعتمد أحدث التقنيات لتحسين كفاءة قطاع النفط.
وأكد توظيف أكثر من 500 بحريني من المهندسين والمهندسات، مع خطة لرفع نسبة التوظيف إلى 90% خلال خمس سنوات، مبيناً أن كل وظيفة في الشركة تُنتج نحو 10 فرص عمل في القطاع الخاص المرتبط بالخدمات والصيانة.
يُذكر أن المشروع سيخصص 85% من إنتاجه للتصدير، مما يعزز الإيرادات الحكومية ويوفر منتجات ذات جودة عالية للسوق المحلي، بما يدعم مكانة البحرين الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
من جانب آخر، يقترب مشروع تحديث مصفاة "سترة" في البحرين من الإتمام، وهو خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز قدرات تكرير النفط في دول الخليج العربي.
وتأسست المصفاة عام 1936 بطاقة إنتاجية أولية بلغت 10 آلاف برميل يومياً، وتديرها الحكومة البحرينية بالكامل من خلال شركة نفط البحرين (بابكو) منذ عام 1999.
ويُعد المشروع إضافة رئيسية لقدرات التكرير الإقليمية، حيث يُسهم في زيادة الطاقة الإجمالية لدول الخليج بنحو 1.36 مليون برميل يومياً منذ عام 2022، وفق ما ذكره موقع "الطاقة".
وستتيح التوسعة الجديدة للمصفاة معالجة أنواع جديدة من النفط الخام، بما في ذلك الأنواع الأثقل، وستركز على إنتاج المشتقات المتوسطة مثل الديزل ووقود الطائرات، مع تقليل إنتاج زيت الوقود.
وتهدف أيضاً لزيادة صادراتها إلى الأسواق الأوروبية، مما يعزز مكانة البحرين كمصدر موثوق للمنتجات البترولية عالية الجودة.
وصرّح الرئيس التنفيذي لشركة "بابكو"، مارك توماس، بأن المشروع في مراحله النهائية، حيث يُتوقع بدء تشغيل وحدات النفط الخام والتقطير بحلول نهاية عام 2024، بينما ستدخل الوحدات المتقدمة، مثل التكسير الهيدروجيني، حيز التشغيل في النصف الأول من 2025.
أول اكتشاف نفطي
يُعدّ حقل البحرين البري، المعروف أيضاً بحقل "عوالي"، أول اكتشاف نفطي في منطقة الخليج العربي، حيث اكتشف مطلع ثلاثينيات القرن الماضي.
ويقع هذا الحقل تحت جبل دخان في وسط البحرين، ويمثل نقطة تحول تاريخية في مسيرة المملكة نحو التطور الاقتصادي والاجتماعي، ومع تدفق النفط لأول مرة من هذا الحقل في 16 أكتوبر 1931، بدأت الدولة رحلة جديدة نحو التحديث والتنمية، مما جعلها من أوائل دول المنطقة التي دخلت عصر النفط.
وبدأ الإنتاج التجاري في 2 يونيو 1932 بمعدل تدفق أولي بلغ 9600 برميل يومياً، وقبل عقد السبعينيات، كان الحقل ينتج نحو 70 ألف برميل يومياً، ثم استقر الإنتاج عند نحو 35 ألف برميل يومياً في العقود اللاحقة.
هذا الاكتشاف لم يكن له تأثير محلي فحسب، بل كان له صدى واسع في منطقة الخليج العربي بأسرها، حيث شجع دول الجوار على تكثيف جهودها في البحث والتنقيب عن النفط؛ مما أدى إلى تحولات اقتصادية جذرية في المنطقة.
وبحسب بيانات منصة الطاقة المتخصصة، يتضمن حقل البحرين 20 خزاناً يحتوي على النفط والغاز، مقسمة إلى 16 خزاناً للنفط و4 للغاز غير المصاحب، موزعة عبر عمود جيولوجي يبلغ طوله نحو 6 آلاف متر.
وعلى الرغم من أن البحرين كانت أول دولة في الخليج العربي اكتشف فيها النفط، فإن حجم إنتاجها من الخام يظل أقل بكثير مقارنة بدول الجوار، مثل السعودية، والإمارات، والكويت.
ويستمر قطاع النفط والغاز في أداء دور محوري في الاقتصاد البحريني، حيث تشكل إيراداته أكثر من 70% من دخل الحكومة، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل.
وتعتمد المملكة اعتماداً أساسياً على حقل البحرين البري وحقل أبوسعفة البحري، الذي تشترك في إدارته مع المملكة العربية السعودية، لتوليد عائداتها النفطية.
خطط هادفة
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي أحمد صدام، إن واقع القطاع النفطي في البحرين يتجلى من مستوى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، التي تتجاوز 14% بالأسعار الثابتة للعام الحالي.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن نمو القطاع النفطي البحريني يتمثل في الخطط الهادفة لتوسيع مستوى وكفاءة الإنتاج لمصفاة "بابكو"، مشيراً إلى التوقعات ببطء نموه لأقل من 1.3% في المستقبل، بينما يتوقع ان يصل نمو القطاع غير النفطي إلى ما يقارب 4%.
ويرى صدام أن قلة الإنتاج النفطي بالمملكة تعود إلى انخفاض مستوى المناطق النفطية، إذ لا تمتلك البحرين حقولاً ضخمة مقارنة بالسعودية أو الكويت، فضلاً عن الاستهلاك المحلي المرتفع مقارنة مع مستوى الإنتاج، وهذا يحدّ من إمكانيات التصدير وأخذ مكانة كبيرة في السوق النفطية الدولية.
ولفت إلى أن مساعي تطوير مساهمة القطاع النفطي البحريني تركز في رفع مستوى طاقة التكرير إلى 400 الف برميل يومياً، إضافة إلى الاستثمار في الاكتشافات الجديدة مثل حقل خليج البحرين الذي يحتوى على كميات من النفط الصخري.
ويردف: "ذلك يعني التوجه نحو المصادر غير التقليدية للنفط، بما يدفعها نحو استخدام تكنولوجيات جديدة لهذا النوع من الموارد النفطية، ويرفع مستوى الإنتاج ويقلل من التكاليف".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن أهمية القطاع النفطي البحريني تتبين في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال رفع مستوى القيمة المضافة للنفط الخام المستخرج من خلال الصناعات البتروكيماوية ورفع مستوى إنتاج المنتجات النفطية الأخرى.
ويؤكد صدام أن دور هذا القطاع في النمو الاقتصادي يكمن في رفع مساهمته من خلال الاستثمار في الصناعات المرتبطة به، وبما يعزز من مستوى الإيرادات العامة، التي يمكن أن تستثمر في قطاعات أخرى غير نفطية لتوسيع السوق ودعم برامج التنمية المختلفة، لرفع مستوى النمو الاقتصادي.
تراكيب جيولوجية معقدة
أما الخبير النفطي حمزة الجواهري فيشير إلى أن البحرين جزء من منطقة تزخر بحقول النفط، لكنها دولة صغيرة المساحة، وتشترك في بعض الحقول مع دول جوار كالسعودية.
وفي حديثه مع "الخليج أونلاين" يؤكد الجواهري أن البحرين لا تستطيع أن تنتج كميات أكبر من الكميات التي تنتجها حالياً، مشيراً إلى أن بعض الحقول الموجودة في المملكة تنتج حالياً كميات قليلة جداً لا تتجاوز 20- 30 ألف برميل يومياً.
ويلفت الجواهري إلى ضرورة أن يكون هناك جهد استكشافي تقوم به البحرين، وجهود أخرى تعمل على تحسين الإنتاج من الحقول المنتجة حالياً.
بدوره يقول الخبير النفطي د. عبد السميع بهبهاني لـ"الخليج أونلاين" إن التراكيب الجيولوجية المعقدة لحقل البحرين تسبب بانتعاش محدود للإنتاج الذي بدأ يعتمد على الاستخلاص المعزز للنفط (EOR).
ويشير بهبهاني إلى أن شركة بابكو تواصل الاستكشاف والتطوير والمحادثات مع شركات النفط العالمية وشركات قطاع الخدمات لتطبيق تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط في حقل البحرين البري القديم واكتشاف الغاز العميق السفلي.
إرث مستدام
يُعتبر قطاع النفط والغاز أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد البحريني، وعنصراً رئيسياً في تحقيق التنمية الشاملة التي تنعم بها المملكة، وبفضل الدعم الحكومي المتواصل يمثل القطاع 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق وزارة المالية والاقتصاد الوطني.
واستناداً إلى تاريخ طويل يمتد لما يقارب القرن، بدأت البحرين رحلتها في صناعة النفط والغاز عام 1925 بمنح أول امتياز للتنقيب، واكتشاف النفط عام 1931، لتصبح أول دولة خليجية تحقق هذا الإنجاز.
وتطورت البنية التحتية للقطاع بشكل كبير، بدءاً من إنشاء شركة "بابكو" عام 1929، وصولاً إلى تصدير أول شحنة نفط في عام 1934.
وشهد القطاع تطورات نوعية على مدار العقود، من بينها إنشاء مصفاة بابكو عام 1936، وتوسيع طاقتها الإنتاجية إلى 267 ألف برميل يومياً، مع خطة لزيادة السعة إلى 400 ألف برميل يومياً.
كما أسست المنامة في 1979 "شركة غاز البحرين" الوطنية لتعزيز الاستفادة من الغاز الطبيعي، بينما أطلقت مشروعات أخرى مثل شركة "تطوير للبترول" وشركة "البحرين للغاز المسال".
وفي عام 2023، أُعيد هيكلة القطاع بإطلاق الهوية الجديدة لمجموعة "بابكو إنرجيز" تحت قيادة الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، بهدف مواكبة التحولات العالمية في مجال الطاقة، عبر رؤية تحت شعار "طاقة لأجيال قادمة".
واليوم، يُمثل مشروع تحديث مصفاة البحرين محطة بارزة في مسيرة القطاع، حيث يتميز بإضافة وحدات معالجة حديثة، معززاً قدراته الإنتاجية ليدعم الاقتصاد الوطني ويوفر فرصاً نوعية للكوادر البحرينية.