اقتصاد » تطوير بنى

اكتشاف الليثيوم في السعودية.. دور كبير بالصناعات التحويلية والطاقة

في 2025/01/09

متابعات

يُعد اكتشاف الليثيوم في المملكة العربية السعودية خطوة كبيرة نحو تعزيز الصناعات التحويلية ودعم التحول إلى الطاقة المستدامة، ومع تزايد الطلب العالمي عليه في تصنيع البطاريات الكهربائية والأنظمة التي تخزن الطاقة المتجددة، يصبح هذا العنصر أحد الركائز الأساسية للمستقبل الصناعي والطاقة النظيفة.

يعكس هذا الاكتشاف الاستراتيجي قدرة المملكة على الاستفادة من مواردها الطبيعية لتطوير صناعات محلية مبتكرة، مما يسهم في تحقيق أهداف رؤية 2030 في تنويع الاقتصاد وتعزيز استدامة الطاقة.

اكتشاف مهم

يحظى الليثيوم باهتمام كبير في المملكة، فقد أعلنت اكتشاف احتياطيات كبيرة منه في حقولها النفطية، ديسمبر الماضي، مما يمثل تحولاً استراتيجياً هاماً وداعماً لاقتصادها.

يأتي هذا التطور بجهود شركة "أرامكو" السعودية، التي نجحت في استخراج الليثيوم لأول مرة ضمن مشروع تجريبي، وصرّح وكيل وزارة الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين خالد بن صالح المديفر، بخطط المملكة لتوسيع نطاق هذه المبادرة عبر إطلاق برنامج تجريبي تجاري يركز على التعدين المباشر.

وتقود شركة "ليهايتيك"، وهي شركة ناشئة من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، إدارة التقنيات المتقدمة لاستخراج الليثيوم من المياه المالحة في حقول النفط، بالتعاون مع شركتي "معادن" و"أرامكو" السعوديتين.

وأشاد المديفر بالتكنولوجيا المبتكرة التي طورتها جامعة "كاوست"، مؤكداً أن التقنيات المستخدمة تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم.

رغم ارتفاع تكلفة استخراج الليثيوم من المياه المالحة مقارنة بالطرق التقليدية، فإن هناك تفاؤلاً بشأن ربحية المشروع، خصوصاً مع الارتفاع الكبير في أسعار الليثيوم عالمياً وزيادة الطلب على ما يُعرف بـ"الذهب الأبيض".

ويُعتبر الليثيوم عنصراً حيوياً في صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن، والتي تُستخدم في السيارات الكهربائية، والهواتف الذكية، وأجهزة إلكترونية أخرى، ما يعكس أهميته الاستراتيجية في ظل التحول العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري.

تأتي هذه المبادرة متماشية مع توجهات المملكة الهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز التنوع الاقتصادي، وسط مساعي تحويل البلاد إلى مركز عالمي لإنتاج السيارات الكهربائية، مما يجعل استخراج الليثيوم جزءاً رئيسياً من هذه الطموحات.

وتنسجم هذه الخطوة مع التوجهات العالمية لشركات النفط الكبرى الأخرى مثل "إكسون موبيل" و"أوكسيدنتال بتروليوم"، التي تعمل هي الأخرى على تطوير تقنيات متقدمة لاستخراج الليثيوم.

ومع الاستثمارات الكبيرة والتطورات التكنولوجية الرائدة، يُتوقع أن تؤدي المملكة دوراً بارزاً في مشهد الطاقة المستدامة، ليس فقط كمنتج رئيسي لليثيوم، ولكن أيضاً كوجهة متقدمة للتكنولوجيا الخضراء والصناعات المستقبلية.

 

فرص وتحديات

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي أحمد صدام، أن اكتشاف الليثيوم سوف يسهم في دعم الصناعة التحويلية بالسعودية، حيث يعد معدناً أساسياً يدخل في صناعات مهمة، مثل تصنيع البطاريات القابلة لإعادة الشحن.

ويضيف صدام لـ"الخليج أونلاين" أن هذا الاكتشاف سوف يعزز القدرة التنافسية مستقبلاً في صناعات مهمة مثل بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة وغيرها.

ويبين أن هذا الاكتشاف يشجع قدوم شركات الاستثمار الأجنبي للاستثمار في الصناعات المتقدمة، ومن ثم ينخفض مستوى الاستيراد من هذا المادة.

ولفت صدام إلى أن وجود الليثيوم في المملكة سوف يقلل من حدة التقلبات في أسعار هذه المادة، ومن ثم يرفع في مستوى القيمة المضافة محلياً بسبب ذلك.

وحول التحديات المتوقعة لهذه الصناعة، يقول الخبير الاقتصادي إنها تتمثل في عدم وجود التقنيات المتقدمة، إضافة إلى الأضرار البيئية التي يمكن أن يسببها استخراج الليثيوم في المملكة.

ويشير إلى أن هناك تحديات اقتصادية تتمثل في ارتفاع تكلفة البنية الأساسية التي تحتاجها مشاريع الليثيوم، إضافة إلى نقص الكفاءات البشرية محلياً، وكذلك مستوى المنافسة عالمياً أمام المنتجين الآخرين، إذ لا تمتلك المملكة في الوقت الحاضر قوة تنافسية في هذا المجال أمام دول تقدمت في هذه الصناعة مثل أستراليا والصين.

أما التحدي الأخير فيلفت صدام إلى أنه يتمثل في تقلبات الأسواق الدولية التي ترتبط بشكل أساسي مع تطور صناعة السيارات الكهربائية ومستوى الطلب عليها.

ويرى أنه يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال التركيز على منتجات عالية الجودة، وبناء مخزون استراتيجي من هذه المادة لتفادي تقلبات الأسعار، فضلاً عن تقديم الحوافز والاعفاءات المختلفة للمستثمرين في هذا المجال.

ويؤكد صدام أهمية إنشاء الشراكات مع القطاع الخاص واستقطاب الخبرات العالمية إلى المملكة، إضافة إلى برامج التدريب الدولية للكفاءات الوطنية المتخصصة في هذا المجال.

ثورة الليثيوم السعودية

تعزز التقنية المبتكرة التي أعلنتها السعودية لاستخراج الليثيوم من حقول النفط ومياه البحر فرص الصناعات التحويلية، خاصة في مجالات مثل بطاريات السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة المتجددة.

وكشف تقرير نشرته صحيفة "الاقتصادية" السعودية عن أن التقنية المتقدمة التي طوّرتها (كاوست) للكشف عن احتياطيات الليثيوم واستغلالها بفعالية أظهرت كفاءة عالية، وتم اختبارها بمعدل يفوق التجارب المخبرية التقليدية بـ 100 ألف مرة.

وبحسب الصحيفة فإن التقنية ليست فقط فعالة بل تنافسية من حيث التكلفة، مما يُعزز قدرة السعودية على التحول من دولة مستوردة إلى منتجة ومصدرة لهذا العنصر الحيوي.

ويقول أستاذ هندسة البترول وعلوم الأرض بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الدكتور مسفر المري، إن إنتاج الليثيوم محلياً سيسهم بشكل كبير في تحول السعودية نحو الطاقة النظيفة، كما سيدعم تطوير بنية تحتية متقدمة ودمجها مع الصناعات الأخرى.

وأكد المري، في تصريحاته لصحيفة "الاقتصادية"، أهمية تعزيز البحث والتطوير بالتعاون مع شركات عالمية متخصصة لضمان استدامة هذه الصناعة.

من جهة أخرى وصفت المستثمرة والمستشارة البيئية وعضو اللجنة الوطنية للبيئة فرح الغريب، هذا الاكتشاف بأنه خطوة محورية نحو تعزيز مكانة السعودية كمصدر موثوق للطاقة التقليدية والنظيفة، لكنها أشارت إلى التحديات البيئية المرتبطة باستخراج الليثيوم من حقول النفط، ما يتطلب اعتماد تقنيات متقدمة وغير تقليدية لضمان الكفاءة وتقليل الأثر البيئي.

وأوضحت الغريب، في حديثها مع الصحيفة، أن استثمارات كبيرة في البنية التحتية والبحث والتطوير ستكون ضرورية لتعظيم الفوائد الاقتصادية والبيئية لهذا الاكتشاف.

على صعيد التعاون الدولي تناول وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف، خلال اجتماع مع شركات صينية متخصصة مثل (General Lithium Corporation)، فرص التعاون لتطوير إنتاج الليثيوم ومعالجة النحاس.

كما استعرض الخريف خطط المملكة الطموحة لتوطين صناعة السيارات الكهربائية، من ذلك إنتاج 500 ألف مركبة كهربائية سنوياً بحلول عام 2030، وهو ما يتطلب كميات كبيرة من الليثيوم.

وفي السياق ذاته أشار المختص في الصناعات التحويلية بندر العامر، إلى أن إنتاج الليثيوم محلياً سيتيح للسعودية تطوير صناعات متقدمة لصناعة البطاريات، ما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويوفر قيمة مضافة.

وأضاف العامر لـ"الاقتصادية" أن الاحتياطيات المكتشفة تعطي فرصة لبناء شراكات عالمية في مجالات التعدين والتكنولوجيا، مما يمكن السعودية من أن تصبح مركزاً لصناعة السيارات الكهربائية في المنطقة، مستفيدة من توطين صناعة البطاريات وإنتاج الليثيوم محلياً.