اقتصاد » تطوير بنى

عُمان تُسرّع انتقالها الأخضر.. طاقة متجددة وتصنيع محلي متكامل

في 2025/06/02

طه العاني - الخليج أونلاين

تتجه سلطنة عُمان بخطى ثابتة نحو بناء مستقبل أخضر، مستندة إلى رؤية واضحة لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وتسعى إلى الاستفادة من إمكاناتها الطبيعية لتوليد الكهرباء من الشمس والرياح، ضمن توجه وطني يدعم التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.

تأتي هذه الخطوة في إطار التزام عُمان بتحقيق الاستدامة البيئية وتنويع مصادر الدخل، من خلال مشاريع كبرى وشراكات استراتيجية، حيث تعمل الحكومة على ترسيخ مكانة السلطنة كمركز إقليمي للطاقة النظيفة في المنطقة.

مشروعات واعدة

وفي إطار جهودها المتواصلة، تستعد سلطنة عُمان لإطلاق سلسلة من المشاريع الكبرى في مجال الطاقة المتجددة، خلال العام الجاري 2025 تشمل ما بين 5 إلى 6 مشاريع لإنتاج الكهرباء من طاقتي الرياح والشمس، وفق ما أكده وزير الطاقة والمعادن العُماني، المهندس سالم بن ناصر العوفي.

ونقلت وكالة الانباء العمانية في 31 مايو 2025، عن العوفي تأكيده أن وزارة الطاقة والمعادن تعمل مع شركائها في مجموعة نماء وهيئة تنظيم الخدمات العامة لبحث أفضل سبل لتخزين الطاقة المتجددة سواء كانت بالطريقة التقليدية أو غير التقليدية التي يمكن استحداثها في سلطنة عُمان، موضحاً أنه سيتم قريباً الإعلان عن أول مشروع لتخزين الطاقة المتجددة في السلطنة.

وتركز المرحلة المقبلة على استغلال طاقة الرياح، بفضل ما تتمتع به السلطنة من مواقع مثالية لالتقاط الرياح، لا سيما في محافظتي الوسطى وظفار، حيث أُجريت دراسات قياس مكثفة، ومن المتوقع أن تدخل هذه المشاريع حيز التشغيل بنهاية عام 2027، بطاقة إنتاجية تفوق 2000 ميغاواط.

وتتواصل الجهود لتعزيز البنية التحتية للطاقة الخضراء من خلال محطات قائمة بالفعل، مثل "منح 1" و"منح 2"، واللتين تجاوز إنتاج كل منهما 500 ميغاواط من الطاقة الشمسية، ما يوفّر طاقة لـ 120 ألف منزل، مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 1.4 مليون طن سنوياً. وفق النشرة التي أصدرتها وزارة الطاقة والمعادن، في مايو الماضي.

وفي إطار التوسع في استخدام مصادر الطاقة النظيفة، يجري العمل أيضاً على مشروع "طريق الهيدروجين"، بالتعاون بين عدة جهات حكومية، لإقامة محطات لإنتاج وتوزيع الهيدروجين كوقود للشاحنات في مناطق الامتياز.

كل هذه المبادرات تمثل خطوة استراتيجية نحو تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040"، التي تسعى إلى أن تشكل الطاقة المتجددة ما لا يقل عن 30% من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030، بما يعزز موقع السلطنة في سوق الطاقة العالمي ويؤسس لاقتصاد منخفض الكربون وأكثر استدامة.

دور حيوي

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي أحمد صدام، أن مشاريع الطاقة المتجددة في عُمان تحمل أهمية بالغة في رفع مستوى مساهمة الطاقة النظيفة، مما يعزز الاستدامة اقتصادياً وبيئياً.

ويشير في حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أن السياسة الاقتصادية العُمانية تهدف إلى رفع مساهمة الطاقة المتجددة لتصل إلى 30% بحلول عام 2030.

ويبين صدام أن أهمية تخزين الطاقة تتجسد في ضمان استمرارية التيار الكهربائي حتى مع انخفاض توليد الطاقة المتجددة، وهو ما يعزز من مستوى استقرارها. كما أن لهذه المشاريع دوراً حيوياً في خلق وظائف جديدة في مجالات التصميم والصيانة والأنشطة الداعمة المرتبطة بها.

وفيما يخص التوجه نحو الأسواق العالمية، يوضح أن هناك خططاً جادة للسلطنة للنفاذ إلى السوق العالمي، مستشهداً على ذلك بالاتفاقية بين عُمان وهولندا لإنشاء أول ممر تجاري عالمي لتصدير الهيدروجين الأخضر المسال، بالإضافة إلى شراكاتها مع القطاع الخاص السعودي في مجال الطاقة المتجددة.

ويرى صدام أن عُمان تتخذ خطوات جادة نحو تحسين البنية التحتية لتخزين الطاقة المتجددة، بدءاً بتطوير تقنيات تخزين الكهرباء النظيفة، وتنفيذ مشاريع الربط الكهربائي، وهذا يعزز قدرتها على تحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة.

وعن أبرز التحديات في هذا الإطار، يفيد بأن التكاليف الرأسمالية الكبيرة تشكل التحدي الأكبر، إضافة إلى ذلك، يشكل الاعتماد الكبير على الشركات الدولية والتقنيات المستوردة تحدياً أمام استقلال الطاقة بشكل كامل في السلطنة.

تصنيع وطني

تُعزز سلطنة عُمان من مكانتها في مجال الطاقة المتجددة، ليس فقط عبر تنفيذ مشروعات إنتاج الكهرباء، بل من خلال توطين صناعاتها وتقنياتها ضمن رؤية شاملة لتنويع الاقتصاد.

وأشارت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، إلى سلسلة مبادرات إستراتيجية لتحفيز الاستثمار في الصناعات المرتبطة بالطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، والتي أطلقتها السلطنة ضمن بيئة تشريعية جاذبة وبنى تحتية متقدمة، في ظل تصاعد الزخم الدولي لتطوير حلول الطاقة النظيفة.

وتشهد المنطقة الحرة في صحار إنشاء مجمع صناعي متكامل يضم شركات عالمية متخصصة في الطاقة الشمسية، من أبرزها مشروع شركة يونايتد سولار، التي تعمل على بناء أول مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج مادة البولي سيليكون، باستثمار يبلغ 1.35 مليار دولار، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 100 ألف طن سنوياً.

كما وقّعت شركة جيتاي سولار الصينية اتفاقية لإنشاء مصنع لإنتاج الألواح الشمسية بقدرة 5 غيغاواط، إضافة إلى استثمار آخر من شركة جيه إيه سولار بقيمة 564 مليون دولار لإنشاء مصنع بطاقة تفوق 40 غيغاواط سنوياً.

وتسهم هذه المشروعات في تكوين سلسلة إنتاج متكاملة، تبدأ من المواد الخام وحتى التصدير، مما يخفض التكاليف اللوجستية ويعزز القيمة المضافة للصناعة الوطنية، كما يُتوقع أن توفر أكثر من 3 آلاف فرصة عمل، وتدعم مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي.

وبحسب وزارة التجارة والصناعة، فإن مجمع صحار يشهد تكوين منظومة صناعية متكاملة في مجال الطاقة الشمسية، بما يسهم في خفض التكاليف بنسبة تصل إلى 20%، ويعزز استقرار سلاسل التوريد رغم التحديات الجيوسياسية العالمية.

ومن خلال الاستثمار في تقنيات مثل الزجاج المتقدم، والسيليكون النقي، والمحولات، والبطاريات، تمضي عُمان بثبات نحو تحقيق ريادة إقليمية في سلاسل الإمداد الخضراء، وتعزيز دورها كمصدر موثوق لتقنيات الطاقة المستدامة، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية "عُمان 2040".

وفي سياق متصل قال المدير العام لشركة هيدروجين عُمان (هايدروم) المهندس عبد العزيز بن سعيد الشيذاني، إن قطاع الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان يتقدم بخطى واثقة، منتقلاً من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ المنظّم.

وأضاف الشيذاني في تصريح نشرته جريدة عمان في 19 أبريل الماضي، أن القطاع يستند إلى منهج متكامل يشمل تخصيص الأراضي، وتسهيل تطوير البنية الأساسية المشتركة، وإرساء الأطر التشريعية والتنظيمية، وتمكين إنشاء ممرات تصدير دولية.

وأشار إلى أن شركة هايدروم تعمل من خلال هذا النهج على بناء بيئة استثمارية قادرة على جذب مشروعات قابلة للتمويل والتوسع على نطاق عالمي.

تمثل استراتيجية عُمان للطاقة المتجددة نموذجاً متكاملاً للتحول نحو اقتصاد أخضر، عبر تكامل السياسات، والمشاريع الرائدة، والابتكار المحلي، لتثبت السلطنة أنها ليست فقط مسايرة للركب العالمي، بل تسعى للريادة في مجال الطاقة المستدامة.